عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Jun-2025

هل تعكس منصات الإعلاميين الأردنيين وعيًا وطنيًا في الأزمات؟ أ.د. خلف الطاهات

عمون-

أ.د. خلف الطاهات-

في خضمّ الأحداث الإقليمية المتسارعة والتجاذبات السياسية في المنطقة، أصبحت السوشيال ميديا ساحة مفتوحة للآراء والمواقف، لكنها أيضًا ميدانًا خصبًا للشائعات، والتضليل، وحرف البوصلة الوطنية. وفي الأردن، بلد الثقل الاستراتيجي والموقع الحساس، لم يَسلَم الرأي العام من محاولات الاختطاف والتشويه، خاصة من قبل جهات أو أفراد لا يُخفون عداءهم للدولة، ويقيمون بيننا لكن لم يحبوا الأردن يومًا.

 
ورغم أن أي جهة رسمية - عربية أو دولية وحتى ايران واسرائيل نفسيهما- لم تتهم الأردن لا بالتواطؤ في الدفاع عن إسرائيل ولا بالانحياز لطرف إقليمي كإيران خلال التراشقات الصاروخية الجارية، خرجت للاسف على منصات التواصل موجة من الإيحاءات والتلميحات من داخلنا، غذّتها أطراف جلها من النخب وانزلق معهم بعضا من الناشطين. ورغم غياب الدليل أو التصريح الرسمي، استُخدمت هذه الروايات المفبركة كوقود لحملة منظمة، هدفها الواضح زعزعة ثقة المواطن بموقف الدولة ومؤسساتها، وإغراقه في ثنائيات "مع أو ضد"، لا تخدم سوى أعداء الداخل والخارج.
 
ورغم أن حدث التراشق الصاروخي بين إيران وإسرائيل ليس الأول من نوعه، وقد شهدناه في مرات سابقة، والموقف الثابت والراسخ للاردن ان لا ارضه ولا سماءه ستكون ساحه لاي صراع بين اي كان، فإن التعامل الإعلامي المحلي معه – خاصة عبر المنصات الاجتماعية من قبل بعض الاعلاميين الاردنيين كان دون المستوى، وأقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب مهنياً ووطنياً. ما كُتب ونُشر عكس غيابًا للعمق، وتراجعًا في المعالجة الجادة، بل واستسهالًا مؤسفًا في تقديم محتوى لا يرتقي إلى حساسية الحدث وخطورته الإقليمية وانعكاساته المحتملة على أمننا الوطني. فحضرت كل الاجتهادات والفزعات والتحليلات والمنشورات مع هذا او ذاك، الا تلك التي تدافع عن موقف الاردن الراسخ والثابت في حقه بممارسة سيادته على اجواءه وارضه وحدوده.
 
وللأسف، فإن متابعة ما ينشره البعض ومنهم اعلاميين تكشف مستوىً مقلقًا من قلة المسؤولية، بل وانجرافًا محزنًا نحو تسخيف الأحداث الجادة وتسطيحها من جهة. بدلاً من ممارسة دورهم المهني بتقديم المعلومات من مصادرها الموثوقة، نجد البعض قد تنازل عن هذا الدور لصالح الركض وراء اللايكات والمشاهدات، عبر تعليقات سطحية، وسخرية مفرغة من الوعي، وروح "الظرافة الرقمية" التي تُفرّغ القضايا الكبرى من مضمونها وتحولها إلى مادة للتهكم الرخيص. ولو اقتصر الامر على مرة او مرتين لكن الامر ضمن سياقة الطبيعي والعادي، لكن للاسف استمرأ البعض في ذلك، وهو مسار لا يخدم إلا الفوضى، ويضعف الثقة في الإعلام، ويفتح الباب واسعًا أمام التضليل والارتباك الشعبي.
 
ومن جهة اخرى، الخطورة الأكبر تكمن في تداول الاتهامات غير المبنية على حقائق، بل في تصنيف الناس وفق مواقفهم من قضايا لا تخص الأردن كطرف مباشر. فصار من يطالب بالهدوء متهمًا بالانحياز، ومن يدعو للعقلانية خائنًا، ومن يسأل عن الحقائق متواطئًا. ومن كتب اللهم اضرب الظالمين بالظالمين من ملة الكفر، وهي حالة من الاستقطاب المزيف، تفتح الباب لتقسيم داخلي خطير، وتعزز مناخًا من الشك والريبة بين المواطنين أنفسهم.
 
هؤلاء الذين ينفخون بنار المصات والتعليقات لإشعال الفتن الرقمية، بعضهم يفعل ذلك بغباء غير مقصود، وقلة منهم متعمدا ومصرا، لا هدف لهم سوى النيل من منعة الدولة وهيبتها وموقفها المستقل المتوازن. الأردن، الذي طالما كان صوتًا للعقل والاعتدال، يُراد له أن يبدو متورطًا في نزاعات لا ناقة له فيها ولا جمل، عبر خطاب شعبوي مغرض لا يأخذ بالوقائع بقدر ما يستثمر في العواطف.
 
ومع هذا الذي لا نرضاه من ممارسات بعض الاعلاميين، ثمة منصات لزميلات وزملاء تعد مرجعا لا بل محجا لمن يطلب المعلومة في زمن التوهان، ونجدهم لا يقدمون معلومة من مصادرها فحسب بل يضفون عليها تعليقا يخدم السياق الوطني بكل مسؤولية وموضوعية وتوازن وغيره وحرص، وهذا ما نتمناه من الزميلات والزملاء بتوظيف منصاتهم الاعلاميه كامتداد لمهنيتهم التي نحترمها ونحرص على محتواها التي هي بالنهاية مرجع لمتابعينهم ازاء الموضوعات التي يناقشونها او يتابعونها.
 
في مواجهة هذا الواقع، تقع المسؤولية أولًا على النخب المثقفة والإعلاميين والمؤثرين الوطنيين، لفضح هذه الأساليب الخبيثة وكشف مصادرها وتفنيد أكاذيبها. كما أن تعزيز الوعي الإعلامي لدى المواطن أصبح ضرورة وطنية، ليكون قادرًا على التمييز بين المعلومة الحقيقية والدعاية المضللة. أما الدولة، فعليها ألا تستهين بتأثير الحرب النفسية على الجبهة الداخلية، وأن تعزز حضورها في الفضاء الرقمي بمزيد من الشفافية والوضوح والتفاعل المباشر، وهذا ما نلمسه حقيقة من اعلام الامن العام والتوجيه المعنوي بالجيش العربي ومركز ادارة الازمات.
 
الأردن أقوى من الشائعات، وأذكى من أن تنطلي عليه أجندات الحاقدين. لكن هذا لا يعني تجاهل خطرهم، بل التعامل معهم كأدوات اختراق يجب تحييدها. لأن الرأي العام حين يُخطف، فإن الوطن كله يصبح موضع شبهة لا يستحقها، ويدفع ثمنها أبناؤه الذين لم يكونوا يومًا إلا أوفياء له.