الغد-عزيزة علي
قدم الناقد السينمائي رسمي محاسنة عرضا تاريخيا للحركة النقدية السينمائية في الأردن؛ حيثتم تسليط الضوء على أهم المراحل التي مر بها النقد والثقافة السينمائية في الأردن، لافتا الى أن حالة الثقافة السينمائية في الأردن هي حالة مميزة، ومستمرة، وغير منقطعة، ويمكن القول إنه منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن لم تتوقف العروض الثقافية والنقاشات والجدل السينمائي.
وأضاف “لدينا ذائقة سينمائية عالية لدى الجمهور تضاهي أفضل ما في العالم العربي، الى جانب الكتابة المستمرة في الصحافة المحلية، وخاصة اليومية منها”.
جاء ذلك في الندوة السابعة التي عقدت في جمعية النقاد الأردنيين، أول من أمس، بمناسبة مئوية الدولة الأردنية بعنوان “النقد السينمائي في الأردن بين المُنجز والمأمول”، ألقاها رسمي محاسنة وأدارتها الدكتورة دعاء سلامة، وذلك في مكتبة الأرشيف في عمان، حيث أشارت إلى الأهمية التي توليها جمعية النقاد الأردنيين للحالة النقدية المتنوعة في الأردن في مئوية تأسيس الدولة وبما يخدم الإبداع والنقد والتنوير الثقافي، وقد شكلت السينما بوصفها الفن السابع أداة ترفيه وتوجيه ترتقي بمستوى المشاهد وتعلي من ذائقته الفنية.
وأضاف محاسنة أنه في العشرينيات من القرن الماضي تم بناء صالات للعرض السينمائي في العاصمة عمان، وبعض المحافظات، وكانت متابعة الأفلام السينمائية تمثل تقليدا اجتماعيا في مرحلة من حياة المجتمع الأردني، ولكن تراجعت دور السينما بسبب أنواع الأفلام التي كانت تقدم، كما تراجعت الخدمات التي كانت تقدمها الصالات لروادها، ما عمل على تراجع في عدد دور السينما.
ورأى المحاضر أن صالات العرض السينمائي عادت مرة أخرى، لتنافس بقوة سواء من حيث المعدات والتجهيزات والراحة التي تقدمها للزبائن، أو من حيث نوعية الأفلام التي تعرض في عمان بوقت متزامن مع دول المنشأ، ولكن لم تتكرس بعد ثقافة سينمائية، أو اهتمامات إعلامية، ولكن لاحقا وفي أواسط القرن الماضي، فقد بدأت تظهر مؤشرات، مثل الإعلانات عن الأفلام الجديدة، أو ما يصل “متأخرا”، من أخبار عن نجوم السينما، وكانت هناك كتابات انطباعية من بعض الكتاب، في الصحافة الأردنية، تتناول السينما بشكل أو بآخر.
وأشار محاسنة إلى بعض الكتابات، التي تتحدث عن السينما منهم “فخري اباضة”، صاحب سيناريو أول فيلم روائي أردني “صراع في جرش”، في العام 1958، الذي كان يكتب في مجلة لها علاقة بالحزب الشيوعي، مع أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات وبشكل متقطع، ويقول بعض من عاصروه، إن أصحاب دور السينما في الأردن كانوا يخشون أن يؤثر على جماهيرية الأفلام المعروضة إذا كتب عنها بشكل سلبي. وكتب “عدي مدانات”، في جريدة الدفاع، مقالين عن السينما أحدهما عن فيلم “صوت الموسيقا”.
يواصل محاسنة حديثه عن الصحافة المقروءة، قائلا: “هي الوسيلة التي يمكن الترويج فيها للثقافة السينمائية، لكنها وعلى مدار عقود، كانت تعطي مساحات ضيقة من صفحاتها لحساب السينما، فقد بدأ اهتمام الصحافة الأردنية بالسينما، يأخذ حجما أكبر، واهتماما أكثر، لأن وجود صحفيين متنورين مثل الأستاذ محمود الشريف مثلا، كان من الطبيعي أن يعطي الضوء الأخضر، لتتمدد السينما على مساحة أكبر من الصفحات الثقافية والفنية والمنوعات. وبالرغم من أن نهاية خمسينيات القرن الماضي شهدت ولادة أول فيلم روائي أردني، وفي الستينيات كانت هناك حركة نشطة، خاصة مع إنشاء دائرة السينما والتصوير التابعة لوزارة الثقافة الأردنية، وإيفاد شباب لدراسة السينما، وعودة البعض من معاهد السينما، إلا أن ذلك لم يعمل على تحريك أجواء النقد السينمائي في الأردن.
ويتابع حديثه: “شهدت بداية السبعينيات مرحلة جديدة بإنشاء التلفزيون الأردني، وإخراج فيلمي “الأفعى”، “الابن الثاني عشر”، للمخرج جلال طعمة، ولم تتجاوز الحالة نقل أخبار وبعض المقابلات”، لافتا الى أن المسلسل البدوي احتل مساحة محتملة كان يمكن للسينما أن يكون لها نصيب فيها، فقد تحول الفنانون والمخرجون والكتاب الى التلفزيون، ليكونوا من نجوم الصف الأول على كثير من شاشات التلفزيون العربي.
واعتبر محاسنة أن أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات تعد تأريخا لبداية النقد السينمائي الأردني، فبعد عودة كل من الناقد حسان أبو غنيمة، والمخرج والناقد عدنان مدانات الى الأردن، بعد تجربة ثرية في النقد والثقافة السينمائية ونوادي السينما، في كل من دمشق وبيروت، استطاعا أن يؤسسا لبيئة ثقافية سينمائية، استقبلها المواطن والمثقف الأردني بالترحاب، لافتا الى أن التناقض في الأساليب بين “أبو غنيمة ومدانات”، باعد بينهما، رغم الإيمان المطلق عند كليهما، بأهمية السينما، ودورها في صياغة الوعي الجمعي، وكونها من الروافد الثقافية المهمة، فكلاهما ينتمي بشكل أو بآخر الى اليسار الذي لم يغفل دور السينما في التعبئة والثقافة الجماهيرية.
في تلك الفترة، كما قال المحاضر، بدأت الصحافة الأردنية تفرد مساحات أوسع للسينما، وتجاوزت أخبار النجوم، والمقالات الواردة عبر الوكالات، وأعطت لجيل جديد مجال الكتابة في السينما، خاصة مع وجود أدباء وكتاب كانوا يشرفون على الصفحات الثقافية، مثل “إبراهيم العبسي، أحمد المصلح، مصطفى صالح، بشير هواري، فخري صالح، رسمي محاسنة”، حيث أسهم بخلق حركة نقدية نشطة، وتكريس تقليد النقد والثقافة السينمائية في الأردن.
ونوه محاسنة الى أن أبو غنيمة، قبل عودته الى عمان كان قد أصدر مجموعة من الكتب بدأها في العام 1973 بكتاب عن السينما الفلسطينية بالتعاون مع مصطفى أبو علي، في دمشق، وكتاب “من قاموس السينما العربية الجادة”، وكتاب “فلسطين والسينما”، بالتعاون مع “غي هانيبيل”، ومجموعة من النقاد العرب والأجانب. وعندما عاد الى عمان أواخر السبعينيات، بدأت الصحافة الأردنية تشهد الكتابة المتخصصة عن السينما، سواء في بداية عمله بجريدة الدستور، أو لاحقا في جريدة الرأي، حيث عمل على تكريس مفهوم الثقافة السينمائية من خلال مقالات نقدية، ومتابعات جادة عن السينما.
وأشار محاسنة الى أن عدنان مدانات خريج جامعة موسكو في العام 1970، تخصص تلفزيون وسينما تسجيلية، وأخرج للمؤسسة العامة للسينما بدمشق عددا من الأفلام التسجيلية منها “التكية السليمانية”، في العام 1971، “لحن لعدة فصول”، 1973، وهو فيلم تسجيلي عن الأطفال في دمشق، “عرس اللون”، 1973 لم ينجز، كما عمل مساعدا للإخراج في الفيلم السوري الروائي الطويل “الفهد”، من إخراج نبيل المالح في العام 1971، وأخرج للسينما الفلسطينية الأفلام التسجيلية، “خبر عن تل الزعتر”، 1976، “رؤى فلسطينية”، 1977، وكتب سيناريو الفيلم التلفزيوني “زيارة غير عادية”، أخرجه نجدة أنزور، وكتب سيناريو الفيلم الروائي الأردني الطويل “حكاية شرقية”، أخرجه نجدت أنزور 1991، وقام بإعداد البرنامج التلفزيوني “فيلم من كتاب وبرنامج”، أبيض وأسود.