اسرائيل هيوم
صحيح أن الأزمة الاقتصادية ضارة ومثقلة، الا ان قدرة المجتمع المتواصلة على ضمان أمنه وازدهاره، رغم خطورتها، تدل ايضا على القدرة للتغلب عليها
يجدر فحص الازمة السياسية في اسرائيل بأدوات استراتيجية وبمنظور مقارن. من المهم ان نميز ايضا بين المشاكل الخاصة باسرائيل وبين ازمات بنيوية تتميز بها معظم الديمقراطيات، وكذا بين الطريق المسدود في الساحة السياسية وبين حصانة المجتمع.
تعيش معظم الديمقراطيات الغربية في أزمة. فمثلا: في الولايات المتحدة، في بريطانيا، في فرنسا، في المانيا، في ايطاليا، في اسبانيا وفي استراليا، الخلفية المحلية مختلفة، ولكن القاسم المشترك هو فقدان ثقة الجمهور بالتزام منتخبيه بان يتقدموا بجواب على احتياجاته، في فترة تغييرات دراماتيكية وغير مفهومة في محيطة الاقتصادي، الثقافي والسياسي. ففي عصر الشفافية الزائدة، يكون السياسيون مطالبين بأن يتحدثوا الى البروتوكول وان يُبدوا حديثهم جيدا، بدلا من الحديث بموضوعية وعمل اللازم. عليهم ان يعرضوا رضى فوريا بدلا من ان يستثمروا في تحسين الوضع، والظهور كأولياء، أكثر مما ان يعرضوا زعامة وانجازات في المواضيع الداخلية وفي السياسة الخارجية.
الازمة في العالم وفي اسرائيل خطيرة، ولكن الاختبار الاعلى للامن القومي هو في مجال المجتمع: فمجتمع حصين سيتغلب ايضا على الضائقة السياسية، فيما أن ذاك الذي فقد اطواقه لن يتخلص منها. في الولايات المتحدة وفي اوروبا يعكس الانقسام السياسي الاستقطاب في المجتمع ايضا. فالولايات المتحدة تقف على شفا حرب أهلية باردة بين مؤيدي ترامب وبين كارهيه وماقتيه. قسم كبير من الجمهور في اوروبا رد على هذيانات القيادة عديمة المسؤولية في القطب الاول (أساسا في مسألة الهجرة وفي مسألة الهوية القومية) بتبني مواقف خطيرة في القطب السياسي المقابل. في معظم الديمقراطيات ضعفت جدا الكتلة في وسط الساحة السياسية، الساعية الى توازن بناء وفاعل بين الاحتياجات القومية الشرعية وبين التطبيق المتوازن للقيم الكونية.
بخلاف الكليشيهات عن المجتمع الممزق والحجج السائبة بشأن الحرب الاهلية على الابواب، يثبت التيار المركزي في المجتمع الاسرائيلي بسلوكه المتواصل جمعا من التكافل العميق، أساسات البناء، التفكر، المناعة الباعثة على الثناء والالتزام العميق بالتعددية الاجتماعية والسياسية. الى جانب يسار واضح وضيق جدا وأقلية أكبر منه من اليمين الواضح، تقف الاغلبية المطلقة من المجتمع الاسرائيلي في مركز الساحة السياسية. في اوساط من اقاموا الدولة، من يحمونها، يعيلونها اقتصاديا ومسؤولون عن انجازاتها – اليهود غير الاصوليين والدروز – هذه الاغلبية في المركز ابرز بكثير.
صحيح أن الازمة الاقتصادية ضارة ومثقلة، الا ان قدرة المجتمع المتواصلة على ضمان أمنه وازدهاره، رغم خطورتها، تدل ايضا على القدرة للتغلب عليها. مجتمعات ديمقراطية اخرى اظهرت في ظروف اسهل بكثير انجازات اقل عظمة بكثير.