عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Sep-2025

"أنا يوسف يا أبي".. رواية تناقش القضايا الاجتماعية وتحديات العصر

 الغد-عزيزة علي

 تعكس رواية "أنا يوسف يا أبي" للكاتب والأكاديمي الدكتور باسم إبراهيم الزعبي، الواقع الاجتماعي والسياسي للأسرة والمجتمع العربي، مستعرضا صراعات الهوية، الاغتراب، في زمن تتقاطع فيه الحروب والتغيرات الاجتماعية. 
 
 
ومن خلال استخدام الرموز واللغة السردية المكثفة، يقدم الزعبي نصا مفتوحا على التأويل، يجمع بين الواقعية اليومية والبعد الرمزي، ويغرس في القارئ رسالة أمل ومقاومة وسط الواقع المأساوي.
ولتسليط الضوء على "أنا يوسف يا أبي"، استضافت مبادرة نون للكتاب في جلستها الثانية والثلاثين، بمكتبة عبد الحميد شومان، الكاتب الزعبي للنقاش حول روايته.
وشاركت في الأمسية التي أدارتها سماح موسى، الدكتورة فداء أبو فردة، التي قدمت قراءة نقدية بانورامية تناولت فيها المحاور الرئيسة في الرواية.
وقالت الدكتورة أبو فردة "إن رواية "أنا يوسف يا أبي"، تعد من أهم الروايات التي تسلط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مهمة تعانيها البلدان العربية والمجتمعات العربية، وكذلك الأسر العربية، بما في ذلك اختلاف الثقافات ومشاكل الشباب وتحديات العصر فيما يتعلق بالتكنولوجيا والانفتاح على المجتمعات، وما نجم عن ذلك من تأثيرات على الشخصيات وأساليب التواصل وأنماط العيش، وصراع الحضارات وتعايشها وسط سلسلة متصاعدة من التغييرات الهائلة".
ثم تحدثت أبو فردة عن العتبة النصية الأولى للرواية وهي (الغلاف والعنوان)، مبينة أن غلاف الرواية جاء أبيض اللون، ولا يخفى على القارئ لما يعكسه البياض من صفاء ونقاء وسلام ونوايا طيبة، وهو رمز للإنسان الخالي من الذنوب والخطايا، كمولود جديد.
وقالت أبو فردة "إن قصيدة "أنا يوسف يا أبي"، لمحمود درويش، تأتي في إشارة ذكية من الكاتب لاستدعاء شخصية يوسف عليه السلام ورمزيته، ومعاناته مع إخوته وظلمه من امرأة العزيز، وحكاية سجنه ظلما، ومحطات حياته المتعددة، وصولا إلى نصره وتحقيق العدالة، مع وجود اختلافات بين يوسف عند محمود درويش، و"يوسف" عند باسم الزعبي، الذي يرمز لمعاناة المواطن العربي وحالة ضياعه وانقطاعه عن جذوره، في توليفة تعكس حقيقة التطرف ومعاناة الهوية.
وأشارت إلى أن يوسف عند باسم الزعبي، فهو يرمز إلى معاناة المواطن العربي وحالة ضياعه وانقطاعه عن جذوره، وفقدانه لهويته، في توليفة تعكس واقع التطرف ومعاناة الهوية.
ورأت أن الزعبي يقدم للقارئ أجواء عامة عن الرواية، بوضعه في البيئة النفسية التي يعيشها أبطالها، وهم ضحايا مزقتهم الأوجاع، وضحايا عيوب المجتمع العربي بكل ما فيه من حروب وفساد وخيانة. ويريد الزعبي أن يشعرنا بأنهم أشلاء مبعثرة، تشوهت وشتتتها المعاناة، ويطلب منا عدم مطابقتها بالواقع، كأنه يؤكد أن شخصياته، رغم تمثيلها لواقع المجتمع، تبقى نصا أدبيا يتيح للخيال الحر أن يتفاعل معها.
وفي عتبة نصية أخيرة، تكتمل الصورة مع العنوان "أنا يوسف"، حيث يصر الكاتب على استخدام اسم يوسف ليعكس شخصية محمد عون، بطل الرواية، موضحا قصة القميص والصورة الظاهرة على الغلاف، ومستحضرا بذلك ثيمات مهمة تشكل ركيزة أساسية في الرواية، مثل: "أنا يوسف"، "القميص ذاته".
وتحدثت أبو فردة عن ثيمات الرواية مبينة أنها تشكل حالة من البطولة الجماعية، أو "الحالة الجمعية"، التي يقدمها الكاتب للأسرة العربية. تعرض الرواية العديد من مشكلات الأسرة العربية وسبل حلها، مع تسليط الضوء على الهنات وجوانب الضعف، بأسلوب سردي يراعي الحالة النفسية للشخصيات، ويستفيد من استخدام فني ذكي للحوار، سواء بين الشخصيات أو بين الشخصية ونفسها.
ورأت أن الرواية تعالج محاور مهمة، تشمل الهم الدولي والقضايا العربية الشائكة، ومشكلات الأسرة، ومستجدات الانعزال الاجتماعي، حيث أصبح لكل فرد عالمه الخاص المغلق عليه بفعل التكنولوجيا. كما تتناول الرواية الحرب في سورية، وكشف حقيقة الإرهاب وبشاعته، وقضية اختيار الشريك بعناية ووعي، فالقصة مع عون تظهر كيف أن الانفتاح والانغماس من دون وعي مع غالينا قاداه إلى التهلكة والضياع.
وأشارت إلى أن الرواية تعرض مشاكل الجيل الجديد، المتمثلة بفقدان الهوية والتيه، وانهيار المنظومة الإنسانية في كثير من الحروب، وحالات الخيانة والنفاق الاجتماعي والإنساني، وسط منظومة فساد منتشرة في مؤسسات المجتمع. وفي الوقت نفسه، تحمل الرواية موقفا إنسانيا يعكس عمق الفكر ونضجه، متناولا واقع الأسرة العربية بشكل خاص والمجتمعات العربية بشكل عام، وكاشفة واقعا مأساويا من التطرف والجهل والضياع، في ظل الطوائف والعنصرية التي يوظفها العدو لتدمير الأمة.
وأضافت أنه رغم كل ما تحتويه الرواية من واقع مؤلم، تظل مغمسة بالأمل، إذ تقوم شخصياتها في العموم على المقاومة ومحاولة النهوض من جديد، في رمز ناجح ورسالة قوية مفادها بعدم الاستسلام. ويظل الأمل عنوانا خيطا ينساب عبر الرواية من بدايتها حتى نهايتها، ويتجلى ذلك في زواج محمد (يوسف) وإنجابه لعون الصغير، وعودة عون لأحضان الوطن وأسرته، واسترداد ريمة لعلاقتها بوالدها وأخيها.
ثم أشارت في ورقتها إلى تقنيات الرواية التي استخدمها الزعبي بذكاء وحنكة، ومنها أسلوب السرد، والوقفات الوصفية، والحوار بشقيه الداخلي والخارجي. ففي اللغة السردية، ركز الزعبي على أعماق الإنسان وتحليل مكنوناته النفسية، عبر كشف تحولات الشخصيات من حالة إلى أخرى.
تمثل الرواية مزيجا بين لغة شاعرية مكثفة ولغة سردية واقعية. يعتمد الزعبي على توظيف الصور البلاغية والاستعارات التي تستحضر التراث الديني، مثل قصة يوسف في القرآن الكريم، مع دمج لغة الحياة اليومية المعاصرة. يخلق هذا المزج عاطفة وتأملا في بعض الصفحات، وينتقل إلى لغة تقريرية مباشرة حسب مناسبة النص، خاصة عند تناول موضوعات مثل الرأسمالية والاشتراكية أو قضايا التطرف والإسلام الحقيقي.
وأشارت إلى أن النص يجمع بين اللغة الفصيحة واليومية، مما يجعله قريبًا من المتلقي دون أن يفقد جمالياته، مع تناص واضح مع القرآن في قصة يوسف، مثل الرموز: "الجب"، "الذئب"، و"الإخوة"، ما يمنح الرواية عمقا رمزيا. وفي بعض الأحيان يظهر تفاوت بين اللغة الرمزية العالية واللغة التقريرية المباشرة في الحوارات اليومية، حيث يصبح الأسلوب مباشرا عند الحديث عن الفساد والتقاعد والاستغلال، وفنيا ورمزيا في باقي الأحداث.
وتتسم لغة الرواية بثراء بلاغي وقدرة رمزية واضحة، وهي نقطة قوة تجعلها تتجاوز الحكاية المباشرة نحو أفق التأويل، فتكون مؤثرة حين تنسجم مع الرموز والسرد، ومثقلة حين تنتقل إلى الأسلوب المباشر.
وخلصت أبو فردة، إلى أن الرواية هي نص مفتوح على قراءات متعددة، تنجح في استثمار جماليات التلقي لإشراك القارئ في إنتاج المعنى. تتداخل الرموز والمفارقات والانزياحات اللغوية لتصنع نصا غنيا بالتأويلات، يعكس قضايا الاغتراب والخيانة والانكسار الإنساني في زمن تتراجع فيه القيم، ويمتليء بالحروب والفساد.
وأدار الحوار بين المؤلف والجهور الناقد أسيد الحوتري. حيث تطرق الحضور إلى عنصر التشويق في النص، من خلال الغموض والأسئلة المفتوحة والتوتر الدرامي وتعدد الحبكات التي نسجت خيوطا متداخلة بين السرد الواقعي والاستدعاءات السياسية والاجتماعية، وهو ما منح الرواية بعدا إنسانيا يعكس قلق الفرد في مواجهة أزمات الواقع.
واختتمت الجلسة بمداخلات من الحضور حول الأبعاد الفكرية والرمزية في الرواية، ودورها في طرح أسئلة حول الأسرة والعدالة والهوية، بما يؤكد أن العمل يشكل مرآة لوجع إنساني ممتد يتجاوز حدود المكان والزمان. 
وفي ختام النقاش، تم التوجه بالشكر للحضور الكريم وللمشاركين المبدعين، ولإدارة مكتبة عبد الحميد شومان، على دورها الكبير في دعم المشهد الثقافي الأردني، كما جرى تكريم الروائي الدكتور باسم الزعبي بدرع تذكارية، وتكريم الناقدة الدكتورة فداء أبو فردة بشهادة تقديرية، والتقاط صورة جماعية ختاما للفعالية.