الغد
كل منا، وفي مناسبات مختلفة يقدم امتحاناً أو اختباراً أو يُقابل لوظيفة، أو يعطى فترة تجريب. ينتهي بالنجاح أو بالفشل. وفي كل مرة نجلس مع أنفسنا نفرح بنجاحنا ونعزوه إلى أمر ما، أو نحزن لفشلنا ونعزوه لأمر ما، فما هي الأمور التي نعزو إليها نجاحنا أو فشلنا؟
للإجابة على ذلك يحسن بنا الاستئناس بنظرية العزو (Attribution Theory) للأستاذ برنارد وينر التي حلّت أو فسّرت هذه المشكلة، والتي سرعان ما تبناها المدربون للعاملين في مختلف القطاعات كي يلفتوا نظر كلٍ منهم إلى الانتباه لما يحتاجون إلى التفكير فيه لإعداد أنفسهم للنجاح، وحماية أنفسهم من الفشل.
تقول نظرية العزو إن النجاح أو الفشل يُعزى عادة لأسباب مثل القدرة (Ability) والجهد (Effort) والحظ (Luck) وصعوبة العمل أو المهمة (Task Difficulty) وأنه لأي إنجاز توجد ثلاثة أبعاد: المكان (Locus) والاستقرار (Stability) والقابلية للتحكم أو للسيطرة (Controllability)، وأن النجاح في تحقيق الأهداف المهمة يتطلب الدافعية (Motivation) والثقة في النفس (Confidence) والمثابرة (Perseverance). لطالما أجاب إديسون أعظم مخترع في التاريخ عن أسئلة الذين كانوا يندهشون من عظمة اختراعاته وكثرتها بقوله: واحد في المائة عقل، وتسعة وتسعون في المائة مثابرة.
وحسب النظرية، فإنه لمعرفة السبب أو العزو يجب طرح سؤال: لماذا (Why) دائماً لنتعلم نحن أنفسنا وعن بيئتنا. يجب أن نتعلم أن إدراكنا لأنفسنا يختلف عن إدراك الآخرين لها، بل إن إدراكنا لأنفسنا يتغير من وقت إلى آخر.
عندئذ تصبح نظرية العزو ضرورية عندما نسأل: لماذا؟ وعندما نعرف الجواب نعرف عن كيفية تأثيره فيما بعد على أفكارنا وسلوكنا في النشاطات والبيئة ذات العلاقة. ونحن نمارس ذلك دائماً: لماذا نجحنا ولماذا فشلنا في إتمام هذا العمل أو في تحقيق هذا الهدف، فقد يتبين لنا أن ذلك يعود لحالات مهمة شتى لكن أهمها: القدرة، والحظ، وصعوبة العمل. والقدرة ذاتية/ داخلية في الأعم الأغلب، وهي مستقرة نسبياً عند كل واحد/ة. أي أنها مستقرة نسبياً وغير قابلة للتحكم فيها وبخاصة إذا اعتبرناها قابلية أو فطرية (Aptitude)، أو مزيجاً من الخصائص الجينية والتعلّم الذي يجعلها قابلة للتحكم فيها. أما الجهد فشأن داخلي ولكنه قابل للتحكم فيه، ولكنه يكون غير مستقر في حالة الفشل، ومستقراً في حالة النجاح. ومن ذلك أن يختار المرء بذل مزيد من الجهد في حالة الفشل، أو في الفرصة التالية. أما في حالة النجاح فإن المرء قد يعتقد أنه مجتهد اصلاً والاجتهاد خاصية مستقرة نسبياً.
وهكذا يصبح الجهد أو الاجتهاد عزواً فاعلاً خاصاً ومحدداً بالنسبة لكل من النجاح والفشل. والجهد حالة داخلية يصعب التحكم فيها إنه نتيجة للتعب لا للاختيار. كما قد يكون الجهد خارجياً وغير قابل للتحكم منه كما في حالة جهد المدير كما يراه الموظفون.
أما الحظ فخارجي ومن ثم فغير قابل للتحكم فيه. وهو إجمالاً غير مستقر، أي غير ثابت فلا يعوّل عليه في كل مرة. وإذا اعتبرنا شخصاً ما محظوظاً فإنه يمكن اعتبار الحظ مستقراً.
أما صعوبة العمل فخارجية ومستقرة، غير قابلة للتحكم فيها. غير أن إدراكنا لصعوبة العمل أو المهمة يتأثر بإدراكنا لقدرتنا ولكلفة الجهد الذي نبذله في العمل. ولأن قدرتنا وجهدنا قد يتغيران فإن قدرتنا النسبية والقابلية للتحكم في العمل يخضعان أيضاً للتفسيرات الفردية.
وكما ترى يوجد عدد غير محدود العزوات الممكنة للنجاح أو الفشل، وعدو غير محدود لإدراكات المركز أو المكان (Locus) والاستقرار النسبي والقابلية للتحكم في أي ما نعزوه للنجاح أو للفشل.