عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Dec-2024

صرخات خلف القضبان: سجون القمع تكشف زيف العدالة في العالم*أ. د. هاني الضمور

 الدستور

في زوايا العالم المظلمة، تتشابه السجون رغم اختلاف مواقعها وألوان شعاراتها. خلف القضبان، لا يُسجن المجرمون وحدهم، بل يُسجن العلماء، والمفكرون، وأصحاب الرأي. هناك تُكسر الأقلام التي تهدد الأنظمة القمعية، وتُدفن الأفكار التي تطمح لتحرير الشعوب. من صيدنايا في سوريا إلى أبو غريب في العراق، ومن سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى زنازين أخرى في كل مكان، يبقى القمع قاسمًا مشتركًا بين كل من يخشى حرية الإنسان وكرامته. والله غالب على أمره.
 
في سجن صيدنايا، عاش المعتقلون فصولًا من العذاب والخذلان، حيث تتحول الحياة إلى كابوس دائم. العلماء والمفكرون والسياسيون الذين حلموا بالتغيير وجدوا أنفسهم بين جدران قاسية، تُنزع منهم كرامتهم قطعةً قطعة. إنه مكان لا يقتل فقط الجسد، بل يحاول وأد الروح وإخماد صوت الحرية.
 
في أبو غريب، كانت الصور التي خرجت إلى العالم دليلًا دامغًا على أن الشعارات الزائفة لا يمكن أن تخفي القبح الحقيقي للأنظمة التي تدعي الديمقراطية. التعذيب والإذلال الممنهج الذي تعرض له السجناء العراقيون كان إهانة لكل القيم التي رفعتها الولايات المتحدة، وأثبت أن القوة المطلقة تولد الفساد المطلق.
 
لكن القصة لا تنتهي عند حدود هذه السجون. في كل مكان من العالم، توجد أنظمة تُسجن فيها العقول التي تفكر خارج الإطار، وتُكمم الأفواه التي تنطق بالحق. علماء وصحفيون ومفكرون يقضون سنوات عمرهم خلف القضبان لأنهم تجرؤوا على تحدي الظلم. في بعض الدول، يُسجن العالم لأنه نشر فكرة، ويُحاكم الكاتب لأنه كتب كلمة، ويُضطهد الناشط لأنه حلم بوطن أفضل.
 
في فلسطين، تتحول السجون إلى أدوات يومية لقمع الهوية الوطنية. الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم السنوات القليلة يُعتقلون ويُعاملون كالمجرمين. الأسرى السياسيون، الذين يحلمون بحرية بلادهم، يُتركون في ظروف قاسية لا ترحمهم. كل ذلك يتم على مرأى ومسمع من عالم صامت، يكتفي بالإدانة اللفظية دون أي خطوات حقيقية.
 
في أماكن أخرى من العالم، هناك أنظمة تدّعي الحرية لكنها تُسكت أصوات المعارضة. تُحكم بالإعدام على عالم لأنه خالف توجهات السلطة، أو يُنفى مفكر لأنه رفض الانصياع. هذه السجون ليست فقط جدرانًا مغلقة، بل هي أدوات للقمع ومحاولة لإخماد كل ما هو جميل ونبيل في الإنسان.
 
ورغم كل ذلك، فإن الحق لا يموت، وإن طال الزمن. كل صرخة ألم خلف القضبان هي شاهد على ظلم الأنظمة، وكل فكر يُسجن هو بذرة ستنمو يومًا لتصبح شجرة حرية. والله غالب على أمره، لكن أكثر الناس لا يعلمون. السجون قد تقتل الجسد، لكنها لا تستطيع أن تقتل الحلم. والحرية، مهما تأخرت، ستأتي يومًا لتُعيد للإنسان كرامته المسلوبة.