عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Feb-2019

من هو المتطرف - ھاس عمیرة
ھآرتس
الغد- أسلوب التعبیر لدى عوفر كسیف لن یثنیني عن التصویت مرة أخرى للقائمة المشتركة، كما أنھ
لم یزعج المحادثات الودیة بیننا في الماضي، لكن ھناك أمر واحد لا یمكنني اعتباره ثورة غضب في الفیس بوك: السھولة التي قرر كسیف أنھ تجري ھنا إبادة شعب، أو إبادة شعب زاحفة، وبعد ذلك السھولة التي تنازل فیھا عن ھذه الأقوال، وقال لمن أجرت معھ المقابلة، رفیت ھیخت ”ھل تعرفین، اتركي ابادة شعب، یوجد ھنا تطھیر عرقي“ (”ملحق ھآرتس“، 2/8 .(اذا كانت توجد ابادة شعب، زاحفة أم لا، فھذا أمر لا یتم تركھ، في الحیاة الخاصة والعامة. ھذا لیس أمرا نقرر یوما أنھ یجري، وبعدھا بسبب تغیر الظروف الشخصیة (الانتخاب كممثل الیھود في قائمة الجبھة الدیمقراطیة للسلام والمساواة) نتنازل عنھ. ھذه رخاصة التطرف.
من السھل علي التماھي مع الفظاظة والاستفزاز الموجود في تصریحات كسیف في الماضي.
ّ ھي تدل على أنھ قد مل من محاولة اقناع الیھود في إسرائیل بمعارضة سیطرتنا على
الفلسطینیین، محاولة كانت أحد اھداف ”الجبھة الدیمقراطیة“ منذ اقامتھ، المحاولة فشلت، لكن
عبء الاثبات لا یقع على الجبھة الدیمقراطیة أو كسیف، بل على المجتمع الیھودي. الفلسطینیون
في جیوبھم (أیضا في القرى الفلسطینیة المخنوقة في إسرائیل، بعد أن صودرت كل اراضیھا) لا
یھمون المجتمع الیھودي.
اذا كان كسیف قد فقد كل أمل في احتمالیة العمل في المجتمع الإسرائیلي، كان یجب علیھ عدم
الترشح للكنیست، وربما حتى عدم مواصلة التعلیم في إسرائیل. كثیرون منا في الیسار یعیشون
ٍ ھذا التناقض: بین الاعتراف المؤلم بأن الجمھور الیھودي یحث الخطى نحو الیمین لأن ھذا مجد
لھ مادیا ومعنویا، وبین محاولة الاستمرار في طرح معلومات وفھم ربما تنجح في خرق السور
الوطني المتطرف.
عناصر الیمین یستطیعون رمي شعار واحد، یكون مفھوم من قبل سامعیھم على الفور، ویتم
ضمھ إلى المجموعة المعتادة من الاكاذیب والصور النمطیة التي یقصفوننا بھا من كل اتجاه.
خلافا لھم، نحن في الیسار بحاجة إلى الكثیر من الكلمات كي نفكك الصورة الكاذبة، واعتراض
الاكاذیب والطرق لإخفاء المعلومات. ھذا صحیح بخصوص المراسلین الذین بیننا، وصحیح
أیضا بالنسبة للسیاسیین من الیسار.
”إبادة شعب“ ھي ابادة مقصودة أو تقلیص عددي تدمیري لمجموعة عرقیة كاملة. ”إبادة شعب“
لیست فقط التي نفذت ضد الیھود. قتل الشعوب كان جزءا من الـ دي.أن.إیھ لكل نظام كولونیالي
استیطاني. ھذه ھي اللحظة التي فیھا السكان الاصلیین في دولة معینة وقفوا عاجزین تماما امام
مخططات الغازي للتوسع والسیطرة على مواردھم واراضیھم، امام تفوقھ العسكري، وحشیتھ
وعنصریتھ. إسرائیل تثبت كل یوم بأنھ صدق من قال من بدایة القرن الماضي، إن المشروع
الصھیوني ھو كولونیالي واستیطاني.
التفسیر بأن النازیة وتداعیاتھا، التي دفعت للھجرة إلى البلاد كتلة حاسمة من الیھود الذین لم
یكونوا صھاینة قبل ذلك، تفقد مع مرور السنین قیمتھا. إسرائیل رفضت تماما الفرصة التي
منحھا ایاھا الفلسطینیون في اتفاق أوسلو، وقف توسعھا الاستیطاني ووقف تطور عقلیة شعب
السادة. في الـ دي.أن.ایھ للكولونیالیة الیھودیة لیس ھناك ابادة شعب، بل طرد جماعي
للفلسطینیین من وطنھم ومن بیوتھم (أنا امتنع عن التعریف الدارج ”تطھیر عرقي“ لأنھ یستند
إلى مفھوم الاستقواء للغازي: ”تطھیر“ من خلال تشویھ المعنى الایجابي لھذا المفھوم).
الجیوب الفلسطینیة المنسیة التي خلقتھا إسرائیل على جانبي الخط الأخضر، ھي تسویة بین
الرغبات نصف الخفیة لاخلاء البلاد من سكانھا الفلسطینیین، وبین الاعتراف بأن ھذا الامر غیر
ممكن لأسباب جیوسیاسیة. في إسرائیل یتعزز معسكر الیمین، المسیحاني والاستیطاني، الذي
یعتقد أن ھذا الامر ممكن أو یجب تحویلھ إلى امر ممكن. دورنا في الیسار لیس التنافس على
التطرف اللفظي أو النقاش حول المستقبل: ھل سیكون ھناك طرد جماعي آخر، ھل سیتطور إلى
قتل جماعي. دورنا ھو احباط ھذا السیناریو المقیت.
إسرائیل فككت المجتمع الفلسطیني على جانبي الخط الاخضر إلى عدة اجزاء، وضد كل واحد منھا ھي تمارس سیاسة مختلفة من القمع والتدمیر المادي والنفسي. كل ھذا كجزء من خطتھا
لإلغاء وجود الفلسطینیین كجماعة. رغم قیاداتھم الفاشلة، إلا أن الفلسطینیین یشعرون كجماعة
ویبحثون عن طرق جدیدة للتعبیر عن ذلك.
لا یجب علینا الذھاب بعیدا حتى مفھوم ”ابادة شعب“ من أجل القول إن نسب الفقر المرتفعة في
اوساط الفلسطینیین مواطني إسرائیل ھي نتیجة سیاسات، وأنھ في قطاع غزة خلقت إسرائیل
بشكل وحشي ومحسوب ظروف حیاة لا تحتمل، وجبال من الكوارث للبیئة والصحة الجسدیة والنفسیة لملیوني شخص. ولكن الفلسطینیین لم یختفوا، وھم یواصلون التكاثر حتى تحت سیاسة التدمیر الإسرائیلیة. ھم أیضا لیسوا مفعول بھ، بل فاعل أیضا.
وشروط الكوارث للصحة ھي أیضا من نصیب ملایین بني البشر، فلاحین وعمالا وشعوبا اصلیة، في دول أخرى كثیرة في العالم. یجدر بنا، نحن الیسار، أن نحلل ونكشف الاھداف السیاسیة وتوازنات الربح التي تقف خلف ھذه الجرائم المنھجیة، تحلیلات ستكون ساریة المفعول قبل وبعد الدخول إلى الكنیست.