عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Apr-2024

الردع الأميركي والأمن الإقليمي*علي البلاونة

 الدستور

طرحت أزمة غزة، تساؤلات عديدة حول الأمن في الشرق الأوسط، وذلك لأن الإستراتيجيات الأميركية في المنطقة، لم تسعى لصياغة ترتيباتدائمة، وكان جل جهدها في السنوات الآخيرة إدماج إسرائيل، ولتحقيق مكاسب إنتخابية، ولم تسعى بجدية لبناء آفاق سياسية جديدة للأزمات وحلها، ووضع المنطقة ضمن خريطة مسارات تنموية تسهم في خفض نسب التوتر وعدم الاستقرار المرتفعة.
هشاشة القوة الأميركية، تم امتحانها مرات عديدة، منذ تفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية في بيروت في 23 تشرين الأول 1983 وبعده أبراج الخبر عام 1996 وتفجير يو إس إس كولفي 12 أكتوبر 2000، وصولا الى إسقاط طائرة آر كيو-4 غلوبال هوكفي 20 يونيو 2019، واستهداف قاعدتها الجوية العسكرية (برج 22)شمال شرقي الأردن في يناير 2024، وإستهداف السفن الأميركية في باب المندب، هذه الهشاشة دفعت بالخبراء الأميركان للقول بأنها كانت السبب الرئيس وراء تراجع قوة الردع الأميركية.
أضف الى ذلك فشلها في تعزيز الاستقرار في العراق وإضطرارها للانسحاب والإبقاء على قوات محدودة، وتركه ساحة للارهاب والميليشيا، وكذلك انسحابها المهين من أفغانستان، رغم تقارير الاستخبارات التي استشرفت الأوضاع قبل ذلك بعدة سنوات، وأكدت عودة طالبان، وأشارت الى وجود فساد عميق في صفوف قواتها، الى جانب ضعف دورها في ضبط الصراع في اليمن وسوريا وليبيا، لا بل تركت هذه المناطق بيئة وملاذ آمن للتطرف والإرهاب.
ضعف قوة الردع، دفع بالخبراء الأميركان لتشجيع دول المنطقة على إنشاء مظلة أمن إقليمي دون الإعتماد على الولايات المتحدة، هذا التوجه منطقي ولكنه غير موضوعي لأنه أراد التجاوز عن حقائق أساسية وراسخة في الشرق الأوسط، لا يمكن تجاوزها تحت ضغط الهواجس الأمنية، إذ لا يمكن أن يصنع أمن إقليمي او سلام دون تسويات تاريخية للأزمات فيه، ولهذا عارضت السعودية توجهات الرئيس بايدن الطموحة عندما اشترطت حل القضية الفلسطينية وفقا لحدود 1967، ولأن ليس هناك شريك إستراتيجي إسرائيلي، ولن يكون، فإن هذه الدول لم تعد جوائز ترضية تمنح الآخرين مكافآت انتخابية على حسابها، ولهذا بدأت بناء علاقات متوازنة مع القوى الدولية، وبخاصة مع الصين وروسيا.
وبسبب ضعف الردع من جانب، وغياب أفق حقيقي وواقعي لحل القضية الفلسطينية من جانب آخر، فأن المنطقة عرضة لأزمات متفجرة عديدة، وبالتالي لن تكون حرب غزة هي الأخيرة، ولو تم القضاء على حماس والجهاد الإسلامي، فإن الاستشراف المنظور يفيد بأن جيل طوفان الأقصى سيكون أكثر صعوبة من حماس، وستكون حماس تنظيما سياسيا معتدلا بالنسبة له، وسيتجاوز مفهوم داعش، مع الحفاظ على وحدة الهدف الفلسطيني.
وتراجع الردع وصل الى مرحلة خطيرة، كما أشار اليه الكاتب Sean Durns في Washington examinerفي مقالة بعنوان «إسرائيل توجه رسالة إلى إيران عبر دمشق» بأن مسارعة واشنطن التنصل السريع من علاقتها بالقصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق سيفهم في الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة تخشى رد فعل إيراني على مقتل قادة الحرس الثوري. إن مثل هذا الضعف استفزازي ويستمر في تقليص قوة الردع الأميركية المتآكلة. «
وفي مجلة Foreign Affairs أشار ستيفن سيمون وجوناثان ستيفنسون، في مقالة بعنوان» حرب غزة تكشف حدود قوة واشنطن ومخاطر تجاوزها» بأن واشنطن التي بدأت تخصيص ونقل الموارد من الشرق الأوسط إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتوظف قوتها وإمكاناتها لمواجهة الصين، أصبح إهتمامها بالحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط أقل أهمية وثانويا، ما سمح بملء الفراغ من قوى الاستقواء وأدواتها الهجينة.
في ظل هذه المعطيات، يرى المراقبون بأن الدولة الأميركية العميقةترغب منح التطرف والإرهاب والميليشيات حضورا أكبر في المنطقة، وذلكلدفع الدول للتفاهم وصياغة تحالفات أمنية لمواجهته، وفي حال لم تتحقق التحالفات الأمنية، فأن على الدول تعزيز الشراكة الأمنية – المجتمعية، عبر تعزيز الحصانة الوطنية لمواجهة الإختراقات الخارجية،وبخاصة في ظل انتشار الميليشيات والتنظيمات المتطرفة والمدعومة من إيران، الى جانب وجود توظيف للإرهاب كأداة تدخل لمنع قوى دولية أو إقليمية من ملء الفراغ الناشيء بسبب الغياب الأميركي.
ولعل جولات الملك الآخيرة، في العديد من المحافظات والمدن الأردنية، جاءت نتاجا لفكرة تعزيز الأمن الداخلي، وتأكيد وترسيخ الحصانة الوطنية، ومنع العبث بالأمن والإستقرار تحت أية ذرائع من قوى الأحرى بها أن تكون داعما لهذا الإستقرار، لا أن تساهم الى جانب ميليشيات تهريب السلاح والمخدرات في إستهدافه.
أن ضعف الردع الأميركي يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل صناعة الأمن، وحول آلية توفيره في منطقة هشة وقلقة وفيها صراعات عديدة ناجمة عن ضعف النظام العربي، وإصرار البعض ترحيل أزماته الداخلية وتصديرها للمنطقة.
لقد أظهرت التهديدات الأخيرة للأمن الأردني بوضوح وجود تعاضد سعودي – خليجي داعم للأمن والاستقرار في هذا البلد، وأن هناك عمقا سياسيا واجتماعيا حاضنا للأردن، مساعدا ومساندا وداعما لموقفه في مواجهة التحديات والأخطار الخارجية، التي تمثلها إيران من جانب، ومخاطر التطرف اليميني الإسرائيلي من جانب اخر، وعليه يشكل دعم استقرار السلطة الفلسطينية وقطاع غزة إستراتيجية أردنية لا مجال للنقاش فيها أو المزاودة عليها،سواء اتفقنا أو اختلفنا مع قيادة حركة حماس، فالإستراتيجية الأردنية نحو فلسطين كما يراها الأردني جزء هام من كرامته وعروبته.
كما علينا وفي ظل هذه المعطيات، العمل الجاد لبناء ترتيبات أمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي، واعتبار ذلك من أولويات القرار الأردني لأن الاستهداف الخارجي يتعاظم ويستهدف الجميع بلا استثناء.