... في دول العالم الثالث، تفكر ألف مرة قبل اقتحام مجلس نواب أو مقر حكومة.. وتفكر ألف مرة قبل المساس بمنشأة رسمية، وقد تفكر أكثر من ذلك حين تقترب من مؤسسة ترفع علم بلادك..

 

الناس تلوم (ترمب) على أنه قام بدعوة مناصريه من أجل اقتحام البيت الأبيض، لكن أحدا في الإعلام لم يتحدث عن القطيع..الذي استجاب, وقام بالهجوم على مبنى (الكابيتال)، لدينا في الأردن لو أقنعت كل المعارضة وكل الحراكات باقتحام مؤسسة رسمية, لما سمحوا لك أن تكمل الفكرة, كون المعارضة هنا تمتلك وعيا ونموذجا سلميا, في الحركة والاحتجاج, ولكن الغريب في أميركا أن جنون (ترمب) ليس حكرا عليه وحده, بل هو لوثة أصابت الملايين من الأميركان..

 

حين كنت أشاهد التلفاز, لم أشعر للحظة أني أمام مشهد أكبر ديمقراطية في العالم وأهم دولة صناعية، والقوة العسكرية الأولى، لو كنت في (حسبة) أو سوق (حلال) على الأقل سترى تنظيما بين المشترين وبين الباعة على الأقل سترى احتراما للمكان، وسترى بعض الابتسامات.. سترى الناس تساعد بعضها، ولكن ما حدث هنالك هو مشهد لفوضى بشرية, استطاع فيه البعض الدخول لمؤسسة لم تؤمن بحماية أمنية، ولا شرطة.. ولا حتى جيش.

 

محمد عابد الجابري وصف السلطة في العالم العربي أنها تقوم على ثلاثية (القبيلة، العقيدة، الغنيمة)، وقال أن العرب تأثروا بكسرى في مسألة السلطة المطلقة، لكن الجابري الذي أفنى حياته في نقد الموروث, والمقارنة مع الغرب, ماذا كان سيقول أمام اقتحام مبنى (الكابيتال) وكيف سيفسر سلوك السلطة في الولايات المتحدة؟.. أظن أننا صدرنا لهم تلك الثلاثية، ترمب يتعامل مع المنصب باعتباره غنيمة.. ومن هجموا على مبنى الكابيتال هم من الحركات اليمينية المتشددة, والتي تدعمه على خلفية إيمانها بأنه يريد تفكيك السلطة الخفية التي تحكم العالم، وهذا الرجل أنتج له قبيلة تكره المهاجرين، وتريد مجتمعا نقيا.. وعقيدته هي المال فكل سلوكه وخطاباته قائم على فكرة كم ستربح وكم ستخسر؟.

 

كنت أتمنى لو أن المفكر العربي محمد عابد الجابري ما زال حيا، كي يجيب عن مشهد اقتحام (الكابيتال), ولكنه مات قبل أن يشاهد ثلاثيته المشهورة في تعريف السلطة قد طبقها (ترمب) بحذافيرها, بالطبع نحن العالم الثالث يكتسحنا الفرح في هذه اللحظات لأن التخلف ليس حكرا علينا وحدنا..