الغد
استكمل مجلس النواب تشكيل مكتبه الدائم، ولجانه المختصة، ورفع رده على خطاب العرش السامي، وأصبح جاهزا للتعامل مع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2025، والثقة بالحكومة. ومع ذلك ما تزال الأجواء مشحونة ببعض متبقيات ما جرى في عملية انتخاب الرئاسة والمكتب.
فالأجواء السائدة داخل المجلس وخارجه، تنقسم في اتجاهين، أولهما يرى أن الإسلاميين تعرضوا للإقصاء في عملية تشكيل المكتب بحكم أنهم الحزب الأكثر ـ نسبيا ـ من حيث عدد المقاعد، وثانيهما يرى أن ما حدث كان أمرا طبيعيا، وأن العملية ككل لم تخرج عن إطار الديمقراطية وأدواتها.
وبين هذه وتلك يرى الإسلاميون أنهم حصلوا على نصف مليون صوت، وأن هذا الرقم كاف ـ من وجهة نظرهم ـ للحصول على رئاسة المجلس. وفي المقابل يرى المتآلفون من الأحزاب الأخرى أنهم يشكلون أكثر من ثلثي عدد أعضاء المجلس وفي ذلك ما يكفي للفوز بالرئاسة.
وعلى مستوى الشارع هناك من يرى أن العملية محكومة بالقانون والدستور، وأنها تجاوزت عدد الأصوات، وأصبح الحسم من اختصاص النواب تحت القبة بغض النظر عن عدد الأصوات التي حصلوا عليها في صناديق الانتخاب.
إلى هنا كان من الممكن أن يكون الأمر طبيعيا جدا فيما لو تم التسليم بأن العملية محكومة بوجهات نظر قابلة للأخذ والرد، وخاضعة للنقاش الذي لا يفسد للود قضية، ويسهم في البناء الديمقراطي الذي كان الهدف الأسمى من عملية الإصلاح السياسي، وما نتج عنه من تطبيقات دستورية وقانونية، وصولا إلى مخرجات الانتخابات الأخيرة التي حظيت بإجماع على نزاهتها، والتي أوصلت الإسلاميين بواحد وثلاثين مقعدا، ليصبح حزب جبهة العمل الإسلامي في مقدمة الأحزاب المشاركة في الانتخابات كما أوصلت العديد من الأحزاب الجديدة بأكثر من مائة مقعد برلماني.
تلك النتيجة كانت موضع ترحيب واهتمام على مستوى الشارع، الذي أعاد إلى الذاكرة انتخابات 1989 وما أفرزته من مجلس كان أداؤه تاريخيا، بحكم ارتفاع منسوب المعارضة في تشكيلته. كما كانت محل اهتمام من قبل الإسلاميين أنفسهم الذين يرون أنها أعادت لهم الاعتبار بعد دورات انتخابية لم تكن الأجواء في صالحهم ولم تكن المقاعد التي حصلوا عليها في تلك الدورات كافية لإشغال مقاعد متقدمة في المكتب الدائم، توازي ما حصلوا عليه في مجلس 1989 ، عندما أشغلوا منصب رئيس المجلس، بفوز المرحوم الدكتور عبداللطيف عربيات بالرئاسة لأكثر من دورة.
الإسلاميون ينظرون إلى نتائج الانتخابات الأخيرة من زاوية انهم أصحاب الأكثرية بين الأحزاب. بينما الأحزاب الأخرى ترى أنه يمكنها الائتلاف فيما بينها للحصول على مقاعد متقدمة، أبرزها الرئاسة.
وفي ذلك تنافس منطقي ومقبول، ويتماشى مع الثوابت الديمقراطية المنشودة، والتي تسعى عملية الإصلاح السياسي إلى بلوغها على مراحل، كانت أولاها مبشرة. فالائتلاف بين حزبين أو أكثر عملية مشروعة، ولا تشكل أي خروج على الثوابت الديمقراطية المعتمدة في كل برلمانات العالم التي تلجأ للائتلافات من أجل تشكيل أغلبية، ومن ثم تشكيل الحكومات البرلمانية، التي يفترض أن نصل إليها بعد دورتين انتخابيتين قادمتين.
وكما أن الائتلافات الحزبية تسعى إلى تشكيل الحكومات، فإن من حقها الوصول إلى المواقع المتقدمة في السلطة التشريعية. دون الإخلال بما يمكن أن يتم إرساؤه من أعراف برلمانية توافقية تغطي كافة أو بعض المجالات السياسية.
وأبعد من ذلك، فإن الائتلافات البرلمانية من شأنها أن تجوّد الأداء البرلماني، وتختصر الكثير من النقاشات بحيث يكون النقاش على مستوى الكتل أولا، وعلى مستوى الائتلافات في القضايا الكبيرة والحساسة على الصعيدين التشريعي والرقابي. ويكون بديلا فعالا للأداء البرلماني الفردي الذي كان سائدا على مستوى المجالس السابقة.
والمهم هنا، أن يتجاوز المجلس بكل أطيافه ما حدث ويعتبره أمرا طبيعيا، وممارسة مشروعة. وأن يكون التعاطي مع الحزبية والكتلوية والائتلافية إيجابيا، ويندرج تحت عنوان المصلحة الوطنية العليا، وينخرط في قضايا المواطنين ومستوى معيشتهم ومعالجة قضاياهم اليومية.
وبعكس ذلك تكون الأحزاب ـ لا سمح الله ـ قد أفرغت عملية الإصلاح السياسي من مضمونها ودخلت في مماحكات، ومكاسرات لا تخدم الوطن ولا المواطن، ولا تلبي رغبة جلالة الملك في إحداث نقلة نوعية إصلاحية تشكل كافة المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية.