عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Jun-2020

من المفجع أن نكون الأول عالميًا* رمزي الغزوي

الدستور -

 
 أطلق واحدٌ من المدخنينَ الأشاوسِ صرخةً ساخرةً، بعدما لاحظ صورة رئتين على علبة تبغه، واحدة بيضاء، وأخرى سوداء: وااااااو لقد ربحتُ معلاقاً شهياً. وكتب آخر على جداه في فيسبوك، بأنه أضطر (لشفط) عشرة سجائر متتابعة؛ كي يهدئ من روعه، حينما رأى على علبته نعشاً من السجائر. وآخر أسرَّ لي: بأنه من كثرة ما قرأ عن مضار التدخين؛ إضطر أخيراً إلى ترك القراءة.
 
 الكفر عناد. فالكل يتحجّج بصعوبة الإقلاع عن هذه الآفة ناسياً أنه قد يصوم أكثر 14 ساعة أو ينام نصف يوم أو قد جرب وصبر عنه لأكثر من هذا. المسألة مسالة إردة واصرار. فحين تشعلُ فتيلَ إرادتك؛ تنطفئ جذوةُ عادتك. التدخين عادة ولربما تتحول إلى عبادة.
 
 قديماً كانت بعض النسوة المسكونات بالخرافة يعمدن إلى افتعال الوسخ على أجساد أطفالهن الجميلين. فالأم لا تسبل شعراً لطفلها، ولا تغسل وجه، بل تتركه ليحتشد عليه الذباب من جهاته الأربع، وأحياناً تدعه بلا سروال تحتاني؛ فيصبح المسكين هدفاً مثيراً لنقرات الدجاج في باحة الدار. وكلُّ هذا على سبيل التنفير، أو ما كان يسمى بوسخة الحسد. فالعين حين تقع على مثل هذا الولد المتسخ لن تستحليه ولن تحسده؛ بل ستنفر منه. وهذا هو المطلوب.
 
 واليوم وكلما قرأت على علب السجائر (التدخين سبب رئيس للوفاة)، أو رأيت رئة بشرية تالفة، صورة ميت ملفوف بكفن وكأنه حبة (توفي) مسجى على نعش سجائر، كلما رأيت هذا قلت إنه أحلى تنفير وأبلغ تعبير، ولكنّ المدخنين على ما يبدو قد اعتادوا الصورة وتآخوا معها، ولم تعد تنفرهم أو تبعدهم عن عادتهم. 
 
 قبل 22 سنة قررت طلاقاً بائناً بينونةً كبرى، أن أخلصُ من هذه العادة بعد معاقرة دامت عشرة أعوام، فتوقفت عن التدخين بضربة السيف، أي مرة واحدة بلا مقدمات أو التفافات، ودون تخطيطٍ أو تخفيفٍ أولي من علبتين إلى علبة، ودون استخدام العلكة والأدوية ومعاجين الأسنان، لكني تركت عادتي بإشعال فتيل إرادتي؛ وإمعاناً بالتحدي أبقيت عنق سيجارة مطلاً من علبته على طاولتي أمام نواظري لأيام عديدة، وكان لي ما أردت، وإذا كنت أعتزُّ بشيء فعلته، فتركي للسيجارة بهذه الطريقة الصارمة هو ذلك الشيء.
 
 أمس مرَّ اليوم العالمي للاقلاع عن التدخين والأردن يتصدردول العالم في نسبة المدخنين. وهذا يجعلنا نتفجع على هذا النتيجة الحتمية لتهاوننا وتراخينا في تطبيق القانون. ناهيك أن أضرار التدخين المباشرة وغير المباشرة تجاوزت أربع مليارات دينار في العام الماضي. نتفجع على حالنا، وعلى شبابنا الذين انجرفوا إلى هذه الآفة. 
 
 وأخيرا: التدخين عادة، وليست حاجة. فجربوا ضربة السيف معها.