عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Feb-2021

المخابرات في زمن المئوية الجديدة*د. مهند مبيضين

 الدستور

‏إذا كان الحديث عن الإصلاح السياسي وتطويره يعد واحداً من أهم اهداف الحكومة في بداية المئوية الجديدة، وفي الزمن الجديد، فإن الحديث أيضاً عن ضرورة إحداث مراجعة عامة في مسار الدولة وتقييم الإنجازات التي مرت فيها عبر 100 عام فهو أمر في غاية‏ ‏ ‏الأهمية ؛ لأن مسألة التقييم و المراحل السابقة التي مررنا بها ربما تكون من باب فقه المراجعات التي تقوم عليها عمليات التمثُل الايجابي لدراسة الأخطاء والتجارب السابقة، وكذلك فالمراجعات لا يمكن أن تكون مقصورة على الإخفاقات والأخطاء، وإنما يمكنها أن تعاين النجاحات واللحظات الوطنية الجامعة التي كانت فيها الدولة والمجتمع تعمل بشكل متناغم مما مكن هذا الوطن من بناء قدراته الكبيرة على مواجهة التحديات وعبور الصعاب.
وجهاز المخابرات العامة، الذي تشرف أمس برسالة ملكية، تحثّ على التطوير والتحديث، كان يستحق هذه الالتفاتة، كونه المؤسسة الأهم في بقاء هذا الوطن وصموده. وكونه المعين الأكبر للحكم على تجاوز عقدة التاريخ والجغرافيا والفساد والأزمات المجتمعية، وهو الذي كفل لنا المرور الآمن من انفاق الراهن والحاضر القريب والبعيد.
‏لقد مر الأردن عبر قرن من الزمان المنصرم، في ظلال الجغرافيا والديموغرافيا والحتمية التاريخية الصراعية لأرضه، فعليها جرت اول معارك الإسلام، وما زالت أرضه هي بوابه العبور لأرض فلسطين المحتلة. مع ما حمله هذا الاحتلال من مخاطر وتحديات وآثار، وكانت ارضه حتى اليوم البقعة الآمنة وسط حرائق الإقليم المشتعلة.
وأيضا كان الأردن وما زال، المتعامل بحكمة، مع الأحمال التي ألقى بها العرب عليه والتي كانت تجعل منه احياناً مسؤولاً عن كثير أخطاء شعوب وقادة، وفي الوقت الذي تحمّل فيه الأردن وقيادته الضيم والظلم، كان عليه ان يحصن وجوده بجهاز مخابرات قوي واستثنائي الحضور والفاعلية.
يقول جلالة الملك عبدالله الثاني في رسالته التي بعث بها امس لمدير المخابرات العامة، «أما وقد دخل الأردن الآن مئويته الثانية، بثقة كبيرة وآمال عريضة، وبعد أن أنجزنا الكثير من أسباب التمكين لمؤسساتنا صاحبة الاختصاص التشريعي الأصيل، في التعامل مع بعض القضايا التي أشرتُ إليها(...) لتتحرر دائرة المخابرات العامة من العبء الكبير الذي نهضت به، مضطرة ومشكورة ومدفوعة بالحرص العميق على بلدنا الغالي، في هذه المجالات الخارجة عن اختصاصاتها، لسد الثغرات، ولكي تتفرغ للعمل الاستخباري المحترف بمفهومه العصري الشامل، وأن تركز كل طاقاتها فيه، وأن تكرس كل الإمكانيات اللازمة لها لتظل عنوانا شامخاً للكفاءة الاستخبارية في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي للمخاطر الأمنية المستهدفة لبلدنا، ولتطوير أساليبها ووسائل عملها لتقدم للجهات صانعة القرار أفضل التقييمات الاستخبارية العصرية، في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، بعيداً عن الدور الرقابي، والتنظيمي أحيانا، الذي فرضته الظروف عليها في بعض المجالات الواقعة ضمن اختصاص جهات أخرى».
ومعنى هذا ان الدائرة كانت تقوم سابقا بمهام أخرى، كبيرة وذات عبء، وهي اليوم حسب رسالة الملك يراد لها ان تعود للاختصاص الأهم والدور الاستخباري الكبير، حيث انه كان عليها سابقا ان تمنع الأخطاء وتعالج وتراقب ملفات كبيرة، وهي ربما باتت اليوم من اختصاص مؤسسات أخرى.
لكن، وان كان ذلك حدث وقررته التجربة والمراجعة، فإن المهم هنا شكر هذا الجهاز العميق، والثناء على أدواره الوطنية الراسخة منذ كانت دائرة لتحري المجرمين بداية القرن ثم دائرة للتحري السياسي، ثم دائرة للمباحث العامة وصولا للعام 1964 وهو عام النشأة المؤسسية، وحتى اليوم، كان جهاز المخابرات العامة الأردنية مؤسسة وطنية محترمة، قلّ ان كان هناك مؤسسة في المنطقة في مستوى احترافها ومهنيتها وإنسانية منسوبيها.