الراي
أحداث متسارعة ومثيرة تجري في الضفة الغربية، حيث تشهد هذه البقعة من الأراضي المحتلة تصعيداً خطيراً، ففي الوقت الذي يتسابق فيه المسؤولون الإسرائيليون على إطلاق التصريحات العدائية والتحريضية التي تهدد بضم مساحات واسعة من الأراضي وتطبيق السيادة الإسرائيلية الكاملة عليها، تتواصل حملة الانتهاكات الممنهجة للمدينة المقدسة ومقدساتها، ومحاولة فرض إجراءات أحادية تستهدف طمس هويتها العربية وتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، ناهيك عن محاولات التضييق على السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي كان آخرها منع عدد من المسؤولين فيها من دخول الولايات المتحدة الأميركية لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
هذه الأحداث أثارت مخاوف شديدة عربياً ودولياً، من أن اليمين الإسرائيلي المتطرف يعد العدة للانقضاض على الضفة الغربية، خاصة في ظل تداعي دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، التي تتجسد على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، وهذه المخاوف جادة ومحقة فعلاً إذا نظرنا إلى ما يصدر من مسؤولي هذا الكيان من مواقف وتصريحات تعكس نواياه الخبيثة ومخططاته الفعلية لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية.
القضية الفلسطينية تعيش اليوم في أسوأ حالاتها، فالحكومة الإسرائيلية الحالية مصرة على تحدي المجتمع الدولي، فهي لا تريد السلام ولا تريد أن ينعم الفلسطينيون بالأمن والاستقرار، بل تريد المضي قدماً في نهجها العدواني وفرض واقع جديد، بشكل مخالف للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، فما نشاهده يجري في الضفة الغربية على أرض الواقع خير دليل على ذلك، فحملات المداهمات والاعتقلات والقتل والتشريد وهدم المنازل ومصادرة الأراضي والأملاك ومشاريع الاستيطان مستمرة وتسير بوتيرة عالية وتستهدف جميعها تهجير سكان الضفة الغربية وتقسيمها إلى كانتونات معزولة عن بعضها بشكل يستحال معه قيام دولة فلسطينية مترابطة ومتماسكة جغرافيا في المستقبل.
المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة لا توصف، فلك أن تتخيل شعباً مدنياً أعزل في مواجهة كيان مجرم ومتغطرس يتغذى على العنف والقتل والانتقام، ويمارس أبشع صور الإجرام على مرأى ومسمع من العالم أجمع، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى استشهاد وجرح أكثر من 219.300 ألف فلسطيني غالبيتهم من المدنيين في غزة وحدها، ونزوح غالبية السكان الذين أصبحوا يعيشون الآن بلا مأوى، ناهيك عن الدمار الذي أتى على كل شيء وقضى على كل سبل الحياة فيها.
العالم اليوم مدان برمته، وهو يشاهد بأم عينه كياناً مأزوماً تقوده زمرة عنصرية ومتطرفة، تتحدى القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية وتتجاهل المجتمع الدولي، وتمعن في الممارسات والإجراءات اللاشرعية واللا أخلاقية واللا إنسانية، والتي ستقود حتما الى تأجيج التوتر والصراع وتدفع المنطقة برمتها إلى دوامات من العنف لا نهاية لها، وتقوض كل الفرص لتحقيق السلام العادل والشامل.