الراي
أوصلت الأوضاع المعيشية والاقتصادية المُتردِية, والتوترات الاجتماعية المُتأتية عن انسداد آفاق حدوث تحّولات ديمقراطية في معظم البلاد العربية, وسيادة ثقافة الفساد ونهب المال العام, الى ارتفاع منسوب التعصّب والعنف لدى الجمهور العربي, ما انعكس على العلاقات الاجتماعية والشخصية وتهديد النسيج الاجتماعي بمزيد من التمزّق, والتمترس عند تخوم عادات الثأر والقتل المجاني, والذهاب بعيداً في الخصومة وحل الخلافات...الى القتل المباشر, بعيداً واستهانة حدود الإزدراء لكل ما هو قانون وأخلاق ونُبل.
وإلاّ....كيف نُفسر كل ما يحدث في بلاد العرب, من تجاوزات وعمليات قتل وترويع وتنكيل؟. سواء بالمعارضين السياسيين أم على مستوى العلاقات الشخصية والخلافات الفردية, التي يمكن حلّها بأبسط الطرق وأكثرها نجاعة, وهي اللجوء إلى القضاء والتماس العدالة وتطبيق القانون, حتى يمنح كل ذي حق حقّه، رغم ما يحاوله الخارجون على القانون الترويج له بأنهم لا يثقون بالقضاء, أو أن اللجوء إليه يستغرق وقتاً طويلاً. ما يعني أنهم يأخذون على عاتقهم تنفيذه, سواء كانوا على حقّ أم تجاوزوه.
ما علينا..
في لبنان «الشقيق»..ثمَّة جريمة مُروعة ارتُكبت بدم بارد, وفي شكل يكاد يتطابق مع ممارسات الجماعات الإرهابية وسلوك العصابات والمافيا, بل ويفوقها إجراماً وعنصرية, عندما لجأ شقيقان يعاونهما أقاربهما, إلى اشعال النار في مخيم اللاجئين السوريين في بلدة بشمال لبنان, يضم نحواً من (80 عائلة/380 لاجئاً) في مساحة لا تزيد على1500م2 (أي دونم ونصف). حريق أتى على المخيم الذي معظم خِيمه من النايلون والكرتون, ما أدى لتشريدهم للمرة الثالثة بل الرابعة, علماً أن معظمهم طُرِدَ قبل شهر (تشرين الثاني الماضي) من بلدة «بشِرّي» القريبة, بعد احراق بعض مساكنهم المستأجرة, فقط لأن خلافاً فردياً وقع بين عامل سوري وشاب لبناني ادى إلى مقتل الأخير, ما آثار حملة تحريض وتنكيل عنصرية تم على إثرها «تنظيف» البلدة من كل ما هو سوريّ.
الحريق الجديد الذي أتى على مخيم اللاجئين في بلدة «بحنين», جاء هو الآخر على خلفية خلاف بين صاحب عمل لبناني مع عمال سوريّين رفضوا العودة للعمل ما لم تُدفع لهم متأخرات أجورهم التي لم يقبضوها لستة اشهر خلت..عندها اشتعل غضب الرجل فقام بمساندة اقاربه باشعال المخيم وترويع لاجئيه, فتحول الى رماد وبدا كأن غارة جوية سحقته بنيران قنابلها.
في الخلاصة...صحيح أن لبنان يئِن بأكلاف اللجوء السوري(كما دول الجوار السوري) حيث مليون ونصف المليون لاجئ. لكنه صحيح أيضاً أن قوى إنعزالية لبنانية, وأخرى ذات أهداف سياسية مشبوهة وبعضها مُتماهٍ مع اهداف خارجية, يرفضون عودة هؤلاء إلى بلدهم الذي يُرحِّبْ بعودتهم بشكل علني. فيما هؤلاء كما الدول الغربية وخصوصاً أميركا وفرنسا وبريطانيا, يريدون توظيف اللاجئين السوريين «سياسياً» في الانتخابات الرئاسية السورية المُقبلة, بالضغط عليهم للتصويت ضد الرئيس الأسد الذي ينوي الترشح. ولا يهمهم لبنان المُثقل بالديون الذي اقتربَ بل دخل مرحلة الإفلاس, وتدهور سعر صرف الليرة وارتفاع نِسب البطالة والفقر, على نحو طاول معظم اللبنانيّين.