عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jul-2019

فيلـم «أرض ميتـة» مـرثيـة المـرأة المُـزارعــة لأرضهـــا

 

الدستور- «عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها، وش عملت الروزانا الله يجازيها، يا رايحين عحلب حبي معاكم راح، يا محملين الألم تحت الألم جراح، كل من حبيبه معه، وأنا حبيبي راح، يا ربي نسمة هوا تجيب الغالي ليا وارتاح..».
كانت الستينية آمنة ياسين «أم عمر» تغني هذه الكلمات وابنها وأحفادها يرددون خلفها «على الروزانا...على الروزانا»، لكن لا أحد من هؤلاء الصغار يعرف سبب شجن جدتهم وذرفها الدموع وهي تغني، وأي زمن كانت تبكيه قبل أن يبتلع جدار الفصل العنصري أرضها في قرية عانين بمحافظة جنين، ويحرمها من علاقتها معها ومن خيراتها ومن حياتها التي تعرفها.
ولكنها ليست وحدها من قرية عانين التي سلبت منها أرضها ومعها ذكريات حياتها، فكذلك الحاجة فتحية عيسى «أم نزار» فقدت أرضها خلف الجدار وحُرمت من زراعتها، بعد أن صادرها الاحتلال. وهناك طريقة وحيدة تمكن هؤلاء النسوة من زيارة أراضيهن عبر سياج الحاجز العسكري، أو بعد الحصول على تصريح من الجيش الإسرائيلي، وغالباً ما يتم رفضه لأسباب أمنية.
فكل من أم عمر وأم نزار فقدت أرضها وأصبحت «ميتة» خلف الجدار إذ لم تعد لديهما القدرة على فلاحتها أو بيعها أو البناء فيها، الأمر الذي تركهما للعوز والمرض، فقد بدأت الحاجة «أم نزار» تصنع الخبز وتبيعه، ومع ذلك هي لا تشتكي من الفقر، بقدر ما تفتقد والدها وأرضها وزيتونها، فهي لا تكف عن تذكر الثلاثة معاً في كل لحظة.
تتذكر الحاجة السبعينية «أم نزار» اعتناء والدها بها في صغرها بعد أن فقدت عينها اليسرى نتيجة مرضها بالحصبة، ما جعله دوماً يعطف عليها أكثر من شقيقاتها، تقول: «أبوي بقى يعاملني معاملة مميزة عن أهل الدار كلها، يعطيني أشياء أزوَد عن كل خواتي... مثلاً في موسم الزيتون يعطيني غالونين زيت زيتون بدل واحد، أما لما قلي بدي أخصك بأرض أزود عن خواتي قلت لأ...».
ويبدو الحاضر للسيدتين مؤلماً ومأساوياً بعد أن عاشتا مجداً ورضاً كبيرين في الحياة؛ فقد كانت الأرض وأشجار الزيتون تحتضنهما، لكن الآن يبكين ألم البعاد عن كل ما هو عزيز عليهما، فقد توقف كل شيء منذ تلك اللحظة؛ الزرع عن النمو، والأرض لم يعد أحد يسقيها، تراقبان فقط الأفق من بعيد... أفق أشجار الزيتون والمساحات الخضراء التي كانت يوماً ما حياتهما.
وليس هناك أقسى من تعبير «أم نزار» عن علاقتها بأرضها وأشجار زيتونها: «أنا طلع لي 39 زيتونة، هسا لما راح تسع زيتونات منها مع شارع للسيارات ضلين 30، يعني صابتني نكبة، وأنكب من نكبة».
انتقلت الكاميرا إلى «أم عمر» حيث كانت تطبخ الخبيزة التي قطفتها مما تبقى لها من أرض، وقالت: «تذكرني هذه الطبخة بأيام السعادة، قبل ما يتم وضع الجدار والحاجز، والآن حالتنا على الله».
وتؤرخ لحفيدها وهي تنظر إلى أرضها عبر سياج الحاجز العسكري: «بقينا يا ستي نعتمد على الموسم من السنة للسنة، واليوم ما في أي شيء، ولا مسموح نزرعها...شايف يا ستي».
وعن فكرة الفيلم، تقول المخرجة الشابة أمجاد هب الريح: إنها اختارت فكرة الفيلم؛ لأن الأفكار تم استهلاكها عن الجدار، لكن لم يتم طرح تعلق المرأة المُزارعة بأرضها ومدى تأثرها بفقدانها من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وحول كون الفيلم يركز على حكايات شخصية وليس معلومات أو إحصاءات، تقول المخرجة: «باعتقادي لو طرحت فكرة الإحصاءات والحقائق ستتشابه الأفلام، أما إذا عبرت عن مصادرة الأراضي من خلال حنين مزارعتين لأرضهن المسلوبة، فأكون قد تعمقت في جوهر معنى سلب الأرض».
وحول تركيزها على ثلاثية الأب والأرض والزيتون، تلفت بقولها: إن هذه الثلاثية تاريخية بالنسبة لكل فلسطيني؛ فعلاقة الحنان تتمثل بالأب، كذلك هناك الحنين الأبدي إلى الأرض، أما الزيتون فهو التجذر بهذا الحنين.
وفيما يتعلق بتجربتها مع مؤسسة شاشات تقول: «مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، تجربتي مع شاشات هي الخطوة التي أتمنى أن أنطلق منها إلى إخراج الأفلام».
وهذا الفيلم واحد من عشرة أفلام من إخراج مخرجات فلسطينيات شابات من الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة، قامت مؤسسة «شاشات سينما المرأة» بإنتاجها والإشراف عليها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لنجاحها، وسيتم إطلاقها في «مهرجان شاشات الحادي عشر لسينما المرأة»، الذي يحمل عنوان «أنا فلسطينية». وتشكل الأفلام جزءاً من مشروع «يلاّ نشوف فيلم!» الذي تنفذه المؤسسة، وهو مشروع ثقافي-مجتمعي ممتد على ثلاث سنوات بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي وتمويل مساعد من مؤسسة CFD السويسرية وممثلية جمهورية بولندا في فلسطين. وبذلك تكون المخرجة الشابة أمجاد هب الريح من جنين قد ربطت ثيمة المشروع «أنا فلسطينية» بالفيلم من خلال إعادة سرد هوية المرأة في قصتين تظهران العلاقة التاريخية بين المرأة والأرض.
«الأيام الفلسطينية»