عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Nov-2020

على صندوق الاقتراع*إسماعيل الشريف

 الدستور

«الشيء المقرف في الديمقراطية أنك تضطر لسماع الأحمق»، ديكارت.
وأنا أعدو سريعًا نحو قدري، في لحظة ما توقفت لألتقط أنفاسي، نظرت للخلف، لا أعرف لماذا، لكنها كانت من اللحظات الفارقة في حياتي، فتحت عينيّ، راجعت موافقات ضمنية أبرمتها في فترات من حياتي، كانت على شكل عقود غير موقَّعة، أدت بي إلى كل هذا السُّعار.
بدأت بهذه الموافقات منذ نعومة أظفاري، فَرَضَتْها عليّ الظروف أو المجتمع أو كلاهما، في بداية الأمر كنت مجبرًا عليها لصغر سني، ولكنني استسغتها بعد حين، من ضمنها موافقتي على الحروب العبثية الشرهة باسم الأيدولوجيا، وعلى جشع التجار، وعلى موت الكثير ليحيا القليل، وأن الفقر أمر طبيعي، وأن الكذب مقبول طالما يحقق المصلحة.
وافقت أن لا أأمل بسلام إلا بعد الموت، وأن لا ضرورة لمنزل يأوي أولادي طالما لدي منزل تحت الإنشاء في الحياة الأخرى، وأن حقي لن أناله بحساب ولا مساءلة في هذه الحياة، فكل شيء مؤجل إلى الآخرة، وهنالك من سيُحاسبك نيابةً عني.
وافقت على أن وجبة دسمة أو وسيلة مواصلات كريمة أو هدية بسيطة لطفلتي أو بضعة دنانير أجدها في جيبي قبل نهاية الشهر، هي ترف لست بحاجة إليه.
ثم وافقت على أن كل شيء على ما يرام، ومن يرضَ يعِش، وأن سعادتك أهم من سعادتي، وأن أولادك أهم من أولادي، وأن ذكاءَك يفوق ذكائي، اخترتك لتقرر عني، ووافقت أن يشلّ ضميري عندما ترتكب جرائم باسمي، وأن ألتزم بقوانين فرضتها عليّ لمصلحة مجهولة، مهما كانت متجبرة.
وافقت على الشعور باليأس بدلًا من الغضب، خنعت لك وتظاهرت بأن فوزك هو فوزي، ثم تبين لي أن فوزك لك وحدك، التزمت الصمت حيال كل ما فعلته، ثم ندمت وكرهت نفسي وعقلي، وعاقبت نفسي كل لحظة وأنا أشاهدك غافيًا تحت القبة.
وافقت أن أجعل أحلامك على رأس أولوياتي، ووافقت على التنحي جانبًا لأترك لك الطريق، وضحكت على استهزائك بي وعدم ردك على اتصالاتي بعد أن نجّحتك، وعلى عبارة سكرتيرتك الجميلة النزقة: «البيك مش موجود»، وعلى إنجاب أطفال في زمن مر.
وافقت على نسج القصص لبطولاتك ولعبقريتك ولحِنكتك وكرمك، وأن أنظف وأتحمل أنا وأولادي الضرر الذي تسببتَ فيه، ووافقت على أن ما أفعله لا يساوي شيئًا، وأن إبداعاتي أيضًا لا تساوي شيئًا، وأن ما تفعله أنت كثير على هذا العالم.
وافقت على أن أُجلسك على كرسي، أن تتحدث باسمي، أن تضع الكلام في فمي.
ولكن منذ هذه اللحظة ألغيت جميع اتفاقياتي، سأذهب إلى الصندوق لأنتخب من هو جدير بصوتي.