عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Aug-2019

عمان.. زمازم ودم أرجوان

 

لَكِ يا قُدْسُ ما يليقُ بعيْنَيْكِ من الكُحْلِ، والدَمُ الحِنَاءُ.
عَيْبُنا أنَنا عَجِزْنا عن الموتِ ولكنْ لم يَعْجَزِ الأبناءُ.
فَلَقد أقبلوا، كأنَ صلاح الدين فيهم .. وفي يديْهِ اللواءُ.
وِتًنادوْا إلى الفداءِ رُعوداً وبُروقاً ..فَنِعْم نِعْمَ الفِداءُ.
يا أحِبَاءَنا الذين افتَدُوْنا بِدماهُم.. ما زالَ ثَمً رجاءً.
لا تُبالوا بِنا .. ولا تَسْمعوا منًا ..فكلُ الذي نَقولٌ هُراءُ !!.
أنتمُ الرَائعونَ لا نحن .. فالقدسُ ابْتداءٌ لَدَيكُمُ ..وانْتهاءُ.
ودَمٌ طاهِرٌ يسيلُ، وأمّا عندنا فهْي دَمْعةٌ خَرْساءُ ..
أيُها الطًيٍبونَ، لن تستجيب الأرض..لكنْ سَتَسْجيبُ السَماءُ!!.
 
الدستور - محمود كريشان.. إنه صباح الجيش العربي الاردني العظيم، القادم من وهج الخيل وصهيل النصر، ومن اول قطرة دم من دماء شهدائه، وهي تعطر اسوار القدس، وتعانق شهداء الفتح، وترفرف بجناحي فراس العجلوني، وتقر عيونها بفروسية منصور كريشان، وتستشعر معاني التضحية في نفس خضر شكري ابودرويش، والعناد العظيم في صورة المقدم البطل صالح شويعر، وزغاريد الرصاص في بارودة خالد هجهوج المجالي .. وهوالجيش الذي قاتل الصهاينة في باب الواد واللطرون والشيخ جراح، وعلى اسوار مدننا الخالدة في فلسطين، عندما مزجت كتائبه والويته المظفرة الرصاص والصبر والكبرياء.. وقد جرب الصهاينة عنفه، في زمن حابس المجالي ومحمد الحنيطي وهارون بن جازي وهملان ابوهلالة ومحمد هويمل الزبن ومحمد سالم الرقاد ..وزغاريد الاردنيات تملأ الفضاء وهن يرقبن مواكب النصر، واعراس الشهداء.. وهي اطلالة دستورية على دفاتر شهداء القوات المسلحة الاردنية ـ الجيش العربي، كبرى مؤسسات الوطن، لتشرق الحروف من نور ونوار، ونحن نتأهب لشرف الكتابة عن احد شهداء الجيش العربي الاردني، عندما كان ملتحفا النار في الخطوط الامامية للمعركة، وكان الوطن ما زال ينبض في عروقه، والحب اردنيا والرتبة على الساعد.. وردة زرعت على ثرى فلسطين..
انه قائد كتيبة الحسين الثانية الرائد الركن منصور كريشان وكوكبة ابطال من رفاقه في الكتيبة التي اطلق عليها لقب كتيبة «أم الشهداء»، عندما كانت مواجهة في منتصف شهر شباط 1968 قبل معركة الكرامة بشهر حيث تصدى رجال هذه الكتيبة الباسلة لقطعان العدو الصهيوني بمواجهة عُرفت بمعركة الثماني ساعات بمنطقة ام قيس في شمال الاردن، حيث استشهد قائد الكتيبة الرائد الركن منصور كريشان وستة من رفاقه هم: العريف محمود عيد قاسم النسور، الجندي علي حسين علي العمري، الجندي اول عوض محمد ابراهيم الجراح، الجندي منير احمد ابراهيم المصري، الجندي احمد حسن عبدالرحمن، الجندي محمد عقلة مصطفى عبدالرحمن، الجندي احمد عبدالله حسين.
وشهدت مناطق وسط البلد يوما تاريخيا خالدا عندما شيعت الجماهير والجنود جنازة الشهداء من المسجد الحسيني الكبير في مراسم شعبية حاشدة حيث اكتظت الجموع فوق الابنية المحيطة وضاقت شوارع عمان القديمة بالالاف من الذين شاركوا في تشييع جثمان الشهداء الابطال الذين تصدوا لقطعان العدو الصهيوني وقد اقسموا وتعاهدوا ان لا تطأ اقدام العدو الثرى الاردني الطهور.
ممنوع الانسحاب
وفي هذا السياق يقول احد جنود الكتيبة السبعيني انيس قاسم محمد الطبر متقاعد من القوات المسلحة الاردنية وهو من قرية سيل الحارثية في جنين، ان الرائد الركن الشهيد منصور كريشان ابى الا ان يخوض المعارك تلو المعارك، يعلن غضبا مكتوبا بنيران البواريد كلما دنس العدو الاسرائيلي كرامة حجر عربي وشرف زيتونه..يسرج كتائبه لدحر قطعان جيش العدو الصهيوني عن ارضنا العربية، حتى صعد شهيدا، ليزف فوق ثرى قرية ام قيس في معارك الاستنزاف التي خاضها الجيش العربي الاردني في مواجهة العدو الصهيوني العام 1968، مشيرا الى ان طائرة اسرائيلية مقاتلة نوع «سكاي هوك» استهدفت تحديدا بصواريخها سيارة الروفر التي كانت تقل الشهيد كريشان.
واضاف، ان الرائد منصور كريشان وفي حروب الجيش العربي في القدس واثناء اشتعال المعركة كان ينادي بأعلى صوته الهادر على الجنود ويدعوهم للثبات وهو يصرخ قائلا: اثبت يا عسكري.. عرضنا.. مقدساتنا.. ارضنا.. ممنوع الانسحاب.. قاتلوا العدو الغاشم..
الحسين يرثي الشهيد كريشان
هذا الفارس الذي رثاه جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال «طيب الله ثراه»؛ نظرا لما يعرف عنه من بطولة وشجاعة في كافة الحروب التي خاضها الجيش العربي وقد جاء في الرثاء: «بالامس الموافق 15 شباط 1968 ايها الاخوة خط الشهداء الابطال من رجال قواتنا صفحة جديدة في سجل بطولتهم الخالدة وكرمهم ربهم بالشهادة العالية فباتوا مصدر عزة وفخار لنا ولأسرهم ووحداتهم العسكرية.
ومن اولئك شهيدنا البطل الرائد الركن منصور كريشان الذي عرف درب البطولات قبل اليوم في معارك القدس قبل شهور.
لقد حسبنا في يوم قريب ان انتقال بطلنا الشهيد الى سلاح اخر في قواتنا المسلحة هو كسب له، ولما آثر الحرص عليه، ولكنه رحمه الله اختار البقاء في كتيبته واصر عليه وبقي يقود كتيبته بقدرة وعزم وايمان حتى كتبت له الشهادة يوم امس مع من استشهد من رجالها الأباة.. انه يعيش معهم في اعمق الاعماق من قلوبنا وافئدتنا وستبقى صورهم جميعا ما دمنا على قيد الحياة، وسيظل اغلى الاماني واعزها عندنا ان نعيش مثلهم ونقضي مثلهم حتى يكتب للقضية العدل والحق والظفر والمجد».
أباد ثلاث كتائب من العدو
ولان الشهيد كريشان كان وفيا للعقيدة والجهاد ومقاتلا عنيدا، بارادة صلبة يلين لها الصخر ولا تلين، فقد شمخ بكتيبته التي كان يقودها في معركة الدفاع عن القدس في حزيران 1967، وتصدى بعناد صاحب الحق للألوية الاسرائيلية المتقدمة، وتمكن من اعاقة تقدمها لمدة ثلاثة ايام، وقد استطاع حينها ابادة ثلاث كتائب هي عبارة عن لواء كامل من المظليين كان يقوده القائد الصهيوني مردخاي غور، ليفتك بهم، ويذيقهم نيران الرصاص الاردني، ولم يتمكن اي جندي صهيوني من دخول المدينة المقدسة الا على اشلاء كتيبة الحسين الثانية، التي لم يتبق منها الا 43 مقاتلا من اصل 500 مقاتل، حيث اطلق على هذه الكتيبة لقب «ام الشهداء».