عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Dec-2024

سوريا. . لتكن عودة ميمونة*أسعد العزام

 الدستور

بعد نجاح ثورة الشعب السوري بإسقاط نظام الأسد الدموي الذي مارس فنونه بالقمع والاضطهاد والقتل والتشريد والتعذيب وحبس الحريات. فإن الشعب السوري أمام اختبار حقيقي يتمثل في الحفاظ على هذا الإنجاز العظيم الذي كان يُمثل حلماً وأمنية صعبة المنال لكل أبناء الشعب السوري، إن لم يكن هذا حلماً وأمنية أيضاً لبعض الشعوب العربية.
الشعب السوري الآن في موقف حرج للغاية ويقف على مفترق طرق بين الفرح بسقوط نظام الطاغية وبين المحافظة على هذا الإنجاز العظيم وإستثماره إيجابياً، ولعل الفيصل بين هذا وذاك هو حُسن إختيار الحاكم الجديد لسوريا المحررة.
لقد أسقط الشعب السوري بإرادته وعزيمته كلمة المستحيل من قاموسه وكَسَر حاجز الخوف والرعب والرهبة بإسقاط نظام الطواغيت الذين جثموا على صدورهم لأكثر من خمسة عقود عانى خلالها الشعب السوري من ظلم وقهر وجور نظام كان من المفترض أن يكون منهم ولهم وليس عليهم بكل وحشيته وبطشه وجبروته.
حقيقة أن ما تكشف لغاية الآن بالكاد يمثل نصف حقيقة ذلك النظام الديكتاتوري المستبد الذي إستعبد الشعب السوري لأكثر من خمسين عاماً. فإذا كان هذا النظام يتعامل مع أبناء شعبه بكل هذا الإجرام الذي لم تشهد الإنسانية مثيلاً له، فكيف كانت علاقته مع قادة وشعوب الدول العربية؟ هذه الحقيقة ستكون صادمة عندما تتكشف مواقف هذا النظام من الدول العربية وقضاياها وشعوبها، وعندما تنفضح مؤامراته ودسائسه ضد الأمة العربية من أجل مصلحة نظامه فقط دون وجود أي إعتبار لشعار بعثه الزائل (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).
إلى ذلك الحين لن يطول إنتظارنا سنكتشف أن الحقيقة مغايرة تماماً للواقع والوهم الذي كنا نعيش فيه. وأن تلك الشعارات التي إعتاد أركان البعث على إطلاقها والتغني بها ما هي إلا عبارة عن قناع زائف لتجميل الوجه القبيح لنظام سفاح.
وعليه فإن الشعب السوري يقبع بحكم الأحداث الداخلية والمحيطة، والإنتصار الذي تحقق على يد قادة الثورة أمام خيارات من الممكن أن تكون محددة، وعليهم إختيار الأقل سوءً منها. بينما بإمكانهم اليوم وقبل الغد أن يختاروا أفضل الخيارات التي يضعونها بأنفسهم. لذلك فإن القلق والتخوف كبيراً جداً من عودة محتملة لسياسة النظام البائد ولكن بوجوه جديدة.
القرار الآن بيد الشعب السوري للموافقة أو للتوافق على حاكمهم المستقبلي قبل أن يتمكن من هو قادم لحكم سوريا -إن تعارضت سياسته مع طموحات وتطلعات وأماني الشعب السوري-من ترسيخ حكمه وإحكام قبضته على سوريا أرضاً وشعباً.
إن الخطاب السياسي والرسائل المطمئنة التي بعث بها قادة الثورة تهدف لبث الإطمئنان وتهدئة النفوس محلياً وإقليمياً ودولياً. ومن المؤكد أنه لم يكن هناك أمام قادة الثورة من خيار آخر لتضمين هذه الرسائل ما يحتاجه الشعب السوري الآن من الرحمة، الحرية، العدالة، المساواة، وحفظ حقوق الجميع على إختلاف معتقداتهم ومشاربهم، لتلقى الرضا والقبول على أمل أن تُسهم بتغيير تاريخ وماضي تلك التنظيمات التي كانت ناشطة عسكرياً على أرض سوريا وقادت الثورة وحققت هذا الإنتصار التاريخي، وعسى أن تزيل تلك الصورة التي ترسخت في الأذهان عن بعض قادتها. ولاحقاً لينال أؤلئك القادة الشرعية بدعم وتأييد من الشعب السوري -صاحب الحق-، كمنطلق لإعتراف العالم بهم عند تنصيبهم حكاماً على سوريا.
وبما أن الشعب السوري لا زال يمتلك ولو لوقت قصير حق إختيار الحاكم الجديد المقترح لحكمهم وحكم سوريا، فعلى قادة الفكر في سوريا أن لا يُغمضوا عيونهم عن حقيقة تلك التنظيمات وأن لا يَغفلوا عن تاريخ بعض قادتها من المرشحين لتسلم قيادة سوريا. فمن شاب على شيء شاب عليه. وهنا أوجه رسالة للشعب السوري الذي يتوجب عليه أن يفكر جلياً وعميقاً بمستقبل سوريا وشعبها قبل التسليم والإستسلام للواقع الذي سيَفرض عليهم العودة للمعارضة والمعاناة والمقاومة من جديد في حال أنهم أخطأوا بإختيار حاكمهم الجديد. وهذا ما لا نتمناه لأي من شعوبنا العربية التي تمتلك هذا الحق.
وأخيراً أود التنويه إلى أن إسقاط النظام الجائر في سوريا يُعتبر خطوة أولى مهمة نحو مستقبل واعد تمهد لبدء مرحلة إعادة بناء سوريا الحديثة على الحرية والعدالة والمساواة. وهذا لن يتوفر لأي شعب إن لم يكن قائده بطعبه ومعتقداته بمثابة الأب الحاني لجميع أبناء شعبه دون إستثناء.
ولكي يُساعد الشعب السوري نفسه على حُسن الإختيار عليهم أولاً النظر لمحيطهم وعمقهم العربي، ومن ثم للوضع الإقليمي والدولي، إنطلاقاً من الداخل السوري الذي تتعالى فيه الآن نشوة النصر، وما ينتظرها من مستقبل مجهول يكتنفه الغموض، ولا يمكنهم بأي حال من الأحوال المجازفة أو المخاطرة بهذا الإنجاز في ظل ما لجيرانها من غير العرب غرباً وشمالاً من أطماع واضحة في سوريا، وبين ما تعانيه جاراتيها العربيتين غرباً وشرقاً من إضطرابات سياسية وأوضاع أمنية غير مستقرة.
وهنا بداية يتوجب على قادة الرأي وليس الحكم في سوريا أن يُنبهوا الشعب السوري لما يحيط بهم من مخاطر جمة، لكي يُحسنوا إختيارهم، وأن يوجهوا أنظارهم وبوصلتهم إلى جارهم الجنوبي وأن يحرصوا على إقامة علاقات أخوية طيبة معه، وأن يحافظوا على حق الجيرة، وأن لا يكونوا ذلك الجار الذي لا نأمن بوائقه.
إن المملكة الأردنية الهاشمية بفضلٍ ومِنَة من الله تعالى هي جارة سوريا الوحيدة التي تنعم بالأمن إلى جانب إستقرار نظامها السياسي وتمتع قيادتنا الهاشمية بالشرعيتين الدينية والتاريخية، وبذلك تكون الأردن القادرة فقط على مساعدتهم ودعمهم، وهي وملاذهم الوحيد عند كل كرب، دون وجود أي أطماع مقابل ذلك أو بهدف تحقيق أي مكاسب على حسابهم. ولا أدل على هذه المواقف المشرفة للأردن قيادىةً وشعباً من تجربة الشعب السوري الواقعية والحقيقية الذين تم إستضافتهم في الأردن منذ ما يزيد على 13 عاماً كإخوان وليس كلاجئين.
اليوم الخيار بيدكم وغداً سيكون لكم أو عليكم. . . خيراً كان أم شراً.
*رئيس هيئة إدارة جمعية عَون الثقافية الوطنية