عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Jan-2019

لغة غير صالحة للقراءة* موفق ملكاوي

 الغد

في الوقت الذي نقر به بأن كتابا جيدين يظهرون باستمرار على الساحة العربية، تزداد المنشورات التي تعبر عن لغة خشبية غير قابلة للقراءة. أو الكتابات التي تكثر فيها المنحوتات، والتي تنقل المعنى إلى سديم لا يظهر منه شيء.
الأكاديميون استكانوا إلى لغة خشبية لم تتطور على مدار أكثر من أربعة عقود وهم يحاولون أن ينقلوها إلى طلبتهم الذين، بدورهم، أتقنوا “الحرفة” وبدأوا بامتهان تلك الكتابة. أما النقاد، والذين هم في الغالب من الأكاديميين أيضا، فلم يحاولوا التغلب على الشكل الذي وجدوا الكتابة تسير فيه، وظلوا أمينين على مسارها.
في الأدبين؛ السردي والشعري، سار الأمر كذلك، لولا قليل من الكتابات التي حاولت الخروج عن النمطية والخشبية، وأن تختط لنفسها مسارا بعيدا عن “الكلاشيهات” التي تعفنت، بينما نحن ما نزال مصرين على التمسك بها.
لغة الإعلام هي أيضا واحدة من علامات البؤس في الإبداع والمخيلة، والتي لم نستطع أن ننقلها إلى مستوى آخر من الإبداع، أو أن نجر وعي العامة إلى لغة جديدة تستطيع رفع الذائقة، بل ظلت الأخرى تقليدية وتقريرية في جميع أشكالها، ولم تحاول تشييد مقاربة جديدة مبنية على التطور المجتمعي، سواء في الشكل أو المبنى، أو الانزياحات اللغوية التي تفرضها الحياة الحديثة.
ولعل أكثر ما يثير الضحك والسخرية هي تلك الخطابات التي يتم افتتاح المؤتمرات والمناسبات بها، أو ديباجات التوصيات في نهاية الملتقيات والمؤتمرات المختلفة، والتي لم نستطع تطوير بعضها رغم قرون على استخداماتها!
إن جميع ما تقدم يمكن القول عنه إنه يكتب بواسطة لغة غير صالحة للقراءة، أو، بعبارة أدق، لغة لم يعد لها وجود فعليا في حياتنا اليومية، فهي أشبه بالجد المتوفى الذي نعلق صورته على الحائط امتنانا لوجوده السابق في حياتنا.
حتى الكتابة الشعرية التي بقينا على الدوام نفاخر بها العالم، ونقول “نحن أمة من الشعراء”، تم تطويع لغتها إلى لغة مبهمة لم تعد تستطيع إقامة المعنى، فغرقت في رمزيات لا يمكن الوصول إلى كنهها، وأفسدتها “تقنيات” قصيدة النثر التي أصبحت بمثابة الجبر لمن سيكتب الشعر الحديث.
لغتنا الكتابية اليوم لم تعد صالحة لأن نسير بها في التأليف، فهي إما إحيائية قديمة، أو أنها مبهمة وتعقيدية ومفذلكة. لذلك لا بد من اختراع لغة جديدة نستطيع فيها التعبير عن ذاتنا وتطورنا، وعن سيرورتنا التي نمر بها، لا عن سيرورة غيرنا، أو عن ماضينا فقط!