الراي
ثمَّة معركة من «نوع» خاص في الأراضي الفلسطينية المحتلة, تخوضها ما تُوصف مؤسسات المجتمع المدني مع المموّل الأوروبي. حيث برزت في الآونة الأخيرة أو على وجه الدقة في الأشهر الأخيرة من العام الماضي, لائحة «شروط» وضعها الاتحاد الأوروبي لمواصلة تمويل تلك المنظمات التي تكاثرت كالفطر في عالمنا العربي خصوصاً، والتي بدأ معظمها يأخذ دوراً سياسيّاً مُتنامياً ومُبرمَجاً، عندما «مثلاً» تقدّمَت فيه الاحتجاجات والتظاهرات التي اندلعت «ثورات» الربيع العربي, وكان لافتاً ضمن أمور أخرى, غياب «القيادة» عن هذه «الإحتجاجات» التي وقفت خلفها تلك الهيئات ذات القوة «الناعمة», التي تتلقّى على الفور دعماً سياسياً ودبلوماسياً وخصوصاً إعلامياً إذا ما حاولَتْ سلطات دولة ما, سواء عربية (لبنان مِثالا) أم في أوروبا الوسطى والشرقية ناهيك عن أميركا اللاتينية، لجم احتجاجاتها أو اعتقال بعض أفرادها, خصوصاً أولئك الذين تُفتح لهم «فضاءات» الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي, ويحظون بدعم سفراء «دول العالم الحُر» الذين يرطنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات «المُزوّرة», ودائماً يحتجّون على نتائج أي انتخابات رئاسية أو برلمانية لا تأتي وفق مُخطط الثورات المُلوَّنة التي انتشرت كالوباء في أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفياتية السابقة.
ما يجري في الأراضي الفلسطينية في هذا الشأن مُختلف تماماً, وإن كان يأتي في السياقات ذاتها, التي تدفع «المُمولين» الأوروبيين لـ«تسّييس» شروطهم, على نحو يكشف حقيقة هذه الحماسة وكل الكلام المعسول لتمويل مؤسسات وهيئات يقوم بعضها بمهمات إنسانية بحتة, كما تفعل جمعية الشبان المسيحية, التي تُشرِف على برنامج تأهيل خاص بالأطفال الأسرى المُحرَّرِين.
ما «يحتدِم» الآن بين معظم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والجِهات المُموِّلة, وَضعّ حدّاً (هكذا نعتقد) للأوهام التي حاول المُتحمِّسون لتلقي التمويل الأجنبي بثه في صفوف مجتمعاتنا العربية – والفلسطينية خصوصاً – والزعم بأنه انعكاس لرغبة أوروبية (قيل أميركية أيضاً) لنشر قَيم الديمقراطية ودعم وجود مؤسسات غير حكومية تُعنى بالتثقيف الحقوقي ودعم برامج الانتخابات وتمكين المرأة, وغيرها من العناوين البرَّاقة التي تهاوَت, بعد سقوط الأقنعة وانكشاف الحقائق عندما طلب الاتحاد الأوروبي من أي مؤسسة مُجتمع مدني فلسطينية تريد استمرار التمويل, التوقيع على وثيقة أٌسميت «وثيقة الإرهاب", تعتبر تنظيمات وحركات فلسطينية إرهابية, كما تفرِض عليها الخضوع لإجراءات فحص وتدقيق, إضافة إلى طلب لافت ومثير.. هو «منع المؤسسات المُموّلة أوروبياً من الانخراط في حملة مُقاطعة إسرائيل وسَحب الاستثمارات منها ومُعاقبتها «BDS».
غالبية الـ"NGO's» الفلسطينية رفضت الشروط الأوروبية, ودشّنت حملة مُضادة, مُطالِبة جميع مؤسسات المجتمع المدني رفض تلك الشروط. لكن الواقع يقول: أن مؤسسات أُخرى وافقَتْ على الشروط الأوروبية (عددها 15), فيما حاول الاتحاد الأوروبي استدراك الأمور بعد تصاعد الحملة على شروطه «المُسيّسة", فقام بإرفاق رسالة توضيحية (بلا قيمة قانونية وغير مُلزِمة) يُعلن فيها «احترامه» سعي الشعب الفلسطيني لنيل حقه في تقرير المصير, مع تأكيده (وهنا تكمن خطورة التوضيح المُلتبِس) على إلزامية (البند 5/1) الذي يُجرِّم النضال الفلسطيني ويدمغ بـِ"الإرهاب» فصائل فلسطينية.