عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Oct-2025

عامان من الإبادة الجماعية

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
فيجاي براشاد* - (معهد تريكونتننتال للبحوث الاجتماعية) 3/9/2025
أربعة أجيال من الفلسطينيين عاشت في مخيمات اللجوء بعيدًا عن ديارها منذ العام 1948، والتي ينظر أبناؤها جنوبًا ويتساءلون متى سيتمكنون من ممارسة حقهم في العودة إلى وطنهم؛ الحق الذي كفلته الأمم المتحدة في القرار 194 الذي صدر في كانون الأول (ديسمبر) 1948.
 
 
عامان مرّا الآن على بدء الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في قطاغ غزة الفلسطيني. وتُظهر صفحة البيانات الخاصة بـ"منظمة الصحة العالمية" حول الضحايا الفلسطينيين، والتي يتم تحديثها بانتظام باستخدام أرقام تصدر عن وزارة الصحة الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة، أن نحو 66 ألف فلسطيني قُتلوا في غزة خلال العامين الماضيين -أي 30 من كل ألف شخص كانوا يعيشون في القطاع.
(لكن هذه الأرقام قد تكون منخفضة جدًا قياسًا بالواقع، حيث أعلنت الوزارة مرارًا بأنها غير قادرة على مواكبة وتيرة الموت السريعة في القطاع، وأنها لا تعلم عدد الذين ما يزالون مدفونين تحت أطنان من الركام).
ومن جهتها، تقدّر "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (اليونيسف) أن 50 ألف طفل فلسطيني قُتلوا أو جُرحوا في هذه الحرب. وقال إدوار بيغبيدر، المدير الإقليمي لـ"اليونيسف" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي أمضى عشرين عامًا من العمل في المنظمة:
"لقد أصبح هؤلاء الأطفال -الذين لا ينبغي أن تُختزل حياتهم إلى مجرد أرقام- الآن جزءًا من قائمة طويلة ومروعة من الأهوال التي لا تُصدّق: الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال؛ الحصار ومنع وصول المساعدات؛ التجويع؛ النزوح القسري المتواصل؛ وتدمير المستشفيات وأنظمة المياه والمدارس والمنازل. إن هذه الأعمال هي، في جوهرها، تدمير للحياة نفسها في قطاع غزة".
واستند تصريح بيغبيدر إلى تقييم للوقائع خلال العامين الماضيين. وفي العام السابق، كان المفوض العام لـ"وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، فيليب لازاريني، قد صرح بأن عشرة أطفال يفقدون كل يوم ساقًا أو كلتا الساقين بسبب القصف الإسرائيل.
وبعد بضعة أشهر من ذلك، صرّحت ليزا داوتن، من "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، أمام "مجلس الأمن" بأن "غزة تضمّ أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث". لكن هذه القصص لم تحظَ إلا بالقليل من الاهتمام في وسائل الإعلام السائدة.
في 16 أيلول (سبتمبر)، نشرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة تقريرًا من اثنتين وسبعين صفحة، كان حافلًا بالحقائق. وخلص التقرير إلى وجود "أسس معقولة" للقول إن الحكومة الإسرائيلية ومسؤوليها الكبار وجيشها قد ارتكبوا، وما يزالون يرتكبون، أفعالًا جرمية ترقى إلى جريمة الإبادة الجماعية، مع توفر النية المؤكدة لارتكابها.
وهذا الحكم أوسع بكثير من قرار "محكمة العدل الدولية" الصادر في كانون الثاني (يناير) 2025، حين وجدت المحكمة "أدلة معقولة" على وقوع إبادة جماعية في قطاع غزة. وقد ترأست اللجنة نافي بيلاي، القاضية السابقة في المحكمة العليا بجنوب إفريقيا و"المحكمة الجنائية الدولية"، والتي شغلت منصب "المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان" بين العامين 2008 و2014. وكانت بيلاي واضحة وصريحة في بيانها الصحفي الذي أدلت به عقب صدور التقرير:
"تجد اللجنة أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة. ومن الواضح أن هناك نية لتدمير الفلسطينيين في غزة من خلال أفعال تستوفي المعايير المنصوص عليها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية".
لم تعد ثمة حاجة إلى مزيد من الجدل. هذه أقوى الكلمات الممكنة لوصف الموقف.
في منتصف أيلول (سبتمبر)، كنتُ قد زرتُ مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث يتأرجح المزاج العام بين اليأس والصمود. هناك، في ثلاثة من أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان -عين الحلوة (الذي أنشأته "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" في صيدا في العام 1948)؛ وشاتيلا (الذي أنشأته اللجنة نفسها في بيروت في العام 1949)؛ ومار إلياس (الذي أنشأته رهبانية مار الياس في العام 1952)- تعيش أربعة أجيال من الفلسطينيين على الأقل:
• جيل النكبة (1948): الذي يتكون من الفلسطينيين الذين جاؤوا أطفالًا أو شبابًا من مناطق شمال فلسطين المحتلة إلى لبنان.
• الجيل الثاني من اللاجئين: الذي يتكون من أولئك الذين وُلدوا في المخيمات، وشكّلوا نواة المقاومة المسلحة كفدائيين من خلال التحاقهم بالمنظمات الفلسطينية الجديدة في ذلك الوقت، مثل حركة "فتح" (التي تأسست في العام 1957)، و"جبهة التحرير الفلسطينية" (التي تأسست في العام 1964)، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" (التي تأسست في العام 1967) ومنظمات أخرى.
• الجيل الثالث: الذي يتكون من الفلسطينيين المولودين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والذي بلغ أبناؤه سنّ النضوج خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للبنان (1982-2000)، وتكوّن وعيه السياسي في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993) والثانية (2000-2005). وقد افترق العديد منهم عن منظمات الجيل السابق وانضموا إلى "حركة الجهاد الإسلامي" الفلسطينية (التي تأسست في العام 1981) وحركة "حماس" (التي تأسست في العام 1987).
• الجيل الرابع: المكون من المولودين في التسعينيات وما بعدها، الذين نشأوا في ظل تقلّص الفرص داخل المخيمات وتنامي الشعور بالغضب واللاجدوى.
أربعة أجيال من الفلسطينيين عاشت في هذه المخيمات بعيدًا عن ديارها منذ العام 1948، التي ينظر أبناؤها جنوبًا ويتساءلون متى سيتمكنون من ممارسة حقهم في العودة إلى وطنهم؛ الحق الذي كفلته الأمم المتحدة في القرار 194 الذي صدر في كانون الأول (ديسمبر) 1948.
سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو الأردن أو لبنان، ثمة شعور طاغٍ بالغضب واليأس يسود داخل المخيمات. هناك، يشاهد الفلسطينيون صور الدمار الهائل والإبادة المتواصلة في غزة، وتتملكهم مشاعر العجز، وتشتعل فيهم الرغبة في حمل السلاح والدفاع عن مواطنيهم في غزة. لكنها تبقى رغبة مستحيلة التحقيق.
يشعر الفلسطينيون في المخيمات بأن الإسرائيليين يستفزونهم، ويدفعون -بقتلهم الأطفال الفلسطينيين بدم بارد- حدود الغضب إلى أقصاها. وقد أخذني أحد الشباب في مخيم شاتيلا جانبًا ليريَني مقطعًا مصورًا انتشر على نطاق واسع، يظهر فيه الأستاذ الصيني الدكتور يان شُويتونغ من جامعة تسينغهوا وهو يجادل ممثلًا عن الجيش الإسرائيلي، العقيد إلعاد شوشان، في منتدى شيانغشان في بكين في أيلول (سبتمبر) 2025.
حين حاول العقيد شوشان تبرير الإبادة، قاطعه الدكتور يان قائلًا: "إن حكومتك لا تملك أي شرعية ولا تملك الحق في أن تقرر أو تحدد ما هي الحقيقة". ثم قاطع حديث شوشان المشوش عن "الإرهاب"، وقال له مباشرة: "هناك الكثير من الدعاية، ولا أحد يصدقها سوى قلة من الإسرائيليين".
أثار غضب الدكتور يان إعجاب الشباب الفلسطينيين الذين رأوا في كلماته وغضبه انعكاسًا لمشاعرهم نفسها. إنهم لا يمتلكون ترف الاستماع إلى التلاعب بالألفاظ، ويريدون أن تتوقف المجازر وأن تتحرر فلسطين.
في الوقت نفسه، في ميدان "الجندي المجهول" في مدينة غزة، تنسل أنغام الموسيقا لتحلق في الأجواء السديمية. ثمة أحمد أبو عمشة، أستاذ الموسيقا في "معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقا"، الذي نزح ما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة خلال الإبادة، يجمع مجموعة من الأطفال تحت اسم "طيور غزة تغني".
ووسط أصوات الطائرات المسيّرة، استلهموا أزيزها المتواصل ليحولوه إلى نوتة موسيقية يقيمون حولها تآلفاتهم الموسيقية -في لوحة صوتية من الغيتار والغناء تنسج نفسها على خلفية أزيز الطائرات.
في آب (أغسطس) 2025، أدت فرقة "طيور غزة تغني" الترويدة الفلسطينية الشهيرة "شيل شيل يا جمّالي" وسط الدمار وعلى وقع أزيز الطائرات، في مقطع فيديو منتشر. وتقول الترويدة:
"شيل شيل يا جمّالي،
شيل حوطتك بالله،
دم الشهيد معطر بالهيل
ليل ليل يا ليلو
ويل ويل عالظالمِ
ويلو ويلو من الله.
لَسهرْ على نجوم الليل
أنا اناديلُه".
ونحن؟ يجب علينا أن نسقط الطاغية.
 
*فيجاي براشاد Vijay Prashad: مؤرخ وصحفي ومحرر هندي. يشغل منصب زميل وكبير المراسلين في شبكة غلوبتروتر، وهو محرر في دار ليفت وورد للنشر ومدير معهد تريكونتننتال للبحوث الاجتماعية. كما أنه زميل أول غير مقيم في معهد تشونغيانغ للدراسات المالية بجامعة رينمين في الصين. ألّف أكثر من عشرين كتابًا، من بينها "الأمم الأشدّ ظلمة والأمم الأشدّ فقرًا". أما أحدث مؤلفاته فهي "النضال يجعلنا بشراً: دروس من الحركات الاشتراكية"، وكتاب "الانسحاب: العراق، ليبيا، أفغانستان وهشاشة القوة الأميركية" الذي شارك في تأليفه مع نعوم تشومسكي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Genocide Marks Two Years