حتى هيئة الإذاعة البريطانية.. لم تسلم من افتراءات اللوبي..!!*د. زيد حمزة
الراي
والحديث هنا عن اللوبي الصهيوني الذي استشرى مع الزمن الرديء مستقوياً بحاضنته الكبرى أميركا، ومستعيناً بقانون معاداة السامية الذي استطاع حشره عنوة ًفي تشريعات العديد من الدول بما فيها ديمقراطيات عريقة تفاخر بنزاهة قضائها، ليسهل بموجبه ادانة وتجريم اي نشاط يعارض الصهيونية كعقيدة عنصرية او ينتقد الحكومة الاسرائيلية حتى لو ارتكبت جرائم الابادة الجماعية بحق الفلسطينيين، وقد اصبح هذا اللوبي في حالة من نشوة النفوذ المتغلغل خداعا وفسادا في كثير من مراكز السلطة المالية والسيطرة السياسية، تمكّنه من الافتراء والافتئات على من يشاء من الدول او المؤسسات او الجماعات او الأفراد، في استعلاء صلفٍ على المحاكم واستهتارٍ وقحٍ بالعدالة. وقد فضح ذلك التمدد الأخطبوطي الخطير مطوّلاً وبالتفصيل، ووصف مراحلَ نشاطه الخبيث، المؤرخُ الاسرائيلي الشجاع ايلان پاپيه في كتابه الكبير"اللوبي الصهيوني» على جانبي الأطلسي» الصادر في العام الماضي، حيث ذكّرنا في بضعٍ من صفحاته التي قاربت السبعمائة، بما حدث مثلا لهيئة الإذاعة البريطانية في العام ٢٠٠٣، أما لماذا اخترت بدوري هذه المؤسسة كمثل بعينه دون الامثلة العديدة الاخرى فلأني اعرفها جيدا، اذ عاصرتُ جزاً كبيراً من تاريخها، فبعد إنشائها عام ١٩٢٢ كشركة اذاعة تجارية ما لبثتْ أن تحولت عام ١٩٢٧ الى هيئة حكومية، وشكّلت «هنا لندن» على مدى القرن الماضي مصدرنا الاول للأنباء خصوصا اثناء الحرب العالمية الثانية وما تلاها، قبل أن تزدحم الساحة بآلاف المصادر الأخرى وبينها عربية كثيرة ناجحة تبث بالإنجليزية كـ «الجزيرة» وسواها، وما زلنا نسمع BBC هذه الأيام بعنوان «غلوبال نيوز بودكاست» حيث يردد المذيع صراحة ًقبل كل نشرة اخبار بانها مدعومة (!) بالإعلانات.. من الخارج.
نعود لكتاب بابيه (ص٤٥٢) جاء دور BBC عام ٢٠٠٣ بعد أن بثت فيلما إخباريا وثائقيا عن السلاح النووي الاسرائيلي أعدّته الصحفية المختصة بشؤون الشرق الأوسط اورلا غويرين وأثارت حفيظة اللوبي الذي سارع باتهامها بانها معادية للسامية ومؤيدةٌ للجماعات الفلسطينية (الارهابية!)، ثم اعلن عن غضبه البالغ حين مُنحت غويرين رغم ذلك جائزة صحفية مرموقة.. وفي عام ٢٠٠٧ وجه اللوبي سهام نقده الى جيريمي بوين محرر شؤون الشرق الأوسط في BBC وأحد أبرز الصحفيين في المملكة المتحدة لأنه كتب يومها مقالا في الذكرى الأربعين لحرب ١٩٦٧ واستخدم فيه نفس السردية المستخدمة من قبل معظم زملائه الباحثين والمعلقين في ذلك الوقت، وهي ان تلك الحرب كانت فرصة العمر بالنسبة لاسرائيل لاستكمال حرب الاستقلال (!) ١٩٤٨، كما شاركهم بوين في فهمهم اخيرا لحقيقة الصهيونية وأهدافها الخفية، وكيف انها تتبنى في صلب عقيدتها سياسة إسرائيل التوسعية على حساب جاراتها العربية، وفي النهاية كرر الواقع الذي اصبح معروفاً جيدا وهو أن إنشاء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية خرق للقانون الدولي، واخيرا وليس آخرا فان المعتزين بكرامتهم الوطنية وكرامة مهنتهم من العاملين في BBC لم ينسوا الاهانة التي لحقت بهم يوم فرضت الحكومة الاسرائيلية عام ٢٠٠٣ قيودا مشددة على تأشيرات الدخول لمراسلي محطتهم، مثلما منعتهم كليا من حضور المؤتمر الاعلامي الذي نظمته سفارتها في لندن لارييل شارون رئيس وزرائها آنذاك!
اكتفي بهذا القدر اليسير مما كشف عنه بابيه من اساليب اللوبي الصهيوني الذي لم يتورع حتى عن عض اليد البريطانية التي رعته وأكرمته وهو مقيم في عقر دارها، وتناسى بخبث أن بريطانيا هي صاحبة الفضل الاول في تحقيق الحلم الصهيوني بإرساء قواعد دولة إسرائيل.
ترى هل أجدني هنا بحاجة لان أوضح باني لم أقصد بنقلي لوقائع معينة أوردها بابيه (كما لم يقصد بابيه نفسه) الدفاع عن BBC ذاتها بل عن مبدأ حرية الرأي والتعبير فيها وهي تَدعم بعض الحق الفلسطيني الذي لا يقبل به اللوبي اليهودي ولا يرضى عنه؟ صحيح أنني على وعي بدورها الإعلامي الذي لا ينفصل عن سياسة حكومتها الاستعمارية ولا أصدق حكاية حيادها المطلق، لكني أحترم المواقف الشجاعة لبعض كتابها ومفكريها، وأقدّر عاليا كفاءتها في ميادين اخرى كمؤسسة ثقافية فنية عالمية رفيعة المستوى.
وبعد.. فإن آخر غطرسات اللوبي الصهيوني وضربه عرض الحائط بقرارات المنظمات الدولية يتمثل في الغضب الأهوج لنتنياهو قبل ايام على مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة لأنه يحقق في شكاوى الابادة الجنسية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ويصف التحقيق بأنه معادٍ للسامية، ويقرر انسحاب إسرائيل من عضوية هذا المجلس!