عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Oct-2019

هل حان الوقت لترشيد الخطاب الإعلامي في تونس؟

 

 حسن سلمان
 
تونس – «القدس العربي»: يؤكّد عدد كبير من الفاعلين في الشأن السياسي أن الإعلام التونسي لم يكن محايداً خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، بل إن بعضهم يرى أن بعض وسائل الإعلام الخاصة أدت دوراً سلبياً، عبر محاولة «تبييض» صورة بعض المرشحين وتشويه منافسيهم، وهو ما دعا فئة كبيرة من التونسيين للمطالبة بإصلاح قطاع الإعلام، الذين يرون أنه لم يستوعب الوضع الجديد الذي تعيشه البلاد، في وقت يرى فيه بعض المراقبين أن القوانين وحدها لن تتمكن من ترشيد خطاب الإعلام الخاص المرتبط أساساً بـ»لوبيات» مالية تديره وفق مصالحها وأهوائها السياسية.
وبينما ساهمت وسائل الإعلام الرسمية بشكل كبير في التعريف بمرشحي الرئاسة والبرلمان وبرامجهم، سواء عبر المناظرات التلفزيونية أو الحوارات الخاصة وغيرها، عملت أغلب وسائل الإعلام الخاصة على التسويق لمرشحين بعينهم ومحاولة ضرب خصومهم. وقد برز هذا الأمر بشكل خاص خلال الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، حيث شنت بعض القنوات حملة كبيرة ضد المرشح قيس سعيد مقابل التسويق لمنافسه نبيل القروي الذي تم إظهاره بصورة «الضحية»، إلا أن هذه الحملة لم تؤتِ ثمارها، حيث فاز سعيد أكثر من 72 في المئة من الأصوات.
 
الإعلام لم يلتقط اللحظة
 
ويقول الباحث والمحلل السياسي د. رياض الشعيبي لـ«القدس العربي»: «المشكل أن الإعلام التونسي لم يلتقط إلى حد الآن اللحظة التي تعيشها البلاد منذ ثماني سنوات، وهي مرحلة الانتقال الديمقراطي. فرغم التطور الكبير الذي حصل، خاصة في المجال السياسي والحقوق والحريات، إلا أن الإعلام بقي رهين لوبيات تحاول التحكم في المشهد السياسي دون احترام لإرادة الناخبين، وقد رأينا ذلك في سنة 2014 من خلال قناة نسمة التي كانت المساند الرسمي لحزب نداء تونس (والرئيس الباجي الراحل قائد السبسي) وساهمت في إيصاله للحكم. ثم تكرر هذا الأمر في الانتخابات الأخيرة حيث حاولت «نسمة» أن تلعب الدور نفسه لصالح صاحبها نبيل القروي وحزبه (قلب تونس)، كما انخرطت قنة الحوار التونسي معها في هذه اللعبة، ولكنها ذهبت أبعد منها بكثير، حينما شككت بإرادة الناخبين وحسن اختيارهم. وأعتقد أننا نحتاج إلى مراجعة عميقة لدور الإعلام وأهميته في المشهد السياسي الحالي».
ودفع الخطاب غير المحايد لبعض القنوات الخاصة إلى مطالبة هيئة الاتصال السمعي والبصري بالعمل على ترشيد الخطاب الإعلامي، الذي يتسم أحياناً بالعنف والتحريض ضد بعض الأطراف السياسية، فيما اتهم البعض وسائل الإعلام الخاصة بمحاولة تزييف وعي التونسيين وضرب قيم المجتمع. ويقول سمير بن عمر، رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية: «نريد أن نشكر وسائل الإعلام لأنها قامت بدور مهم ورئيسي في إنجاح المرشح قيس سعيد، باعتبار أن أغلب وسائل الإعلام قامت بحملة ممنهجة ضده، وخاصة في الدور الثاني، وقامت -بالمقابل- بحملة لصالح مرشح المنظومة، نبيل القروي. وهذا ما أعطى انطباعاً للرأي العام -الذي كان يبحث عن تغيير حقيقي في البلاد- بأن قيس سعيد هو مرشح ضد المنظومة، ولذلك تشبث الشعب التونسي بالتصويت العقابي لصالح سعيد وضد منظومة الحكم. وأعتقد أنه من الأولويات الآن لدى الطبقة السياسية الجديدة ترتيب البيت الداخلي للإعلام، وخاصة الإعلام العمومي، حتى يكون في مستوى مطالب التونسيين، وحتى يعكس التعددية التي تعرفها تونس بعد الثورة».
 
رسائل للنخبة السياسية والإعلامية
 
فيما يرى الباحث والمحلل السياسي د. طارق الكحلاوي، أن نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة تحمل رسائل عدة للنخبة السياسية والإعلامية، «فهذه الانتخابات شكلت نوعاً من الاستفتاء على النخبة السياسية التي اندثر بعضها بعد ظهور النتائج. كما أنها كانت بمثابة «تصويت ضد» النخبة الإعلامية السائدة (في القنوات الخاصة الأكثر مشاهدة)، لأن توجهها المفرط في تهميش بعض الأطراف ساهم في رد فعل معاكس لدى الناخبين التونسيين، حيث رأينا أن شخصاً لا يظهر كثيراً في وسائل الإعلام (قيس سعيد)، بل إنه يتعرض للشتم في الإعلام الخاص عموماً، حصل على ثقة حوالي ثلاثة ملايين ناخب تونسي».
وحول تنظيم قطاع الإعلام، يقول الكحلاوي لـ«القدس العربي»: «لسنا في نظام استبدادي للقيام بهندسة الإعلام، بل هناك إمكانية لمشاريع قوانين تساهم في إصلاح قطاع الإعلام. لكن في النهاية هي مسألة ذهنية وتوازنات مالية، فهذا النوع من الإعلام موجود لأن هناك أطرافاً تموّله، وهذه الأطراف لن تندثر بسبب نتائج الانتخابات بل ستبقى، يعني أن المسألة تتجاوز قدرة الدولة والحكومة على التدخل، لأن لها علاقة بذهنية وتوانات اجتماعية كاملة، وسيستغرق الأمر طويلاً حتى تفهم نخبة المال أن من مسؤوليتها الإصلاح وعدم استعداء قطاعات واسعة من المجتمع».
وكان ناجي البغوري، نقيب الصحافيين التونسيين، حذّر من تراجع تصنيف بلاده في مجال حرية الصحافة، مشيراً إلى أن «الاعتداء على الصحافيين وتهديدهم بالقتل يعتبر مناخاً غير ملائم ولا يخدم العاملين في مجال الإعلام ولا يخدم المتلقي، لأن هدف الإعلاميين في النهاية هو خدمة الجمهور وخدمة المتلقي». ورغم أنه انتقد الخطاب الإعلامي لبعض وسائل الإعلام، إلا أنه اعتبر أن «عمليات التجييش» ضد وسائل الإعلام والصحافيين لا تخدم العملية الديمقراطية في البلاد. لكنه أكد أيضاً أن الصحافي ليس فوق المساءلة والمحاسبة.