عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jun-2025

ما الهدف الحقيقي من استهداف إسرائيل لإيران؟

 الغد-محمد الكيالي

 تتزايد التساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية حول الهدف الحقيقي للصراع المتصاعد بين إيران والاحتلال الصهيوني، وسط معلومات متضاربة وروايات متناقضة بشأن طبيعة الأهداف التي يسعى كل طرف إلى تحقيقها. 
 
 
فبينما يشير الخطاب العلني إلى مواجهة تدور حول البرنامج النووي الإيراني، تبرز مؤشرات قوية على أن الصراع يتجاوز هذا الإطار، ليطال مرتكزات النظام الإيراني نفسه، بما في ذلك قدراته الصاروخية وتماسكه الداخلي. 
 
وهذا التوسع في نطاق المواجهة، يعيد للأذهان أجواء ما قبل الغزو الأميركي للعراق، حين وُظّفت قضية أسلحة الدمار الشامل لتبرير تدخل عسكري واسع النطاق.
في هذا السياق، يرى محللون أن التصعيد الصهيوني لا يقتصر على وقف التخصيب النووي الإيراني، بل يهدف إلى إضعاف البنية العسكرية والسياسية للنظام في طهران، مستفيداً من "الفرصة الثانية" التي وفّرتها إيران بتجاهلها تسوية الملف النووي. 
وأكدوا في تصريحات لـ"الغد" أن مماطلة طهران فتحت المجال أمام قوى إقليمية ودولية لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك، بما يجعل من التصعيد الحالي جزءاً من إستراتيجية أوسع، لا مجرد ردّ فعل على تطورات آنية.
وأشاروا إلى أن إيران، وإن كانت تسعى إلى الحفاظ على معادلة الردع، تتجنب في الوقت ذاته الانزلاق إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة أو حلفائها. 
وشددوا على أن طهران تدير الصراع بأسلوب محسوب يحفظ لها القدرة على المناورة دون تفجير مواجهة مفتوحة، مستبعدين في الوقت ذاته أن تتجه إلى تسوية سياسية قبل استعادة موقع القوة. 
وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن الغموض المتعمد والتصريحات المتضاربة يخفيان صراعاً أكبر من مجرد نزاع حول تخصيب اليورانيوم، وربما يفتحان الباب أمام محاولات لاستنساخ سيناريوهات سابقة تحت غطاء "التهديد النووي".
فرصة إسرائيلية ثانية للتصعيد 
من هنا، يرى المحلل السياسي والباحث في الشأن الإيراني الدكتور عامر السبايلة أن جوهر التصعيد الحالي يتمحور حول البرنامج النووي الإيراني، مشيراً إلى أن فشل طهران في اقتناص فرصة التوصل إلى اتفاق نووي مثّل نقطة انطلاق جديدة للمواجهة.
وأوضح السبايلة أن إيران عبر تجاهلها المتعمّد لتسوية الملف النووي، منحت دولة الاحتلال ما وصفها بـ"فرصة ثانية" للولوج إلى المشهد الإيراني بشكل أوسع، ليس فقط عبر استهداف البرنامج النووي، بل بتوسيع نطاق الاستهداف ليشمل القدرات الباليستية للحرس الثوري ومحاولة زعزعة الداخل.
وأضاف إن هناك رغبة إسرائيلية واضحة منذ البداية في تجاوز ملف التخصيب إلى الملفات المرتبطة بالقدرات العسكرية والتكوين السياسي والأمني للنظام الإيراني، ما يشير إلى أن التصعيد الحالي ليس مجرد ردّ فعل، بل هو جزء من إستراتيجية أوسع لضرب بنية النظام الإيراني من الداخل.
وشدد السبايلة على أن مماطلة طهران في إنجاز اتفاق نووي فعّال، فتحت الباب أمام قوى إقليمية ودولية لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك معها، في ظل تحولات متسارعة قد تعيد رسم مشهد الصراع في المنطقة.
حذر إيراني
بدوره، أكد الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد أن إيران تتبع نهجا محسوبا للغاية في تعاملها مع التصعيد الإقليمي، مستبعدا بشكل قاطع أن تقدم طهران على استهداف مباشر لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. 
يعود ذلك، بحسب أبو زيد، إلى إدراك طهران التام لحساسية هذا الخيار، خصوصا في ظل المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تعد أي اعتداء على دولة عضو بمثابة هجوم يستدعي ردا جماعيا من الحلف.
وأشار إلى أن إيران تتجنب فتح جبهة صدام مباشر مع قوى إقليمية ودولية متعددة، وتسعى بدلا من ذلك إلى استخدام أدوات الضغط غير المباشر، مثل التهديد بإغلاق مضيق هرمز أو التلويح باستهداف مصالح أميركية، دون المضي قدما في تنفيذ هذه التهديدات بصورة عملية.
أما على الصعيد العسكري، فأكد أبو زيد أن الأولوية الإيرانية هي استعادة معادلة التوازن الإستراتيجي، ما يتيح لها مستقبلا الدخول في أي مسار تفاوضي من موقع قوة وليس من موقع الضعف أو الهزيمة. 
ولفت في هذا السياق إلى أن إيران قد تظهر بعض المرونة في إطار التنازلات، لكنها لن تقدم على خطوات يمكن قراءتها كإقرار بهزيمتها.
وفيما يتعلق بتركيز طهران على "الحفاظ على المخزون الصاروخي"، أكد أبو زيد أن هذا الأمر لا ينبغي فهمه بشكل حرفي، بل يمثل جزءا من إستراتيجية تهدف إلى إنهاك منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، التي تعاني أصلا من الاستنزاف ونقص الصواريخ الاعتراضية. 
وتابع: "بعد استنزاف قدرات الدفاع الجوي، يمكن لإيران أن تنفذ ضربات نوعية ضد أهداف ذات حساسية إستراتيجية، بما يؤكد استعادتها للتوازن الميداني".
أما على المستوى الدولي، فاستبعد أبو زيد أن "نشهد تحركات عسكرية مباشرة، لكنه لا يستبعد في الوقت ذاته تصاعد الجهود الدبلوماسية، خصوصا من جانب روسيا والصين، بهدف احتواء التصعيد". 
ويرى أن نطاق الرد الأميركي سيظل محدودا، ولن يدفع باتجاه تصعيد إضافي من قبل دولة الاحتلال.
مع ذلك، شكك أبو زيد في استعداد إيران للانخراط في أي تسوية سياسية قبل استعادة القدرة على الردع، مبينا أن طهران لن توقف عملياتها ضد دولة الاحتلال ما لم تحقق ضربات ضد أهداف ذات قيمة عالية، والتي قد لا تكون بالضرورة مفاعلات نووية، بل ربما مواقع رمزية أو ذات طابع حساس تعيد لها مكانة التوازن الإقليمي.
ورجّح مجددا أن إيران لا تسعى إلى توسيع دائرة الصراع، بل تعمل على الحفاظ على هامش عملياتي وسياسي يمكّنها من البقاء طرفا فاعلا وقويا في أي مفاوضات مقبلة.
تغيير شامل في بنية المنطقة
من جانبه، يرى رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، أن جوهر الصراع الدائر في المنطقة لا يقتصر على قضية أسلحة الدمار الشامل، بل يمتد إلى مشروع أوسع تسعى من خلاله دولة الاحتلال إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، بما يضمن تفوقها النوعي والأمني على المدى البعيد.
وأوضح شنيكات أن الحديث عن تجريد إيران من قدراتها النووية والبالستية لا يُفهم فقط في إطار منع انتشار الأسلحة، بل يتعداه ليُشكل في نظر الكيان الصهيوني، خطوة ضرورية لإلغاء أي توازن قوى يمكن أن يقف حجر عثرة أمام تنفيذ رؤيتها الإستراتيجية للشرق الأوسط. 
وبيّن أن مثل هذا التفوق من شأنه أن يفتح الباب أمام دولة الاحتلال لتغيير جذري في ملامح المنطقة، مستفيدة من تفوق عسكري غير قابل للمنافسة، وهو ما يتوافق مع الرؤية التي عبّر عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المدفوع بحكومة ذات توجهات يمينية متطرفة.
وتابع أن نجاح دولة الاحتلال في إضعاف إيران أو هزيمتها بشكل حاسم، من شأنه أن يخلق معادلة جديدة في الأراضي الفلسطينية وسورية ولبنان. 
وزاد: "في حال تحقق هذا السيناريو، فإن الضفة الغربية قد تُضم بشكل كامل لدولة الاحتلال، لا كمناطق تحت السيطرة، بل كجزء لا يتجزأ من الدولة العبرية، وليمتد النفوذ الإسرائيلي -وفق هذه الرؤية- حتى مشارف دمشق، حيث يمكن أن يصل الجيش الإسرائيلي إلى مسافة 20 كيلومتراً من العاصمة السورية".
كما لفت إلى أن الجنوب اللبناني سيكون جزءاً من هذا التغيير المرتقب، عبر فرض سيطرة إسرائيلية مباشرة على الأرض، وربما على القرار السياسي في بيروت، إضافة إلى سيناريوهات تتعلق بقطاع غزة تشمل التدمير الكامل وتهجير السكان، مستغلّة انشغال العالم المحتمل بأي تصعيد واسع مع إيران. 
وأشار إلى أن حجم المجازر اليومية التي تُرتكب في قطاع غزة، والتي تصل إلى مئات الشهداء أسبوعياً، يُظهر أن ما يجري ليس مجرد عمليات عسكرية بل يرقى إلى مشروع إبادة ممنهجة، قد تمتد لاحقاً إلى سكان الضفة الغربية. 
واعتبر أن هذه الجرائم ليست سوى جزء من مخطط إستراتيجي يرمي إلى فرض هيمنة إسرائيلية شاملة، لا تقتصر على التفوق العسكري بل تشمل السيطرة الاقتصادية والسياسية على دول المنطقة خصوصا الدول العربية، بما يُجبرها على الانصياع للإرادة الإسرائيلية.
وأكد شنيكات أن الهدف الأبعد للكيان الصهيوني يتمثل في تحييد إيران بالكامل، عبر إدخالها في دوامة من الفوضى أو حتى تقسيمها، مشدداً على أن مدى تحقق هذه الأهداف سيعتمد بشكل أساسي على مدى صمود طهران ومواصلتها للرفض والمقاومة "فإذا أبدت إيران مقاومة قوية، فقد تضطر إسرائيل إلى تقليص طموحاتها، وحصر أهدافها في منع التقدم النووي الإيراني، ومحاولة كبح سلوك طهران الإقليمي".
واعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يجسد مدرسة "الواقعية الهجومية"، التي ترى أن القوة وحدها هي الضامن لتحقيق المصالح. 
وقال: "السلام، من منظور نتنياهو، لا يعني التفاوض أو التفاهم بل هو مرادف للاستسلام الكامل لدولة الاحتلال وقيمها ومعاييرها، ليس من قبل إيران فحسب، بل من قبل مجمل دول الإقليم، وهو ما تسعى تل أبيب لفرضه من خلال هزيمة ساحقة لطهران تكون بمثابة نموذج يُحتذى في فرض الهيمنة".