عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Dec-2021

كراسي*عبدالهادي راجي المجالي

 الراي 

أود أكتب رسالة إلى رئيس اللجنة الملكية للإصلاح...
 
الرسالة هي أشبه بقصة كانت تحدث معي في بدايات عملي الصحفي...
 
كنت كلما ذهبت لمؤسسة عبدالحميد شومان لحضور ندوة، لا أجد كرسيا لي..الكراسي تم أخذها من قبل رجال يرتدون ربطات العنق والبذلات الفارهة..وأجبر أن أحضر الندوة واقفا، حتى مسرح المركز الثقافي الملكي...بنوه كي يتسع لـ (300) شخص فقط، وحين كنت أذهب لحضور مسرحيات نادر عمران–رحمه الله -أجبر أن أجلس على أطراف الدرج...
 
لم أكن في بدايات عملي الصحفي أمتلك سيارة، استعملت الباص مطولا..ولأني اخر من يصعد فيه، حظي كان يجبرني أن أعود للمنزل واقفا، فالكراسي احتلتها النساء وكبار السن..وطالبات الجامعة.
 
أزمة الكراسي رافقتني منذ أن بدأت مشواري في العمل، وذات يوم التقينا رئيس وزراء سابق مع مجموعة من الزملاء، كانوا كلهم أكبر سنا مني وأقدم في المهنة...وقد تركت الكرسي الذي أجلس عليه لأستاذي محمد كعوش، خجلي منعني أن أجلس على الطاولة وأترك (أبو يوسف) في الخلف....والسن لم يسعفني وقتها، والعرفان الذي أكنه لأناس علموني تفاصيل المهنة..كان يستلزم مني أن أقف أو أجلس في الخلف...
 
رافقتني أزمة الكراسي...تخيلوا حتى حين أكون متحدثا في ندوة ما..أكتشف أن الطاولة لا تتسع، فالرفاق جاءوا قبلي وأخذوا الكراسي، ومن قبيل الخجل وضع لي المنظم على أطراف الطاولة مقعدا صغيرا..ولكني رفضت وجلست مع الناس وأخبرته: أنه حين يأتي دوري في الحديث سأصعد وأتحدث عبر المايكريفون...طاولات الندوات هي الأخرى لم تتسعني...
 
أتذكر أيضا...أنني في حفل تخريج ابني الأصغر ياسر من الروضة، لم أجد مكانا أجلس فيه..كل الاباء والأمهات، وجدوا كراسيهم وجلسوا....إلا أنا بقيت واقفا منتظرا دور ياسر كي يأتي إلى المسرح....وأشاهده وألتقط الصور له.
 
المكان الوحيد الذي وجدته كله لي، هو المقبرة..فحين دفنت أمي..غادر الجميع وبقيت وحدي...وجدت كرسيا عتيقا وجلست أكمل حواف القبر، وأنثر التراب هنا وهناك...وأقرأ ما تيسر من السور القصار، وأندب حظي...
 
الوحيدون الذين تركوا كل الأماكن لي هم الأموات، سكنوا تحت التراب وتركوا لي الأرض كي أجلس عليها..ويجلس معي حزني ودمعي....
 
دولة العزيز سمير الرفاعي المحترم...
 
يشهد الله أن لك مكانا في القلب والحرف، ولك كل تقدير...لكن أزمتنا في الأردن ليست في نقد الإعتقالات، وليست في التحرر من ماض صار باليا ومهترءا..أزمتنا ليست في التشريعات والقوانين فقط......أنت حين تدخل أي محفل ستجد الكراسي كلها تنتظرك..لكن نحن على خصومة مع الأماكن وصدقني، أنها هي التي خاصمتنا ولسنا نحن...
 
قصة البلد سهلة وبسيطة..ليست معقدة أبدا، قصة البلد تكمن في الكراسي التي تحب البعض وتكره البعض...تفصل للبعض ويضرب بها البعض...قصة البلد أننا نريد لنا مكانا على هذه الأرض يسمع فيه صوتنا ونبضنا وحبنا..مثلنا مثل كل الناس...
 
وما زلت يا رفيقي أسير دربي..لم تعد يهمني الجلوس..من أمضى العمر واقفا..حتما لن تريحه الكراسي بقدر ما أوجعته الركب...
 
في بلادنا أعطوا الناس أماكنهم الحقيقية..وأجزم أن البلد سيسلم حتما سيسلم.