الدستور
عددٌ قليل منا يعرف مكانة الدكتور سليمان علي البدور، العلمية، وقدرته التأريخية التي أذهلتني مجددًا، بعد قراءة كتابه الثاني: (الصراع على فلسطين: مأزق الجغرافيا ولعبة الصفر)، الذي سيشكل تفويت قراءته، نقصًا فادحًا مُخِلًا، في المعلومات الضرورية لأي باحث أو مهتم بالقضية الفلسطينية !!
ينطبق الحال على كتابه «حقائق التاريخ العربي - قراءة جديدة للوقائع والمفاهيم»،
الذي أتحفنا به عام 2020، «فأبانَ عن عالِمٍ مؤرخٍ غيورِ متفانٍ حريصٍ على الحقائق، بلا تزيين أو تزييف، وبجسارةٍ نقدية فائقة، تُماثِل جسارةَ الكُتاب العرب معارضي السائد، المعاصرين والسابقين، الذين عرّضتهم جسارتُهم إلى متاعب جمّة، فوق طاقة التحمل الطبيعية !!
كان كتاب «حقائق التاريخ العربي ...» جُهدًا تتبعيًا مُتشعبًا، استغرق من الكاتب البدور أربعة أعوام، واقتضى مراجعة أكثر من 200 مرجع عربي، وأجنبي، وأجنبي مترجم، من أجل ان يقدم لنا حقائق التاريخ العربي، في قراءة جديدة، تشمل الوقائع والمفاهيم، في 800 صفحة مبسوطة على أحدَ عشرَ فصلًا، وكان القرآن الكريم في مقدمة المراجع والمصادر التي اعتمدها البدور، كما اعتمد صحيحي البخاري ومسلم، وابن إسحق بخصوص السيرة النبوية، والطبري «الذي عليه إجماعٌ بأنه أعظم مؤرخينا»، ووثق البدور بالبلاذري صاحب فتوح البلدان، «أعظم المصادر التي عالجت قضايا الفتوحات العربية الإسلامية».
أمسكني بقوة، كتاب الدكتور سليمان علي البدور الأول، كما أمسكني كتابه الفريد الرصين الثمين «الصراع على فلسطين ...».
ومما يبعث على السخط والأسى والدهشة، ما بيّنه كتابُ البدور من معلومات ان 50% من ضحايا ثورة 1936 الفلسطينية المجيدة، التي امتدت ثلاثة أعوام دامية، كانوا بأيدٍ فلسطينية!!
مما يحيلنا إلى الحالة الفصائلية الفلسطينية المعاصرة، حيث التمزق والتشظي إلى 14 فصيلًا، تخيلوا 14 فصيلًا !!، لا تزال قياداتها تراوح وتلوب وتجتمع في عواصم العالم، في أوسع الرحلات السياحية وأكثرها رفاهًا، وآخرها اجتماعات موسكو، ثم اجتماعات بيكين، من أجل أداء استحقاق الوحدة الوطنية، الذي مرت عقود طويلة على خذلان أدائه، والذي هو من أبسط مستلزمات الأمل والصمود، ومواجهة الاحتلال التوسعي الإسرائيلي !!