الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جي. توماس كوزر* - (كونسورتيوم نيوز) 31/8/2025
كنتُ أشعر طوال حياتي بانجذاب قوي نحو الشعب اليهودي. ولكن الآن، بعد أن تبنّت جامعتي، جامعة كولومبيا، تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" لمعاداة السامية، وجدت نفسي فجأة مُصنَّفاً كـ"معادٍ للسامية" -فقط لأنني أعارض اضطهاد الفلسطينيين.
في رواية "الشمس تشرق أيضًا" The Sun Also Rises، يُسأل مايك كامبل عن كيف أفلس؟ فيجيب: "بطريقتين. تدريجياً، ثم فجأة". ويمكنني أن أقول الشيء نفسه عن كيف أصبحتُ معادياً للسامية. ارتبطت الطريقة التدريجية بتطور أفكاري حول إسرائيل. أما الطريقة المفاجئة فجاءت من خلال تبنّي جامعة كولومبيا، حيث أعمل محاضراً غير متفرغ، لتعريف مثير للجدل لمعاداة السامية.
كنت طوال حياتي أعتبر نفسي ميّالًا إلى حب اليهود، إذا صح التعبير. فقد نشأت في مدينة ميلروز، وهي ضاحية بيضاء للطبقة الوسطى في بوسطن، ولم تكن لي أي صداقات أو معارف من اليهود في طفولتي. (لم تكن ميلروز مدينة ذات طابع أنجلوساكسوني بروتستانتي أبيض بالمعنى التقليدي؛ كان يسكنها الكثير من الأميركيين ذوي الأصول الإيطالية والإيرلندية، ولكن في صفّي بالمدرسة الثانوية، الذي كان يضم نحو 400 طالب، لم يكن هناك سوى طالب أو اثنين من اليهود). لكن ذلك تغيّر في صيف العام 1963، بعد سنتي قبل الأخيرة في المدرسة الثانوية، عندما التحقت ببرنامج صيفي في "أكاديمية ماونت هيرمون". كان زميلي في الغرفة هناك يهوديًا، وكذلك العديد من الطلاب في صفي. وقد انسجمنا جيدًا، وأظن أنني وجدت اهتماماتهم وقيمهم أكثر فكرية ونضجًا من تلك التي لدى زملائي في مدرستي الأصلية.
وفي دارتموث، استمر هذا الاتجاه. كان زميلي في الغرفة يهودياً؛ كما ضمّت أخويتي عدداً من اليهود (من بينهم روبرت رايش). وقد استمتعتُ بروح الدعابة الساخرة لديهم، وتعابيرهم اليديشية بين الحين والآخر، وشكوكهم العلمانية. وعندما كان أصدقائي اليهود يخبرونني بأنني يمكن أن أمرّ بينهم كيهودي، كنتُ أعتبر ذلك إطراءً.
على الرغم من صداقاتي اليهودية، ظلّت إسرائيل بالنسبة لي مجهولاً. كنتُ، بالطبع، على دراية بالرواية المتداولة عن نشأتها. فقد نشأ جيلي على قراءة مذكرات آن فرانك أو مشاهدة المسرحية المقتبسة عنها -وهي من المواد الأساسية في عروض المدارس الثانوية (حتى -أو بالأخص في الحقيقة- في ضواحٍ خالية من اليهود مثل ضاحيتي). كانت قصة الهولوكوست حكاية مقدسة. لكنني لم أكن أملك اهتماماً خاصاً، ولا أفكاراً، حول دولة إسرائيل. ولم أكن في حاجة إلى ذلك.
بينما كان طيف التجنيد العسكري يخيم علينا، كان كثيرون من أبناء جيلي معارضين للحرب؛ وأنا وأصدقائي كنا كذلك بالتأكيد. ولذلك فوجئتُ عندما رأيت بعض أصدقائي اليهود، خلال حرب الأيام الستة في العام 1967، وقد استبدّ بهم الحماس المؤيد للحرب، بل وتفاخر بعضهم بأنهم مستعدون للذهاب للخدمة في الجيش الإسرائيلي. ومن الواضح أنها كانت لهم مصلحة في مصير إسرائيل لم أكن أشاركهم فيها، وهو ما كان شأنًا غامضاً بالنسبة لي. لكنني افترضت أن حكمهم كان صائباً؛ وأن الحرب كانت مبرَّرة وليست عملية استيلاء على الأرض كما أعتبرها الآن. وعلى أي حال، انتهت تلك الحرب سريعاً.
بعد تخرجي بوقت قصير، قدّمني صديق مقرب من دارتموث (يهودي) وزوجته اليهودية، التي كنتُ أعرفها منذ ماونت هيرمون، إلى زميلة لها من جامعة براندايس. تعارفنا، ووقعنا في الحب، وتزوجنا. ولم يكن الأمر بهذه البساطة، بطبيعة الحال. في ذلك الوقت لم يكن من السهل العثور على حاخام يوافق على عقد زواج بين مسيحي بروتستانتي ويهودية علمانية. وبعد محاولات عدة غير ناجحة، استعنا بحاخام يعمل قسيساً في جامعة كولومبيا. وقد انفصلنا بعد نحو خمس سنوات، لكن فشل الزواج لم تكن له أي علاقة بالاختلافات الدينية، وما نزال صديقين جيدين حتى الآن.
على مدى العقود التالية، حصلت على درجة الدكتوراه في الدراسات الأميركية، ودرّست الأدب الأميركي في كلية كونيتيكت ثم في جامعة هوفسترا. وكأستاذ، كان لدي العديد من الطلاب والزملاء اليهود (خاصة في هوفسترا) وكانت علاقتي بهم جيدة.
لكن إسرائيل كانت دائماً هناك، في الخلفية. لقد تجنبتُ عمداً التفكير النقدي بشأنها. وأذكر أنني قلتُ لصديق يهودي (ابنته تعيش في القدس) إنني لا "أتعاطى" موضوع إسرائيل. كنتُ أشعر بأن هذه مسألة "معقدة جداً". وليس هذا فحسب، بل مثيرة للانقسام والجدل، ولم أرغب في اتخاذ موقف. كان ثمة قضايا سياسية أخرى أكثر أهمية بالنسبة لي.
بطبيعة الحال، كنت على دراية بحركة مقاطعة إسرائيل التي انضم إليها العديد من الأكاديميين، بمن فيهم أشخاص أحببتهم وأعجبت بهم. وحتى مع دعمي لسحب الاستثمارات من جنوب أفريقيا، كنتُ متردداً في مقاطعة إسرائيل. ولو سألتني حوالي العام 2000 عن هذا الموضوع، لكنتُ قد قلت: "لماذا التركيز على إسرائيل"؟ وكان المعنى الضمني هو أن الدولة قد تكون إشكالية، لكن هناك أنظمة قمعية أخرى في العالم.
حسناً، يكفي قول إن سؤالي أُجيب عنه من خلال رد إسرائيل غير المتكافئ على هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ولا حاجة بي إلى استعراض أحداث العامين الماضيين. لقد غيّرت الصور المتواصلة للهجوم الإبادي الذي يُشن على الغزّيين تدريجياً موقفي من إسرائيل: من الإهمال المتسامح في شبابي، والتوجس الحذر في منتصف العمر، إلى عداء متزايد وغضب شديد. ولا ينطبق هذا العداء، بطبيعة الحال، على النظام الإسرائيلي فحسب، بل أيضاً على الدعم الأميركي له. وأشعر بأن تواطؤنا في هذه الفظاعة يُلحق أذىً أخلاقياً دائماً بكل من يعترض عليها، خاصةً ونحن نشعر بأننا عاجزون عن إيقافها.
كنتُ دائمًا مسكونًا بكلمات آرون بوشنل، الذي أضرم النار في نفسه احتجاجاً: "كثير منا يسأل نفسه: ماذا كنت لأفعل لو أنني عشتُ في زمن العبودية؟ أو في الجنوب الأميركي تحت ’قوانين جيم كرو‘؟ أو في ظل الفصل العنصري؟ ماذا كنت لأفعل إذا كان بلدي يرتكب إبادة جماعية؟ الجواب هو: إنك تفعل ما تفعله الآن. الآن. في هذه اللحظة". وكان ما فعلته أنا، بعد فترة طويلة من اللا فعل، هو الانضمام إلى حركة "صوت يهودي من أجل السلام" والمساهمة في "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS)، وهي خطوات متواضعة تُخفف قليلًا من العبء الرازح على ضميري.
كان موقفي تجاه إسرائيل يتغيّر على مدى عقود، وتسارع هذا التغيير في السنوات الأخيرة. وأظن أنني أمثّل حال عدد لا يُحصى من الناس. خارج أوروبا الغربية، تصبح إسرائيل بشكل متزايد دولة منبوذة. وحتى في الولايات المتحدة؛ أقرب حلفائها وأكبر مموليها، تُظهر استطلاعات الرأي تراجعاً مهمًا في الدعم لها.
وفي الوقت نفسه، جرى توسيع تعريف معاداة السامية، وفق "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست"، بحيث لم يعد يقتصر على كراهية اليهود كشعب، وإنما أصبح يشمل الانتقادات الموجّهة إلى دولة إسرائيل، والتي تبدو لي بديهية وعادلة وشرعية وضرورية أخلاقياً. بعد كل شيء، خلصت مؤسسات دولية مختلفة، وعلماء مؤهلون لإصدار مثل هذه الأحكام، إلى أن إسرائيل هي دولة فصل عنصري ترتكب إبادة جماعية.
بصفتي أستاذًا مساعدًا في برنامج "الطب السردي" بجامعة كولومبيا، شعرتُ بخيبة أمل عميقة من قبول الجامعة مؤخراً لهذا التعريف الموسع لمعاداة السامية، استجابةً لضغط من إدارة ترامب، التي تسعى إلى معاقبة المؤسسة بسبب تسامحها المزعوم مع الاحتجاجات.
يحب مسؤولو الجامعات إطلاق تصريحات من قبيل: "لا مكان لمعاداة السامية" في مؤسساتهم. لكنهم يعرفون أن أعداداً كبيرة من الأساتذة والطلاب يُعتبَرون معادين للسامية وفق التعريف الذي تبنوه هم أنفسهم. ماذا يعني هذا لي، ولأساتذة آخرين مثلي ممن ينتقدون إسرائيل، ونحن نُدرّس في مؤسسة تصفنا ضمناً بأننا معادون للسامية؟ ربما لا يقومون بطرد أحدنا، ولكن يجري تثبطنا فعليًا عن التعبير العلني.
يبدو هذا التعريف مؤسفاً من جوانب عدة. بدايةً، أراه معيباً من الناحية المنطقية، حيث يخلط بين المواقف تجاه "الدولة الإثنية" والمواقف تجاه "الجماعة الإثنية" التي تُفضّلها تلك الدولة. قد يكون من الصعب التمييز عملياً بين الأمرين، لكنه من الناحية المفاهيمية واضح تماماً. وكما تحب كيتلين جونستون أن تشير، فإنه إذا كان الفلسطينيون يكرهون اليهود، فإن ذلك ليس بسبب دينهم أو عرقهم، بل لأن الدولة اليهودية هي مضطهدهم.
إن الخلط بين نقد إسرائيل وكراهية اليهود قد يكون وسيلة مكشوفة ومريحة لصدّ الانتقادات عن طريق وصم المعارضين. وهو يعزز السردية التي تتحدث عن ارتفاع معاداة السامية، لكنه يتجاهل دور الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في تعزيز هذا "الاتجاه الظاهر". بالإضافة إلى الأعمال المعادية لليهود بحق، جرى احتساب بعض الأنشطة المناهضة لإسرائيل أو للصهيونية كأعمال معادية للسامية. وإذا كانت معاداة السامية قد ارتفعت، فإن هذا لم يحدث في فراغ تاريخي.
على أي حال، قد يثبت هذا التعريف الأوسع أنه يأتي بنتائج عكسية في نهاية المطاف. إن طمس الفارق بين دولة إسرائيل واليهود كجماعة دينية/ إثنية قد يُعرّض اليهودية عموماً لخطر أن يُوجَّه إليها العداء الموجه لإسرائيل. كما أن تعريف "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" قد يُضعف -أو يُلغي تمامًا- الوصمة المرتبطة بمعاداة السامية. فإذا كان الاعتراض على المشروع الإبادي لإسرائيل يجعلني (ويجعل الكثير ممن أعجب بهم) معادياً للسامية، فأين تكمن الوصمة إذن؟ لو كنت أصغر سناً، لكنت سأرتعب من فكرة أن يتهمني أحد بمعاداة السامية. أما الآن، فإنني أستطيع أن أتعامل مع الاتهام بلا مبالاة.
أخيرًا، بصفتي عضواً مدى الحياة في "اتحاد الحريات المدنية الأميركي" (ACLU)، فإنني أشعر بقلق بالغ إزاء تداعيات هذا التعريف على حرية التعبير والحرية الأكاديمية. في الظروف العادية، لم يكن موضوع إسرائيل ليحضر في ذهني أو على أجندتي في قاعة دراسية في جامعة كولومبيا. لكنّ الأمر سيكون أشبه بـ"الفيل في الغرفة"، أليس كذلك؟ سوف أكون شديد الحساسية لاحتمال أن يتم التبليغ عن أي إشارة إلى غزة باعتبارها تهديداً للطلاب اليهود. للأسف، إذا كنت أنا، وغيري من منتقدي إسرائيل (الذين هم أنفسهم يهود في كثير من الأحيان)، قد أصبحنا الآن معادين للسامية، فذلك لأن إسرائيل و"التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" قد جعلا منا كذلك.
*جي. توماس كوزر G. Thomas Couser: يحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الأميركية من جامعة براون. درّس في كلية كونيتيكت بين العامين 1976 و1982، ثم في جامعة هوفسترا، حيث أسس برنامج دراسات الإعاقة، حتى تقاعده في العام 2011. التحق بهيئة التدريس في برنامج الطب السردي بجامعة كولومبيا في العام 2021، وأدخل مساقاً في دراسات الإعاقة إلى المنهاج في العام 2022. تشمل مؤلفاته الأكاديمية: "استعادة الأجساد: المرض والإعاقة والكتابة عن الحياة" (ويسكونسن، 1997)؛ و"ذوات هشة: الأخلاقيات والكتابة عن الحياة" (كورنال، 2004)؛ و"الإشارة إلى الأجساد: الإعاقة في الكتابة المعاصرة عن الحياة" (ميشيغان، 2009)، و"المذكرات: مقدمة" (أوكسفورد، 2012).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How I became an antisemite