عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Jan-2020

اللعب على حافة الهاوية - عمر عليمات

 

الدستور - الأمر الوحيد الثابت بعد مقتل رجل إيران القوي هو أن المنطقة لم تعد أكثر أماناً، برغم أن قاسم سليماني مثل لفترة طويلة عنصر تهديد فعلي للأمن والسلم الإقليميين، عبر إدارته مليشيات خارج نطاق القانون والدولة في العديد من الدول العربية.
الجميع يدرك أن لا أحد يريد صراعاً شاملاً في المنطقة، إلا أن مستويات التصعيد بين طهران وواشنطن لا يمكن لأحد أن يتنبأ بها وبمآلتها، في ظل تداخل القرار الإيراني مع قرار المليشيات خاصة الحشد الشعبي والحوثيين، وهؤلاء تم شحنهم لسنوات طويلة بشعار «الموت لأمريكا»، وهذا ما يفسر مطالبة الحوثيين للنظام الإيراني بالرد السريع، ورفع شعار أن «الأيادي المرتعشة لا تصنع النصر»، كما قال محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا للحوثيين.
الرئيس الأمريكي يؤكد أن استهداف سليماني جاء لإنهاء الحرب وليس لإشعالها، ولكنه في ذات الوقت يتجاهل أن هذه الخطوة قد تشكل بداية لأكبر هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، في حال أصرت الحكومة العراقية على إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، مع ما سيترتب على ذلك من توقف لعمليات التحالف الدولي ضد داعش، وعودة الفوضى بشقيها الإرهابي والإيراني، وتأثيرات كل ذلك على استقرار المنطقة وأمن إمدادات الطاقة العالمية.
دول المنطقة تدرك كل ذلك جيداً، لذلك أجمع أغلبها على ضرورة التهدئة وخفض التصعيد، غير أنها في النهاية ليست صاحبة القرار وليست لها القدرة على لجم القرار الإيراني المطالب اليوم بالرد الواضح، وعلى الجميع أن يعي أن النظام الإيراني وبرغم كل مشاكله وأزماته الداخلية، تمكن من الصمود عبر محافظته على إدامة الصراع خارجياً لضمان استمرار نفوذه، لذا فإن أي تراجع أو ضبط للنفس من جانبه سيفقده الكثير من هيبته وقدرته على ضبط الوكلاء في المنطقة.
إيران مطالبة بالرد، وهي من سيقرر الشكل والوقت المناسب لها، وإذا ما ذهبت إلى الرد المباشر على قوات أو مقار أمريكية حتى ولو عبر وكلائها، فهذا سيتطلب رداً أمريكياً، وهنا تكمن شرارة الصراع الشامل، برغم تهديد الرئيس الأمريكي وحرب الردع التي يمارسها بتصريحه أن 52 هدفاً إيرانياً تم تحديدها للضرب في حال تجاوزت طهران الخطوط الحمراء.
أما الأهداف الأمريكية في المنطقة فهي أكثر من أن تحصى، وهي محاطة بسلسلة من المليشيات التابعة لإيران، وقد تأخذ هذه المليشيات القرار نيابة عن إيران، لتخلط الأوراق ويصبح الجميع أمام خيار وحيد وهو الخيار العسكري، والتاريخ يحمل العديد من الشواهد التي تؤكد أن الحرب قد تفرض أحياناً على طرفيها فرضاً.
كل ذلك يتقاطع مع إشكالية نزق القرار العسكري الأمريكي، إذ لا يستطيع أحد التنبؤ بقرارات الرئيس الأمريكي، ففي الوقت الذي كان العالم أجمع ينتظر فيه الرد الأمريكي على إسقاط إيران- بلا مبرر- طائرة من دون طيار أمريكية فوق مياه مضيق هرمز، أحجم دونالد ترامب عن الرد، من مبدأ أنه لا يريد صراعاً في الشرق الأوسط، ليفاجئ الجميع بخطوة استهداف قاسم سليماني، منقلباً على استراتيجيته التي تبناها منذ دخوله البيت الأبيض، وهي تجنب أي صراعات في المنطقة.
بالمحصلة، فإن رداً ما قادم لا محالة، لأن إيران لن تقبل بأن تفقد نفوذاً وهيبة صنعتهما على مدى عقود، وهناك مليشيات قد تأخذ القرار إذا ما تعقلت طهران والتزمت الحكمة، وعندها على الجميع أن يتوقع الأسوأ.