التعديل الوزاري.. وأولويات المواطن*د. ابراهيم بدران
الغد
جرى التعديل الوزاري يوم الاربعاء الماضي بهدوء وشفافية مقبولة، وشمل التعديل ما يقرب من ثلث اعضاء الفريق الوزاري. وفي تصريحه بعد التعديل مباشرة أكد رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان ان وقت الحكومة ليس ملكا لها، بل حق لجميع الاردنيين، وأن التأخر في تنفيذ المشاريع تكون كلفته اكبر بكثير ويضيع على البلاد الكثير من الفرص.
وكان مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية وقبل يوم واحد من التعديل الوزاري قد نشر نتائج استطلاع الرأي الذي قام به حول رأى المواطنين في مسار الحكومة والقضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة للأردنيين. حيث أكد 49 % من العينة أن القضية الأكثر خطورة وأهمية هي مسألة البطالة وضرورة تحرك الحكومة لوضع الحلول المناسبة لمواجهتها، خاصة وأنه قد مضت سنوات عديدة على وصول البطالة ارقاماً كبيرة تجاوزت 21 % في متوسطها، في حين انها أعلى من ذلك في بعض المحافظات، وأعلى من ذلك بكثير لدى الشباب ولدى الإناث. اما المسألة الثانية التي حظيت باهتمام الاردنيين بعيداً عن السياسة فكانت آفة المخدرات، والتي يعتقد 55 % من الاردنيين أنها منتشرة بدرجة كبيرة في المجتمع وخاصة بين الشباب من سن (18) الى (25) سنة، تليهم فئة المراهقين من سن (13) الى (17) سنة، بينما يرى 16 % من العينة ان جميع الفئات العمرية متأثرة بالمخدرات بكل ما يعني ذلك من خطر داهم على الامن المجتمعي والاقتصادي. وعلينا هنا ان ننظر في الصلة بين المخدرات والبطالة. إذ تبين الدراسات والابحاث المعمقة أن هناك صلة قوية بين البطالة وانتشار المخدرات، حيث يقدر الخبراء أن كل زيادة في البطالة بمقدار 1 % يترتب عليها ارتفاع في تعاطي المخدرات بنسبة تتراوح بين 5 % إلى 9 %، الامر الذي يعطي للبطالة بعداً بالغ الخطورة، لأن ارتفاع تعاطي المخدرات غالباً ما يكون طريقاً في اتجاه واحد. ورغم ما كتب عن البطالة والمخدرات منذ سنوات ورغم تزايد أعداد العاطلين عن العمل وان كانت النسب المئوية قد تنخفض قليلا، فإن الحكومات المتعاقبة لم تأخذ موضوع البطالة كهدف رئيسي بحد ذاته. وانما كان الافتراض وما يزال بأن برامج التحديث الاقتصادي سوف تحل المشكلة. وهذا افتراض غير دقيق على المدى القصير والمتوسط، وقد اثبتت الأيام ذلك.
وهنا لا بد من التأكيد على النقاط الرئيسية التالية:
اولاً: حين تصل البطالة الى 3 اضعاف المتوسط العالمي وضعف المتوسط العربي فلا بد ان تؤخذ كموضوع قائم بداته تماما كما فعلت ماليزيا في بداية نهضتها الصناعية المعاصرة.
ثانياً: وحين تصل آفة المخدرات الى المستوى الذي وصلت اليه ويتم توقيف 38 ألف شخص عام 2024 (شكراً لدوائر الأمن ومكافحة المخدرات) وحين تكون الاردن هدفاً لتجارة المخدرات فإن هذه الآفة يجب ان تكون محاربتها هدفاً واضحاً للحكومة يقترن مع هدفها بمواجهة البطالة نظراً للتأثير المتبادل بينهما.
ثالثاً: ان الاستثمارات الرأسمالية للحكومة يذهب 90.8 % منها للانفاق على مشاريع في المحافظتين الرئيستين بينما يذهب 9.2 % فقط الى بقية المحافظات. الأمر الذي يعظم من الفجوة بين العاصمة والمحافظات الأعلى على سلم البطالة حيث لا تتاح الفرصة لها للتنمية.
رابعاً: ان توليد 100 ألف فرصة عمل سنوياً كما تفترض خطة التحديث يتطلب استثمارات في مشاريع انتاجية لا تقل عن 3 مليار دينار سنوياً. وفي خلاف ذلك فإن أعداد العاطلين عن العمل تتزايد وتدفع جزء من الشباب للوقوع ضحية المخدرات التي يوفرها تجار هذه المادة القاتلة.
خامساً: كما تحركت الحكومة لمشاركة القطاع الخاص في انشاء مستشفى مادبا الجديد، وهذا جيد، ما الذي يمنع الحكومة للتوسع في هذا التوجه ومشاركة القطاع الخاص الوطني في مشاريع انتاجية متنوعة في المحافظات.
سادساً: ان إعلان قوائم مشاريع انتاجية في المحافظات مع اعطائها كافة التسهيلات التي يبحث عنها المستثمر وفي مقدمتها تخفيض كلفة الطاقة والنقل وتسهيل وتبسيط متطلبات البناء يضاف إليها التحرك الحكومي لإنشاء شركات مساهمة عامة يساهم فيها المواطن العادي بما لديه من مدخرات اضافة الى مساهمة الحكومة والشركات الكبيرة يمثل هذا التحرك اذا بدأ واستمر القطار الأسرع لتحقيق التنمية في المحافظات وتخفيض البطالة وإبعاد الشباب عن شرك المخدرات. سابعاً: يفترض الا تسنفذ الحكومة جهودها ووقتها في الهيكلة وإعادة الهيكلة ثم الرجوع الى الهيكلة السابقة وهكذا.. إذ ان المشكلة ليست في الهياكل الادارية في اطارها البنيوي، بقدر ما هي في اشكالية رفع المستوى النوعي للموظف بوسائل متعددة في مقدمتها ربط الترقية سواء كانت للدرجة او الوظيفة ربطها بسلسلة من الدورات والبرامج التي يجب اجتيازها قبل كل ترقية ووضع مقياس لرضا الجمهور عن الاداء في كل دائرة ومؤسسة على حدة.
ثامناً: ان تطوير القطاع العام يجب ان يركز على تطوير عقلية الموظف وثقافته ورؤيته من الناحية الوطنية و المؤسسية ازاء التعامل مع المواطنين وازاء التخصص الذي يعمل فيه، وان يتم الربط بين الرواتب والترقيات من جهة وبين نجاح خطة الدولة في التحديث فيما يخص القطاع ذات العلاقة من جهة ثانية.
تاسعاً ان تمكين الطلبة من المهارات الريادية والرقمية والتخصصية في جميع المستويات ومساعدة المشاريع المتعثرة على النهوض وانشاء التعاونيات والشركات الخاصة للمشاريع الصغيرة بما فيها تصنيع المنتجات في المنازل واعطائها اسماء تجارية لتسويقها وانخراط الدولة في الشراكة المباشرة سوف يساعد على تقليص البطالة وبالتالي تخفيض الوقوع في شرك المخدرات، خاصة اذا تم تغليط العقوبة على التجار والمروجين بالدرجة الأولى وجرى التوسع في البرامج التثقيفية على شتى المستويات.
وأخيراً فإن الحكومة عليها ان تحافظ على تفاؤل المواطنين بصحة مسيرتها وأن تدرك الترابط غير المعلن بين البطالة والمخدرات وتجعل تخفيض البطالة بنسب جيدة هدفاً رئيسياً للمؤسسات وهذا سيدفع باتجاه المزيد من الاستثمار والتشاركية مع المواطن والاستعانة بأهل العلم والخبرة والتكنولوجيا والافادة من البنية القوية لعدد من الشركات والمؤسسات المالية الاردنية .