عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Feb-2021

رحيل الشاعر المصري فتحي عبد الله: صوت ضد كهنة الثقافة وأمواتها الأحياء

 القدس العربي- محمد عبدالرحيم

“إن ازدهار نموذج قصيدة النثر يعكس قلقاً عاماً في ثقافتنا وإبداعنا العربي، ويضع تجارب الشعراء السابقين، أو الذين يُسموّن كباراً للقراءة والاختبار مرة أخرى، بعد أن تخلص النص من أوهام صاحبه، أو تخلص القارئ من هيمنة وسل\طة النموذج المفروض من قِبل المؤسسات الثقافية”.
 
(فتحي عبد الله من مقال بعنوان.. قصيدة النثر والخطاب السلطوي)
 
رحل أمس الخميس الشاعر المصري فتحي عبد الله (1957 ــ 2021)، الذي رغم إصداراته الشعرية القليلة، إلا أنه كان وجهاً حاضراً ومؤثراً في المشهد الثقافي المصري، وهو ما يتضح من الآراء الحادة والمواجهات الدائمة مع أي شكل من أشكال السلطة، بداية من السلطة الرسمية والمؤسسة التي تمثلها ــ وزارة الثقافة ــ وحتى سلطة النقد والنقاد أو أصحاب الآراء، الذين يريدون تصنيف الرجل في خانة، لم يرتضِها، بل وسخر منها أشد السخرية.
 
والرجل هو أحد أصوات قصيدة النثر المصرية، وحسب التصنيف الاعتباطي فهو ينتمي إلى جيل الثمانينيات. تخرج عبد الله في كلية دار العلوم عام 1984، وعمل في العراق لمدة عامين، ثم عاد إلى القاهرة موظفاً في الهيئة المصرية العامة للكتاب، ثم مديراً لتحرير سلسلة (كتابات جديدة). له العديد من الكتابات النقدية بعدة صحف ودوريات مصرية وعربية. من دواوينه.. “راعي المياه” 1993، “سعادة متأخرة” 1998، “موسيقيون لأدوار صغيرة” 2002، “أثر البكاء” 2004، و”الرسائل عادة لا تذكر الموتي” 2008.
 
الشفاهية والحكي العربي
 
بداية حاول أكثر من شاعر وناقد ـ أو هكذا يسمون أنفسهم ـ أن يقولب تجربة الشاعر الراحل تحت مسميات جوفاء، من دادائية وسيريالية، واعتماده الكتابة الآلية وما شابه، طالما كانت الحالة الشعرية غير مُمَهَدة لعقولهم أو وعيهم. ولا نجد رداً إلا من الشاعر نفسه في أحد حواراته الصحافية، فيقول.. “الكتابة الآلية ظهرت في ظروف تاريخية لا علاقة لي بها، ولا تتقاطع روحياً معي وأنا لست في حاجة لها، فأنا ابن الأداءات الشفاهية المليئة بالتورية، والكتابة التي تقوم على الاستدراك والجمع بين المتناقضات، فهل هذه سيريالية؟ وإن كانت كذلك فأنا سيريالي بدرجة ما، ولا يجمعني بالسيريالية العالمية أي جامع، ولا يربطني بها إلا الدوافع الإنسانية الواحدة التي لا تعرف التمايزات الحضارية. أما طريقة أدائي الشعري فإنها تنتمي بالدرجة الأولى أياً كان شكلها إلى المشافهة المصرية الإسلامية الخالصة، التي تقوم على القطع والوصل بدون الإشارة، اعتماداً على يقظة المستمع”.
 
القطع والوصل
 
أما في ما يخص (التراث)، وهو مسألة لم تزل راهنة، ومثار الكثير من الآراء المتناقضة، فالرجل كان حاسماً ودقيقاً في هذه القضية.. “أنا مع فكرة القطيعة مع التراث القريب، الستينيات والسبعينيات بما يحمله من دلالات أيديولوجية مباشرة، بدون عناية بفكرة الكتابة وحدها، وعلى أنهم قطعان لتبرير أو رفض مشروع الدولة، وهذا الحس الجماعي ضد طبيعة الإبداع‏، باعتباره عملاً فردياً بامتياز خاصة الشعر ـ السرد. والقطيعة هنا ليست جيلية أو سياسية وإنما إبداعية جمالية،‏ تعيد للكتابة مركزيتها في السلوك الإنساني‏.‏ أما التراث القديم‏، فهو أسطورتنا الجديدة‏، وطفولتنا الروحية والعقلية‏، ووجودنا الأول بكل ما به من اختلافات وتناقضات”. (راجع “الأهرام العربي” 2004).
 
فساد المؤسسة الثقافية
 
ويرى فتحي عبد الله أن المؤسسة الثقافية في مصر لعبت دوراً كبيراً في تهميش الشعر ونفيه بشكل عام وإن احتفظت ببعض الرموز لأداء بعض الأدوار السياسية في الداخل والخارج وهم الأبنودي، حجازي، مطر، أبو سنة ــ رحم الله مَن مات ـ فهم يلعبون أحيانا دور النديم أو المضحك أو الأراجوز، الذي يجمع الناس لاحتفال ما وأحيانا أخرى يتماهون مع السلطة بما لهم من رأسمال رمزي، فيقررون ما تريد من حذف وتهميش، أو خلق أبطال وهميين يتناسبون مع هذه المرحلة وهؤلاء جميعاً يرفضون النص الجديد باعتباره نصاً يهدد سلطتهم ونصوصهم غير الفاعلة، التي أصبحت في ذمة التاريخ. أما نقاد المؤسسة فإنهم ينظّرون لسردية مصر ومركزيتها في القص والرواية، وعلى رأسهم جابر عصفور الذي يرى أن شعرية مصر قد توقفت عند الشاعر أمل دنقل، وفي ظني أنه لا يستطيع قراءة النصوص الجديدة فهي ضد ذائقته وأيديولوجيته، أو دوره الأيديولوجي في المؤسسة. (راجع “القدس العربي” عدد 6 أغسطس/آب 2004).
 
قصيدة النثر
 
يرى عبد الله أن “قصيدة النثر شكل شعري ككل الأشكال لا أهمية له إلا في سياق حضاري يبرر وجوده، وهي ليست اكتشافاً جديداً وفيها الكثير من التنوعات بعدد الشعراء الموهوبين في الثقافة العربية… التطور الطبيعي جاء من الماغوط الذي تم استنساخه في دمشق والشام بطريقة عجيبة ولم تتطور التجربة إلا على يد صلاح فائق وسركون بولص، الأول لسيرياليته العربية والثاني بالعوالم الجديدة والأداء النثري المحض، ثم وديع سعادة وعباس بيضون، ثم الحلقة الأخيرة ومن أبرزها سيف الرحبي وأمجد ناصر.
 
معارك قصيدة النثر
 
خاض الرجل حروباً عدة مع اسماء ومؤسسات ترعاها الدولة، سواء وزارة الثقافة أو اتحاد الكُتاب، وعن الأخير يذكر من خلال صفحته على الفيسبوك قائلاً.. “ماذا يعني اتحاد كُتاب مصر؟ يعني أنه نقابة لكل الذين يمارسون الكتابة الإبداعية فقط، ومنذ إنشائه وهو مؤسسة تابعة للدولة وتحت وصايتها، ولا أهمية له في الدفاع عن الثقافة المصرية ولا المثقفين”.
 
أما قصيدة النثر، الذي يعد أحد أصواتها، والمتحدث الرسمي باسم (الملتقى الثاني لقصيدة النثر)، فقد وجه بياناً في وجه ملتقى قصيدة النثر الذي نظمه اتحاد كُتاب مصر في الوقت نفسه، موضحاً أن.. هذا التجمع ليس أكثر من كيان ملتبس لم يعلن عن أي دوافع موضوعية لملتقاه، ومن ثم فهو ليس أكثر من كيان حكومي مدعوم من وزارة الثقافة، ويبدو دعمه من اتحاد الكتاب ككيان شديدة المحافظة والرجعية موضعاً لمزيد من التساؤلات…  هذا الكيان لم يكن ليلتئم إلا بغرض تحقيق هدفين رئيسيين أولهما فرض شروط المؤسسة الرسمية على الملتقى الشرعي الذي يناضل من أجل الاستقلال، أو تدمير الكيان جملة”.
 
أما عن تيارات قصيدة النثر المصرية، فيذكر.. “إن حلقات قصيدة النثر كانت محصورة في ثلاثة تجمعات أو تيارات كتابية، ليس بينها اختلاف كبير من حيث الرؤية والأداء وهي تجمع (الجراد) وتجمع (الكتابة الأخرى) ــ ينتمي فتحي عبد الله إلى الكتابة الأخرى ــ وتجمع آخر يمثله الخارجون على التجمعين، من أهمهم عماد أبو صالح وعلي منصور وآخرون… والسلطة الثقافية في مصر لم تراهن على أحد هذه التجمعات وإنما دفعت بالجميع إلى المحرقة وكان صراعاً عنيفاً قائماً على النفي والتهميش، وزاد من حدته تدخل الحلقات السابقة في الصراع، خاصة السبعينيين الذين حاولوا السيطرة على تجمع الجراد ونجحوا في ذلك وقدموا اعتماداتهم إلى المؤسسة فكان اختيار فاطمة قنديل وإيمان مرسال لتمثيل الدولة في المنتديات الأوروبية، وتحول جزء آخر ليلعب دور الوسيط بين الثقافات، أما الذين اكتفوا بالشعر مثلي فلم يصلحوا لشيء من هذه الأدوار”.
 
 
فأنا درويش
 
لا شجر لي
 
ولا حقائب
 
وطعامي من هواء الناس
 
ولأخرج في الصباح بدون إنذارت
 
أو إشارات واضحة.