عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Apr-2019

الساكت: الأوراق النقاشية سلسلة طروحات ملكية تشكل طموح الأردن في التقدم

 

عمان - الدستور - في الورقة النقاشية السادسة، تحدث الملك عبدالله الثاني حول الدولة المبتغاة، التي يكون عنوانها سيادة القانون والمواطنة، الدولة التي يفرض بها القانون وتطبق بها العدالة على جميع الأردنيين، دون تمييز، أو تفضيل.. هذه الدولة كيف يمكن لها أن تكون في المستقبل، كيف يمكن أن نعزز مبدأ سيادة القانون بالتوازي مع مبدأ تعظيم إنفاذ القضاء وعدالة القضاء على جميع المواطنين سواسية دون تمييز أو تفضيل.
كيف تقيّم النخب الأردنية هذا المفهوم الذي قارن به جلالة الملك بين سيادة دولة القانون والتي هي عنوان أو الشكل الجوهري لمفهوم الدولة المدنية، في مقابل من يقولون إن الدولة المدنية هي اقتراب من العلمانية، فإن الملك يقول إن الدولة المدنية هي اقتراب من القانون والعدالة والمساواة والفرص الحقيقية الممنوحة للأردنيين دون أن يكون هناك واحد أفضل من الآخر، هذا الحديث سيكون عنوان نقاشنا وحوارنا مع ضيفنا العين ووزير الداخلية الأسبق مازن الساكت. 
 
حديثنا اليوم في برنامج « اوراق ملك « عن الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبدالله الثاني، هذه الورقة رسمت ملامح الدولة المبتغاة قانونياً لسيادة القانون وشكل الدولة المدنية المطلوبة، لكن، كما يقول جلالة الملك في نص هذه الورقة (عندما ننظر إلى مجتمعاتنا العربية نجد أنها تتكون من منظومة معقدة من الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والقبلية، ولهذا التنوع أن يكون مصدراً للازدهار الثقافي والاجتماعي والتعدد السياسي، ورافداً للاقتصاد، أو أن يكون شعلة للفتنة والعنصرية والنزاعات، إن ما يفصل هذين الواقعين هو وجود أو غياب سيادة القانون). من هذا المدخل، الحديث عن دولة التعددية، دولة المواطنة، دولة القانون، أين نحن من هذا على أرض الواقع؟ 
الساكت: بداية، الأوراق النقاشية هي سلسلة متصلة من الطروحات والتشخيص للواقع وطرح للحلول والأهداف التي تتكون منها الدولة العصرية، التي تشكل طموح الأردن في التقدم، ولذلك حتى هذه الورقة ليست معزولة عن سياقات الأوراق الأخرى التي جاءت، القضية الثانية قبل الدخول في نقاش هذه الورقة، فأن الأردن أتيح له أن يكون الطرح النظري على الأقل في الرؤى التي تشكل البرامج وتشكل خارطة الطريق من رأس الهرم، من القيادة، وأن يكون حق النقاش لكل الجهات حول هذه الطروحات، وهذه ميزة في العالم الثالث على الأقل، ميزة مهمة، كان يجب أن نستغلها أفضل مما حصل، فإلى الآن النقاش حول هذه الأوراق لا يزال تغلب عليه الصفة الإعلامية، وليس الصفة الفكرية والسياسية والبرنامجية، أعتقد أن الأوراق ستساهم، ولا تزال، في أن نجد خارطة طريق للأردن في مسيرته نحو تعزيز الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
سؤال : من الذي عليه أن يجد هذه الخارطة. 
الساكت: كل الناس، الدولة أولاً في كل مؤسساتنا، والمجتمع المدني والأحزاب والقوى والنقابات؛ لأن هذه الطروحات تعني الجميع، وتعني المشاركة، بكل الأحوال هذه الورقة أهميتها أنها ناقشت قضايا جدلية في المجتمع، ومظاهر يجري الحديث عنها لكن لا يتم التعامل معها بشكل جدي، مثل الواسطة والمحسوبية والانتماءات الفرعية، ومجموعة من القضايا، وبالتالي عندما تحدثت الورقة بداية عن سيادة القانون، شخّصت ماذا تعني سيادة القانون، وما هي المعيقات أمام سيادة القانون، وكل هذه الظواهر التي تشكل معيقات حقيقية أمام سيادة القانون، فسيادة القانون هي مسألة يجب أن يؤمن بها ليس فقط من يملك سلطة لتطبيق القانون، بل أيضاً المجتمع بأفراده. 
سؤال : كيف لهذه السيادة أن تتحول إلى مصدر؟
الساكت: جلالة الملك يشخّص ظاهرة أن العديد ممن يتحدثون عن سيادة القانون، وهو يقصد المثقفين أو كوادر الدولة، هم يمارسون عكس ذلك، ويعودون إلى التعامل مع الانتماءات الفرعية اعتقاداً منهم كما تقول الورقة بأنهم مستثنون من سيادة القانون.
سؤال : ولماذا يمارسون هذا الخرق، ويطالبون بسيادة القانون وهم يخرقونه؟
الساكت: أعتقد أن هذا الموضوع يتعلق بتراكم الممارسات التي أدت إلى ثقافة موجودة وإلى شكل وطبيعة المؤسسات المجتمعية التي نشعر بالانتماء اليها في ضعف المؤسسات المدنية، وبالتالي أصبحت هذه الممارسة موجودة بشكل كبير في كل المستويات، حتى المواطن ثقافته متأثرة بهذا الموضوع، ثانياً لعدم وجود المساءلة، وهذا ما تتحدث عنه الورقة بشكل تفصيلي، فمن دون مساءلة لن يكون هناك سيادة للقانون، المساءلة حول حتى من يطبق القانون، من يتجاوز القانون مفترض به أن يطبقه، فالدولة وأجهزتها ومؤسساتها التي من المفروض أن تكون هي التي تنفذ القانون وتحرص على تنفيذه، في كثير من الأحيان هي تمارس شيئا ضد مبدأ سيادة القانون، لذلك الورقة دائماً تشير إلى أهمية تطبيق القانون بعدالة ومساواة وشفافية، حتى يكون هذا التطبيق صحيحاً.. هناك مثال يطرحه جلالة الملك وهذا المثال أثارني، حيث يقول جلالته بما معناه (ماذا سنقول للشباب الذين دخلوا إلى الجامعة بالواسطة وتوظفوا بالواسطة وتقدموا بالواسطة فكيف سيخرج هذا بعقل وسيتحدث عن سيادة القانون والشفافية والعدالة والنزاهة)، فمن الواضح أن جلالة الملك كان متأثراً بكثير من الظواهر الاجتماعية، حتى عندما تحدث عن الأعراس وفتاة تقتل في عرس أو شخص نتيجة عدم التمسك بسيادة القانون، من هنا يتحدث عن أهمية التمسك بسيادة القانون كثقافة وممارسة، ومن دون سيادة القانون لا يوجد تقدم.
سؤال : ولكن أيضاً في ظل وجود قطاع عام في الأردن وهو يعتبر كموظفين من أكثر النسب لعدد السكان في العالم، حجم هذا القطاع العام العريض، والبيروقراطية الأردنية العريضة، وأيضاً هذه لها انتماءاتها الاجتماعية والثقافية، أكثر من مرة جلالة الملك يتحدث في موضوع عندما نقيل شخصا لخطأ، ولأنه خرج بالتقييم، فهو يذهب ليحتمي بالمؤسسة والحاضنة الاجتماعية التي ينتمي إليها سواء كانت القبيلة أو الطائفة أو البلدة أو المدينة، ويقوم بعمل احتجاجات، كنا نشهد هذه النماذج، فهل من المعقول أن شخصا خدم 25 سنة أو أكثر لم تصهره المؤسسة التي عمل بها ويتحرر من هذا الانتماء ويقول: إنه بالفعل خرج بالتقاعد أو بالتقييم ويفسح المجال لغيره؟
الساكت: هذا الموضوع يعطي انطباعا سلبيا وغير حقيقي بأن الأردن من أعلى نسب الموظفين بالنسبة لعدد السكان في العالم، وهذا غير صحيح، الأردن من أقل النسب في العالم الثالث، أنا هنا أتحدث عن القطاع العام المدني؛ لأن القطاع الآخر له ظروفه، القطاع العام المدني هو 3.3 بالمائة من عدد السكان، متوسط العالم الثالث 4-10 بالمائة، متوسط العالم المتقدم 1.5-2.5 بالمائة، نحن أقرب إلى العالم المتقدم، المشكلة أن الحديث في الأردن، وهذه أحدث مشكلاتنا، انطباعي، انطباعي عن الترهل وعن المشكلات والقطاع العام والتأهيل والتطوير، المفترض أن الحديث يتم بناءً على المعلومة وعلى الإحصاء وعلى الدراسات التي تشير إلى أن هناك ترهلا بمسألة النوعية في عدد من الوزارات، ومن أهمها الأشغال والزراعة والصحة، وأن هناك أحياناً عدم عدالة في توزيع الوظيفة العامة في المحافظات؛ لأنه يجب أن تدرس نسب عدد الموظفين الذين يقدمون الخدمة إلى عدد السكان المنتفعين، آخذين بعين الاعتبار المساحة، وهذه الدراسات موجودة، المشكلة أن الناس لا تقرأ الأرقام والدراسات والإحصائيات.
أريد العودة إلى موضوع الواسطة وما تمثله هذه الثقافة والانتماءات الفرعية التي هي أخطر شيء في المجتمع، وهذا له عدة أسباب، السبب الأساسي الأول غياب المساءلة الذي لم نر وزيرا أو أمينا عاما أو مسؤولا يحاسب على موضوع التعامل في موضوع الواسطة والعلاقات الاجتماعية لا في التعيين ولا في الإدارة، بسبب غياب المساءلة في المرحلة الأخيرة رأينا الاستقالة، بمعنى المسؤولية الأدبية والسياسية..الخ، لكن لم نشهد أن هناك مساءلة ومحاسبة حول الأداء، وحول التقييم.
سؤال : جلالة الملك يقول إنه يريد مساءلة ومحاسبة وسيادة قانون، لكن عندما يأتي مجلس النواب ليحاسب وزيرا أو يطرح الثقة بوزير، وهذا في عمق دور مجلس النواب، وأنت وزير سابق وعين اليوم، لماذا لا تنجح كل هذه المحاولات لمجلس النواب في أن يفرض مبدأ الرقابة الصحيحة. 
الساكت: لا أريد أن أقيم مجلس النواب في هذا الحوار، مجلس النواب إذا كان قسم منه يسعى إلى أخذ دوره الرقابي، الرقابة والمساءلة، فهناك عدد كبير فيه يمارس هذه الثقافة، هو يضغط على الحكومة من أجل أخذ منفعة لشخص أو غير ذلك، بالتالي هناك مشكلة ثقافة، مشكلة إرادة سياسية، فهذه المسائل بحاجة أولاً إلى إرادة سياسية من الحكومات، وإرادة سياسية من السلطات، وثقافة من الناس. 
سؤال : يقول جلالة الملك في الورقة النقاشية السادسة (إن مبدأ سيادة القانون جاء ليحقق العدالة والمساواة والشفافية والمساءلة على جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء وخاصة ممن هم في مواقع المسؤولية). مرة أخرى نعود بك في مسألة المساءلة والشفافية وسيادة القانون، وبالنظر إلى ثقافة المجتمع الموجود لدينا، هكذا يتحدث الناس عن مجتمع قبلي ومجتمع جهوي، عن شخصية وطنية ربما تحتاج أيضاً إلى اكتمال ونقاش أطول، كيف لنا أن نطبق مساءلة على الناس دون أن يعودوا إلى هوياتهم وفرعياتهم؟
الساكت: الورقة تتحدث عن عدد من الإجراءات التي لا بد منها للتعامل مع واقع ضعف سيادة القانون وممارسته من أهمها موضوع الإدارة، وتتحدث عن ضرورة تفعيل أدوات المحاسبة والرقابة من ديوان المحاسبة إلى النزاهة إلى البرلمان، وتتحدث عن أن هذا يجب أن يتبعه ويترافق معه النهوض بواقع الإدارة بحيث كفاءة الأداء وإعطاء الفرص للكفاءة لتحل في المواقع القيادية في إدارة الدولة، وأنا أعتقد أنه أيضاً من جانب آخر هناك قضية عميقة ومهمة في التعامل مع هذه الظاهرة، وهي أهمية تشجيع إعادة بناء مؤسسات المجتمع المدني كمؤسسات أساسية، سواء سياسية أو نقابية أو أهلية، لتكون هي البديل المؤسسي في المجتمع.
سؤال : لكن البعض يرى بأن هذه المؤسسات تحارب؟
الساكت: في بعض الظواهر، لكن في بعض الظواهر الأخرى نجد أن هناك قصورا في التعامل معها خصوصاً من قبل الطبقة الوسطى والمثقفين الذين يجب أن يكون لهم دور أكبر في موضوع إعادة الفعالية لهذه المؤسسات حتى تكون بديلا؛ لأنه عندما نقول في الانتخابات النيابية المؤسسات الأساسية هي الجهوية والعشائرية والمالية، فهذه أحد الأسباب.
هذه الورقة تدفعنا إلى البحث العميق عن شكل البرنامج الذي أعتقد انه تحت عنوان إصلاح سياسي، رغم أنه إداري ومجتمعي، لكنه في الأساس هو إصلاح سياسي، فيجب أن يكون هذا أحد العناوين الأساسية، فالإصلاح السياسي عادة يذهب إلى القضايا السياسية المباشرة، لا ينظر إلى العمق الأساسي، عندما يكون المجتمع بهذه المواصفات، الثقافة بهذه المواصفات والمؤسسات بهذه المواصفات، فأي برنامج إصلاح سياسي لن ينتج التغيير المطلوب، والدلالة على ذلك الضعف في إنتاج المؤسسة التشريعية، الضعف في ممارسة الإدارة العامة والحكومات إلى سيادة القانون..الخ.
سؤال : أنت لا ترى أن الإدارة العامة معزولة عن الإصلاح السياسي؟
الساكت: بالطبع، فهي جزء أساس منه.
سؤال : كيف لنا أن نحرك التغيير في الإدارة، اليوم نشهد في الأردن وزارة جديدة وهي وزارة الأداء المؤسسي بعد أن كانت وزارة تطوير القطاع العام، هل هي مسألة مسميات أم هي مسألة اهتمامات توضع على أجندة البحث ؟. 
الساكت: أنا دائماً كان رأيي أن التطوير الإداري والتنمية السياسية حتى هي برامج وليست وزارات، هي برامج مسؤولية تنفيذها والنجاح فيها مسؤولية مجموعة من المؤسسات، فعندما نتحدث عن التنمية السياسية والتربية والتعليم والتعليم العالي والشباب والثقافة جميعها جزء من التنمية السياسية، عندما نتحدث عن التطوير نتحدث عن دور المؤسسات، فالتطوير ليس برامج تنزل عليها بالبراشوت، ولذلك ما أنجز رغم ما بذل من جهود كان متواضعاً، الذهاب إلى التجربة الجديدة وهي وزارة الأداء المؤسسي، هي تجربة مورست في السابق وليست جديدة، هي جهة تتعلق برسم السياسات، ومتابعة برامج التطوير، أعتقد أن متابعة برامج التطوير قد يفيد في وجود هذا الشكل المؤسسي الجديد، لكن أعتقد أن وضع الاستراتيجيات موضوع تفاعلي، بين مختلف المؤسسات، حتى المؤسسات التي تسمى بالمؤسسات التنفيذية، فهي مؤسسات دولة لها استراتيجية، ولها برامج ولها قيادات وتراكم معرفي ومعلومات، من دونها لا أحد يستطيع وضع خطط استراتيجية وخطط إصلاحية، وأحد أسباب ما يسمى بالشد العكسي ومقاومة التغيير هو عزل هذه الجهات عن وضع خطط التطوير، هذا ما كنت أقوله دائماً عندما كنت في الحكومة والإدارة. 
سؤال : ما هو توصيف المجتمع في الأردن؟
الساكت: أريد الإشارة إلى أمر، أن من أهم ما أجبت عنه هو موضوع الخلط بين الدولة العلمانية والدولة المدنية، الذي كان بالإمكان أن يكون حوارا يؤدي إلى إشكالات سياسية واجتماعية في الساحة الأردنية، والذي قال ان الدولة المدنية هي دولة تختلف عن مجرد تسمية الدولة العلمانية، وأن الدين فيها موجود في الدستور، وهذا الدستور الذي يقول إن دين الدولة الإسلام، مع عدم السماح بأن يستغل الدين لأغراض سياسية وفئوية، وهذه قصة مهمة.
 الآن هذا المفهوم للدولة المدنية يجب أن يتبلور، إذا لاحظنا الآن لم يعد هناك حديث كثير عن الدولة المدنية، غابت الانتخابات وغابت مظلة الدولة المدنية.. الدولة المدنية هدف مهم؛ لأنها هي الدولة المعاصرة والحداثية والدولة المتقدمة، هي دولة الحريات و دولة الديمقراطية، لكننا قبل كل شيء نحتاج إلى بناء المجتمع المدني، الذي يطبق القانون بنزاهة وعدالة والذي يحترم المساواة والمواطنة.
سؤال : اليوم في توصيف مجتمعنا، هل نحن في مرحلة ما قبل الدولة، هل نحن في مرحلة المجتمع القبلي، هل نحن في مرحلة وسيطة؟
الساكت: أنا كنت أعتقد أن التقدم في المجتمعات لا يعود إلى الخلف، وكنت على خطأ، وعدنا للوراء لعوامل عديدة، هناك دولة محيطة بنا، أشقاء لنا، عادوا إلى الخلف بحكم انهيار مؤسسة الدولة، فعادوا إلى المجتمع ما قبل الدولة، هناك تأثيرات مهمة، عندما سقط ما يسمى بمعسكر التحرر، الاتحاد السوفيتي، سقطت معه منظومة من البرامج والرؤى والأيديولوجيات والخيارات كانت تشكل جزءاً أساسياً من تقدم المجتمع وبناء مؤسساته، لكن جميعه انهار.. جاء القطب الواحد، وحاولت الناس أن تحمي نفسها من غزو جديد، اقتصادي وثقافي وسياسي، عادت إلى الأصول، الدين، واستخدمت الدين مع الأسف الأصولي الذي لم يستكمل حركة الإصلاح الديني في بداية النهضة العربية، وعدنا إلى مؤسسات تقليدية في المجتمع، حامية وممثلة.
سؤال : إذاً نحن أمام حالة انكشاف واجهت التغول الغربي في المنطقة، وعدنا إلى حواضننا القديمة وبيئاتنا القديمة لنعبر عن أنفسنا.
الساكت: نحن أمام حالة غياب وضعف للبرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذا ظهر بشكل واضح جداً فيما سمي بالربيع العربي، الذي كان حالة شعبية وتغييرا تاريخيا، لكن اتضح أن هذه الحالة لا يوجد لها لا رؤيا ولا برنامج، اختطفها التطرف والأصولية والعنف والجهوية والعشائرية. 
سؤال : الورقة النقاشية السادسة تتحدث أيضاً عن تطوير الجهاز القضائي كأساس لتعزيز سيادة القانون، يقول جلالة الملك في الورقة: (إن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يترسخ إلا بوجود جهاز قضائي كفؤ ونزيه وفاعل؛ فالمواطن يلجأ إلى القضاء لثقته بقدرة هذا الجهاز على إنصافه والحصول على حقوقه بأسرع وقت؛ وإن غاب هذا الأمر تزعزت ثقة المواطن بالقضاء).. عندما نتحدث عن سلطتين في الأردن، الناس لهم دور في توجيهها أو في الاستجابة لفعلها دون التحفظ، السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، لكن السلطة القضائية هي سلطة محصنة ومستقلة، هل هذا يعني ان الفصل بين السلطات في الأردن موجود ولكنه مهدد أحياناً بالاختلالات الاجتماعية والثقافية والجهوية والأمراض الموجودة في المجتمع؟
الساكت: نحن دولة الدستور ودولة النظام البرلماني الملكي الدستوري، ودستورنا ينص على الفصل بين السلطات، وتجربتنا الطويلة مع كل الملاحظات على إخفاقات هنا وتراجعات هناك، ولذلك أعتقد مثلما تقول المقولة الدستورية إن الملك رأس السلطة التنفيذية، وشريك للسلطة التشريعية، والقضاء مستقل، هذا التعريف الدستوري للدولة الحديثة الملكية، وبالتالي بقدر ما هذا التعريف ينطبق على الممارسة بقدر ما نشعر بأن مبدأ فصل السلطات مبدأ ثابت، ولعل ما عزز هذا القول وأشار له أيضاً جلالة الملك، أن تجربة القضاء الأردني تجربة عظيمة، في الاستقلالية وفي النزاهة وفي القضاء العادل وحتى أنه تحدث عن النماذج التي أفرزها، ولذلك كان يشير إلى ضرورة تطوير القضاء، وتم تشكيل لجنة ملكية لذلك، وتطوير القضاء ليس فقط من حيث القانون، بل من حيث البنية والكادر والقضاة والنزاهة والعلم والحكمة التي تحلت في القضاة الأردنيين، ولذلك ولأن هذا الموضوع هو الحكم والفيصل، فالقضاء يحمي الدولة المدنية، ويحمي العدالة التي هي أحد أسس الدولة المدنية، القضاء يحقق المساواة التي هي أحد أسس الدولة المدنية والمواطنة. 
أريد الذهاب إلى هذا الموضوع المتعلق بإعادة البناء للمجتمع، هذه مسألة طويلة وشاملة وتضمن أو تتطلب كل المسارات، سواء الإصلاح السياسي أو الإداري أو الاقتصادي أو الاجتماعي، لأن نتقدم بشكل متواز في كل المسارات، ليس صحيحاً الاكتفاء بمسار ثم يتبعه المسار الآخر، أنا أعتقد أن في مجتمعاتنا يجب أن يكون هناك مسارات متوازنة، أيضاً يجب أن يكون هناك برامج واقعية، وهذا الأهم، وسأضرب هنا أمثلة مهمة، أولاً عندما طرحنا بناء الدولة الديمقراطية والنموذج الديمقراطي، تحدثنا عن نموذج غربي، عن بريطانيا والسويد وغيرهما، وهذا غير واقعي، في مجتمع شخّصنا مؤسساته وواقعه وانتماءاته وطبيعته، لا يمكن أن أحقق النموذج الغربي المتقدم الذي جاء عبر سياق تاريخي للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، نحن تبنينا المسألة الديمقراطية بعد مجموعة إجراءات وقضايا منها فشل التجارب الأخرى ووصولها إلى طريق مسدود، أيضاً الرغبة في التقدم باتجاه واقع العالم المعاصر والدولة الحديثة والتجربة الأردنية الخاصة التي كانت دائماً بها انفتاح سياسي حتى في زمن الأحكام العرفية، وبالتالي تقدمنا بهذا الاتجاه، تراجعنا في محطات في عام 1993 عندما جاء نظام القطب الواحد لكن لم نستطع أن نضع، وحتى الحركة السياسية التي تطرح هدف الدولة الديمقراطية وتدافع عنه، حتى أحزاب المعارضة لم تستطع أن تضع نموذجاً واقعياً للديمقراطية التي نريد، ويجب أن يكون نموذجاً واقعياً بحيث يكون قابلا للقياس. 
سؤال : اليوم أين هي المشكلة، هل نحن بحاجة لتطوير الإرادة السياسية، نحتاج إلى قانون أحزاب، قانون انتخاب، مؤسسات مجتمع مدني أكثر نضجاً، ناخب ومواطن مسؤول، مواطن فاعل، ماذا نحتاج؟
الساكت: نحن نحتاج لكل شيء، لكل القضايا التي طرحتها الأوراق النقاشية كاملة، في كل المجالات، لذلك أعتقد أولاً اننا نريد إرادة سياسية على التغيير ونريد وعيا مجتمعيا خاصة من الذين يدعون أنهم من النخبة ومن قيادات المجتمع، وعيا لمعاني هذه الأهداف التي نتحدث عنها، ولمتطلباتها، وبالتالي بناء مؤسسة تشريعية تمثل اتجاهات المجتمع الحقيقية وتبتعد عن القضايا المصلحية والشخصية، وتقوم بدورها التشريعي والرقابي ومساءلة الحكومات، واللبنة الأولى في عملية الإصلاح، لكن ذلك يحتاج أيضاً إلى وعي شعبي، لإفراز حالة متقدمة من التمثيل البرلماني.