كمال القاضي
القدس العربي - ■ تأتي الكتابة عن الجزء الثاني لفيلم «ولاد رزق» بعد مضى فترة طويلة على انتهاء الموسم السينمائي الشتوي، ليس بدافع الاحتفاء، وإنما للبحث في أسباب بقائه كظاهرة لافتة تجاوز تأثيرها الحدود المتوقعة من الناحية الجماهيرية، حيث بلغت الأرقام نحو مئة مليون جنيه مصري، كمعدل للإيرادات خلال 15 أسبوع عرض، وهي نسبة غير مُعتادة في حسابات سينما الأكشن، التي تعددت أنماطها وأفرط المنتجون والمخرجون في تقديمها والمتاجرة بها، لإحداث الحراك السينمائي المطلوب وتعويض الخسائر الناجمة عن التجارب الكوميدية الفاشلة.
وبالاستغراق في تنفيذ الفكرة الاقتصادية المغرية، هبطت أفلام وصعدت أفلام أخرى، لكن القليل منها فقط هو الذي استطاع أن يقفز فوق الأرقام القياسية الثابتة، مُحققاً رقماً جديداً بفارق كبير، أعاد التوازن الكلي لشباك التذاكر في غضون أسابيع معدودة، ما جعل التجارب تخضع لتقييمات مختلفة في ضوء الصعود الصاروخي للأرقام، وبالطبع كان فيلم «ولاد رزق» على رأس القائمة، رغم أنه ليس الأفضل من الناحية الفنية فهو مجرد تجربة تقليدية قائمة على استخدام لغة الأكشن، كعنصر أساسي من عناصر التشويق والإثارة، بدون عناية حقيقية بالمضمون الدرامي، الذي لم يبلغ من الأهمية ما يزيد على التركيبة التسويقية لبضاعة سينمائية تبيع لجمهور المراهقين والشباب، ألوانا وأجناسا من العنف والجريمة والمغامرة، في قالب واحد بمشهيات خاصة تثير الخيال لدى هواة هذه النوعية من الأفلام، التي تقدم الأكشن الأمريكي على الطريقة المصرية، باستحضار أجواء العصابات والمطاردات، ونقل الصور المُقلدة من العنف والعنف المضاد، باستعدادات مُبهرة على مستوى التصوير والإخراج وفن الغرافيك، الذي سهّل الكثير من المهام الفنية، ووفر مُعطيات الإقناع في اللقطات الاستثنائية، والتكوين الجزئي والكلي للصورة الحركية.
«ولاد رزق» كان التجربة السينمائية الأكثر حظاً خلال الموسم الفائت، فقد شارك في عــــدة مهرجـــــانات محلــية ودولية، بدواعي الفراغ النسبي والافتقار للأفلام المتميزة القادرة على المشاركة وانتزاع الجوائز، ولهـــذا لعبت الدعاية غـــير المباشــرة في ترويجه كنوعية مختلفة تتوافر فيها مواصــفات النجــاح التجاري، وبالفعل نجح الإلحاح الدعائي في جعل الفيلم محل اهتمام وتركيز كبيرين من جانب الجمهور والمختصين بالشأن السينمائي أيضاً.
لقد نجح المخرج طارق العريان في صرف نظر المشاهد عن التهافت الدرامي، بتفعيل أدوات الإبهار، واستغلال مساحات الحركة بإمكانية وتفوق شديدين، مُعدداً عوامل التأثير المتمثلة في الإضاءة والديكور والألوان والموسيقى والتوظيف الذكي للغرافيك، لتكون بديلاً للموضوع الذي كتبه السيناريست صلاح الجهيني، وكان مُفتقراً بشكل كبير للمنطق والحبكة المُقنعة، للمغامرات الكارتونية التي قام بها الأشقاء الأربعة الخارجون على القانون، أحمد عز وعمرو يوسف وأحمد الفيشاوي وأحمد داود، زعماء العصابة الضالعة في السطو المسلح والسرقة بالإكراه، والمدعومة من ضابط شرطة سابق وعصابة أخرى أكثر خطورة وأشد إجراماً، يتزعمها باسم سمره «عباس الجن»، الرجل الخفي الذي يُشرف على تنفيذ كافة العمليات، ويقود أسراباً من المجرمين والقتلة، ويتحكم فيهم بقوة المال والنفوذ، وسياسة الحديد والنار المُتبعة داخل الدائرة الجهنمية.
لم يخرج الفيلم المذكور بمواصفاته المشار إليها عن التصنيف التجاري بامتياز، فهو مجرد شكل متطور لسينما تقدم الصورة السحرية للأكشن المستورد، في تابلوهات جذابة تحمل العلامة المصرية فوق الغلاف الخارجي فقط .
وليس ثمة إفادة جوهرية أو موضوعية تتضمنها الحكاية، أو تشير إليها الخيوط الدرامية العريضة أو الدقيقة، غير تقديم بانوراما الإجرام عبر شخصيات تحترف النصب والاحتيال، وتقدم ضحايا تلو الضحايا، في دائرة مُفرغة لا تُفضي لشيء ذو جدوى سوى التلميح باتساع دائرة الجريمة خارج النطاق المحلي، ووجود شركاء دوليين كالنماذج المتمثلة في أدوار ضيوف الشرف إياد نصار ومحمد لطفي وسيد رجب وماجد المصري وآسر ياسين ونسرين أمين وكريم قاسم، وهي أسماء لم تُضف جديداً للمعنى، وإنما بقيت مجرد تحصيل حاصل، وجرى استخدامها للدعاية ومغازلة جمهور البسطاء من المتفرجين كبقية النجوم المشاركين بدون ضرورة درامية مثل، يسرا وأصالة وسوسن بدر بوصفهن علامات تجارية مضمونة التأثير، وإن لم يكن لهن سياق محدد أو دور إضافي يبرر وجودهن كعناصر داعمة بحسب وجهة النظر الإنتاجية. الأمر إذن لا يتعدى كونه لُعبة فنية تم تنفيذها بمقاييس تجارية مدروسة، لتكون طُعما لجمهور معين اعتاد أن يُقبل على أفلام الأكشن، متجاوزاً القيمة الفنية الواجب توافرها بشكل ضمني في ثنايا الأحداث، وهو بُعد ربما توافر على استحياء في أدوار كل من، محمد ممدوح الذي جسد شخصية الضابط السابق المتورط في جرائم ذات صلة بالتهريب والتزييف، وخالد الصاوي الرجل الدبلوماسي الغامض، الذي يمارس أشكالاً مختلفة من الانحراف، ويضطلع بسرقة الآثار وتهريبها، وكذلك لعبت غادة عادل دوراً نوعياً ومركباً كامرأة لعوب تهوى الغواية والإثارة، وتعاني من اضطرابات نفسية تؤدي بها أحياناً إلى ارتكاب أفعال سادية للانتقام من ضحاياها.
لم يخرج الفيلم المذكور بمواصفاته المشار إليها عن التصنيف التجاري بامتياز، فهو مجرد شكل متطور لسينما تقدم الصورة السحرية للأكشن المستورد، في تابلوهات جذابة تحمل العلامة المصرية فوق الغلاف الخارجي فقط .
٭ كاتب من مصر