عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Aug-2020

خبراء في مجالات الثقافة يستشرفون عالم الجائحة القطاع الأكثر تضررا عالميا..

 

ربما لم تتضرر أي قطاعات أخرى بشدة من جائحة فيروس كورونا مثل المرتبطة بالثقافة والفنون؛ إذ أغلقت قاعات الحفلات الموسيقية وتراكم الغبار على معروضات المتاحف حول العالم، ووجد مئات الآلاف من العاملين في هذه المجالات أنفسهم إما عاطلون عن العمل أو يترقبون مستقبلهم بقلق.
 
وإضافة لذلك هناك الآثار المضاعفة وغير المباشرة؛ إذ لم يعد الأطفال يتلقون دروساً عن الثقافة والتاريخ في الأماكن العامة، ويغيب المناخ الذي يهيئ الإبداع والتثاقف.
 
وببطء، يعاد فتح القاعات مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي، وتلجأ كثير من المؤسسات الثقافية للبدائل الإلكترونية لممارسة نشاطها افتراضيا.
 
ومع غياب أفق للحل يبدو أن جوانب الثقافة المختلفة لن تكون كما كانت في الفترة المقبلة، وهذا ما يخلص إليه أيضاً تقرير مجلة فورين بوليسي الأميركية التي تحدثت لبعض خبراء الثقافة حول توقعاتهم.
 
اليوم الذي ماتت فيه الموسيقى
قال مارك سي هانسون، الرئيس التنفيذي لشركة سان فرانسيسكو سيمفوني للمجلة الأميركية إنه في مساء يوم 6 مارس/آذار الماضي كان يحضر أمسية السيمفونية السادسة للمؤلف الموسيقي النمساوي غوستاف ماهلر، باعتبارها الأداء الأخير على المسرح لفترة طويلة قبل الإغلاق الكبير بسبب جائحة كورونا.
 
وفي اليوم التالي، أصبحت سان فرانسيسكو أول أوركسترا في الولايات المتحدة تعلن إلغاء الحفلات الموسيقية الحية نتيجة لوائح الصحة المحلية، ولا يوجد حتى الآن عودة للعروض الحية بالقاعات في الأفق.
 
ويضيف هانسون أنه دون مبالغة، كان تأثير الجائحة على فنون الأداء مدمرًا. فالأوركسترا المصممة لجمع الناس معا وبناء المجتمع من خلال قوة وعاطفة الموسيقى الحية ستبدو خسارتها وكأنها مأساة تجربة وجودية.
 
ويؤكد هانسون أن الفنون ستكون مختلفة في المستقبل كما ستكون المقاعد متباعدة في القاعات وستكون هناك قواعد للحفاظ على السلامة للجمهور والعازفين وسيؤثر ذلك على الفنون ذاتها، ومع ذلك لن تحل الأشكال الجديدة من التجارب الرقمية محل الحفلة الموسيقية الحية، بقوتها العاطفية العميقة.
 
ويقول هانسون "أظن أنني لست وحدي الذي أتوق إلى اليوم الذي يمكنني فيه الجلوس مرة أخرى في قاعة الحفلات الموسيقية، محاطا بآخرين يشاركونني حب الموسيقى".
 
هوليود على جهاز التنفس الصناعي
يقول جوناثان كونتز، مؤرخ أفلام في مدرسة المسرح والسينما والتلفزيون بجامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس، إن الفيروس قد قتل كل فرع من فروع نموذج أعمال هوليود، ولن ينعشه أي جهاز تنفس، وكان هذا النموذج تحت الحصار بالفعل قبل كارثة عام 2020، الأمر الذي أدى فقط إلى تسريع التغييرات التي أطلقتها خدمات البث منذ أكثر من عقد.
 
ويتابع كومنتز قائلاً إن أكثر ضحايا الفيروس وضوحا هي دور السينما التي دمرت بشكل لا رجعة فيه. وهي مصممة لتقريب الناس من أجل تجربة جماعية، وإذا كان لها أي مستقبل على الإطلاق، فسيكون بمثابة تجربة أعيد تصميمها لتشبه المنتزه الترفيهي ويتمتع الناس بها بأسعار مرتفعة مرة واحدة في السنة، وقد سرع الفيروس من هذا التحول بينما أدى تدفق الأفلام في المنزل إلى إزاحة المسارح لعقد من الزمان، وكان هذا التغيير قادمًا، سواء جاء الفيروس أم لا، بحسب مؤرخ الأفلام الأميركي.
 
قوة التكنولوجيا في التواصل
تقول أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو، إن الوباء كان مدمرًا للثقافة والفنون. في الغالبية العظمى من دول العالم أغلقت المؤسسات الثقافية كليًا أو جزئيًا، ولا يزال العديد منها مغلقًا حتى يومنا هذا، وقد لا يفتح بعضها أبوابها مرة أخرى.
 
القضية الأكثر إلحاحًا هي أن عددًا لا يحصى من الفنانين في جميع أنحاء العالم تُركوا دون أي دخل. حرم ملايين الأشخاص من عائدات السياحة التي تعتمد بشكل كبير على الأماكن والمنتجات الثقافية. لقد كشفت الأزمة عن مدى ضعف وهشاشة نظمنا البيئية الثقافية، بحسب مديرة اليونسكو.
 
وتتابع "يجب أن يتحد العالم لحماية تراثنا الثقافي؛ لكن الأزمة أظهرت لنا أيضًا مدى أهمية الثقافة في حياتنا وهوياتنا. تساعد الثقافة على ترسيخنا في الحاضر وتسمح لنا بتخيل المستقبل. وأظهرت الأزمة أيضًا الفرص المذهلة التي توفرها التقنيات الرقمية لربط الثقافة بالجماهير في جميع أنحاء العالم، والتي ستستمر بلا شك كاتجاه رئيسي في المضي قدمًا".
 
في السنوات القادمة سيكون من الضروري دعم إحياء الثقافة ودعم المشاركين في تطويرها، وأطلقت اليونسكو حركة "صمود الفن" (ResiliArt) "فنانون وإبداع يتجاوزون الأزمة" في أكثر من 60 دولة، بحسب مديرة المؤسسة الأممية.
 
وتسلط حركة "صمود الفن" الضوء على الوضع الحالي للصناعات الإبداعية في خضمّ الأزمة، من خلال إجراء نقاش حصري عالمي مع المهنيين الرئيسيين العاملين في هذا القطاع، كما تقوم الحركة بالاستماع إلى خبرات الفنانين وآرائهم في تجربتهم مع الصمود، وذلك بالنسبة إلى الفنانين المعروفين أصلاً أو المستجدين، على شبكات التواصل الاجتماعي. ومن شأن ذلك أن ينشر الوعي بالتأثير البالغ لجائحة كورونا في قطاع الثقافة، وأن يسعى إلى دعم الفنانين في أثناء الأزمة وبعد انتهائها، وفق موقع اليونسكو.
 
صناعة السينما ستتحول إلى البلدان التي تتغلب على الوباء
يقول بالتاسار كورماكور، مخرج ومنتج أفلام آيسلندي، إنه عندما ضرب الوباء آيسلندا، كان يخرج عملاً لنتفلكس (Netflix). وبعد أسبوعين من الإغلاق استطاع إقناعهم بالسماح له بالبدء من جديد بنظام قواعد الأمان الخاص بفريقه، ومع ذلك أصيب اثنان من العاملين بمرض كورونا لكن دون تفشي واسع في فريق العمل كله.
 
ويتابع المخرج الآيسلندي "هناك الكثير من العمل الآن لدرجة أن مشكلتنا ليست الفيروس؛ إننا لا نستطيع العثور على الأشخاص الذين نحتاجهم".
 
في مكان آخر، تعرضت الصناعة للدمار التام. جرى إغلاق كل شيء، من الإنتاج إلى دور السينما. ولهذا فإن مناقشة كيف سيغير الوباء الصناعة في المستقبل يعتمد كثيرًا على البلد.
 
وستنمو صناعة السينما في آيسلندا بسبب أن الحالات قليلة العدد، بحسب المخرج الذي يؤكد أن "هناك الكثير من العمل في الأفلام الآن لدرجة أن مشكلتنا ليست الفيروس، بل إننا لا نستطيع العثور على الأشخاص الذين نحتاجهم".
 
ويختم بالتاسار كورماكور بالقول "بلا شك، ستكون آيسلندا رابحة، إلى جانب عدد قليل من البلدان الأخرى مثل ألمانيا التي تعاملت مع الوباء بيد ثابتة، بقيادة العلم، وركزت على التحمل الطويل الأمد، ودون ذعر، بينما الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع الأمر لا تزال فوضوية، وسيكون من الأصعب بكثير أن تبدأ صناعة السينما هناك مرة أخرى".
 
قطاعات الثقافة
خيم الصمت والهدوء على القطاع الثقافي وأنشطته الأشهر القليلة الماضية، تأثراً بقرارات الإغلاق وتدابير الصحة والوقاية التي اتخذتها السلطات الحكومية في أغلب دول العالم، تجنباً لتفشي أكثر فداحة لجائحة فيروس كورونا. وواجهت المكتبات أوضاعاً مختلفة تراوحت بين الإغلاق الكامل والجزئي.
 
ورغم أن معهد خدمات المتاحف والمكتبات الأميركي اعتبر أن خطر انتقال فيروس كورونا عبر ورق الكتب منخفض نسبياً استناداً لأبحاث نشرت في مجلات طبية، لاحظ "الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات" أن بعض المكتبات فرضت فترة انتظار قبل التعامل مع الكتب المرتجعة والمعارة.
 
وبعد إلغاء وتأجيل العديد من المهرجانات الأدبية ومعارض الكتب، تضررت صناعة النشر والطباعة، في حين تكيف العديد من بائعي الكتب عبر الاستفادة من خدمات الشحن والنقل بدلاً من البيع المباشر في متاجر الكتب والمعارض.
 
وبعد إغلاق المتاحف في معظم بلدان العالم، تحولت كثير من خدماتها إلى العالم الافتراضي لاجتذاب زوار إلكترونيين، وبعد تخفيف إجراءات الحظر مؤخراً بدأت بعض المتاحف فتح أبوابها وسط تدابير صحية، مثل المعرض الوطني للفنون في الولايات المتحدة الذي فرض على زواره ارتداء الكمامات.
 
ولأنه لا يعرف على وجه التحديد متى يتوقع أن تعود الحياة لطبيعتها لينتعش قطاع الثقافة عالميا من جديد، يتشبث العديد من العاملين في المجال الثقافي بأمل تطوير لقاح لفيروس كورونا، كما يعولون على خطط الدعم والتحفيز والإنعاش الحكومي من جهة، والتبرعات والمنح الخاصة من جهة أخرى لمواجهة تداعيات أزمة جعلت القطاع برمته مغلقاً حتى إشعار آخر.
 
المصدر : الجزيرة + فورين بوليسي