الراي
بدأ الصراع في سوريا منذ زمن حافظ الأسد، الذي وصل إلى الحكم عام1971 نتيجة خلافات داخل قيادة حزب البعث العلماني الذي كان ولا يزال يحكم دمشق، ونتيجة الخلاف الذي أنتج رئاسة الأسد الأب فقد توالت الخلافات مع مرور السنين ما بين الأسد الرئيس وبقية وحوش الغابة في سوريا، حتى وصل الأمر إلى طرد أخيه رفعت عقب صراع الأشقاء وأبنائهم، وانتهاء ثورة حماة التي أخمدها النظام بالدبابات والطائرات والقذائف الحارقة وسرايا الدفاع، ومنذ ذلك الحين والخلافات هي الإستراتيجية التي يسير عليها النظام في سوريا، إرث يُمنع منافسته، وبقي الرهان على الخلافات بين المعسكرين الشرقي والغربي لبقاء الوضع الراهن في قصر الرئاسة..
لطالما كانت سوريا هي ملعب التصفيات الأولية للخلافات السياسية ما بين واشنطن وموسكو فمنذ نشوب الحروب العربية مع إسرائيل الحليف الأول للولايات المتحدة، كانت واشنطن تدعم بقوة التفوق الإسرائيلي وهو أحد أهم عوامل استعراض القوة أمام الاتحاد السوفييتي السابق زمن الحرب الباردة، إذ إن سوريا التي كانت مخزنا للأسلحة الروسية وكانت تعج بالجواسيس والخبراء العسكريين الروس الذين طالما عملوا لمصالح روسيا، فسوريا أعطتهم مساحة واسعة للعمل والمناورة في الملعب التاريخي للولايات المتحدة والحلف الغربي.
بينما كانت لبنان حارة من حارات دمشق وعملاء المخابرات الفرنسية يعشقون فنادق بيروت، وقوات المارينز الأمريكية والقوة الفرنسية تتمركزان في محيط مطار بيروت الدولي، والعملاء ينقلون تقاريرهم عن نشطات إيران وقوات الحرس الثوري إلى واشنطن وباريس، فيما حافظ الأسد يلعب على جميع الحبال باحترافية، وقواته تحتل جزءا كبيرا من شرق لبنان ومن بيروت أيضا، وقواده يسيطرون على القرار اللبناني، وعلى الخلافات بين الفرقاء اللبنانيين.
اليوم تدخل سوريا منعطفا جديدا لا يشبه البارحة، فالملعب والميدان والأرض المحروقة هي سوريا، ورغم أن الأب قد توفي، فقد أورث ابنه بشار إمبراطورية الخلافات رغم محاولاته الخروج بأقل الخسائر السياسية، حيث اضطر للخروج عسكريا من لبنان عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع دعم عميله في بيروت حسن نصر الله وإبقاء أصابعه تلعب هناك قبل أن تغتاله إسرائيل، ولكن النيران نشبت في أكثر المدن طمأنينة للقيادة الدمشقية،
و رغم أن الرؤساء والقادة العسكريين والأمنيين كانوا من الحوارنة، فلم يطل الأمر بالأسد وأخية ماهرحتى داوى جراحه بتصفية جميع القيادات العسكرية التي اختلفت معه في إستراتيجية القبضة النارية، ثم بعد الحريق الكبير من درعا حتى حلب، عاد الأسد الصغير للعب دور حافظ الكبير، فأخرج وصفة حافظ، وهي إطلاق شياطين التفرقة بين مكونات المجتمع، والاعتماد على روسيا وإيران، الحلفاء التاريخيين للنظام الأسدّي، وبناءً على الخلافات العالمية بنى بشار قاعدة البقاء في دمشق ينتظر النهاية التي قضت عليه.
سوريا كانت شركة مملوكة لآل الأسد وأنسابهم وأقربائهم وشركائهم وحلفائهم ويمنع التصرف بها، ورغم إنها بلاد التاريخ والشمس، فمنذ رحيل آخر وآلّ عثماني عنها حكمها ملك وخمسة وعشرون رئيسا حتى حافظ الأسد، ولم يعد خافيا أن قرار تنحي بشار عن الحكم لم يكن بيده، فالحل لم يكن في دمشق منذ وقت ليس بالقصير، بل الحل على طاولة بوتين وخامنئي، وها هو بوتين أعطى صفارة النهاية لبشار الأسد، وأسبغ عليه بجائزة نهاية الخدمة لإسرائيل ولروسيا، لتمنحه روسيا لجوء إنساني لا يستحقه، فقد شرد الأسد ملايين السوريين وذهبوا لاجئين في كل بقاع العالم، ولكن الله له بالمرصاد ليكون لاجئا في برد روسيا، وليبزغ شعاع في نهاية ذلك النفق المظلم الطويل.