الأهل بين خيارين لتجاوز “الفجوة التعليمية للطلبة”.. إعادة الصف أو برامج التأهيل الخاصة
الغد-آلاء مظهر
كلمات المدرسة الخاصة لابنة أم عمر وقعت كالصاعقة عليها: “بنتك متأخرة عن أقرانها، ننصحك أن تعيد الصف الأول”. المرأة العاملة والأم لأربعة أطفال تقول لـ”الغد” بأنها لم يكن لديها الوقت الكافي لمتابعة ابنتها بشكل يومي خلال تعليمها الالكتروني العام الماضي. وتضيف “كنت احاول، لكن ذلك لم يكن كافيا. شعرت ان تقدمها الاكاديمي، وتحديدا في مهارتي القراءة والكتابة بطيء، لكنني كنت آمل ان يتم تجاوز المشكلة مع العودة للتعليم الوجاهي”.
غير أن تلك العودة لم تكن كما توقعت أم عمر أو غيرها من الأهالي، فشهر من العودة الى المدرسة لا يمكن ان يسد الفجوة الحاصلة على مدار عام ونصف العام (الروضة والصف الاول)، لذلك اقترحت المدرسة ان تعيد الطالبة الصف الاول. والآن تشعر أم عمر بأنها أمام “خيار صعب؛ نفسية ابنتي محطمة واعادتها الصف الاول ستدمر نفسيتها بشكل اكبر، اما البقاء في نفس النمط التعليمي الحالي فيسهم في زيادة الفجوة”.
مريم واجهت الاشكالية ذاتها، فابنها الطالب في الصف الثاني فقد في حينه الكثير من مهارات القراءة والكتابة. تقول “قدراته في القراءة تراجعت كثيرا، واصبح مستواه اضعف مما كان عليه خلال سنوات الروضة”. هذا الأمر سبب قلقا كبيرا للعائلة، فرغم جهودهم معه إلا أن هناك مهارات كان يتوجب أن يتحصل عليها من المدرسة، وهو ما افتقد إليه.
ادارة المدرسة اقترحت اعطاء الطفل حصصا خاصة باللغة خلال فترة الصيف للتركيز على مهارتي القراءة والكتابة. وتضيف “خضع لبرنامج تقوية في القراءة والكتابة بمعدل 6 ساعات اسبوعيا، وهو برنامج مكلف ماليا بشكل كبير. تخوفي من عدم قدرته على تجاوز المشكلة دفعني للاستثمار في تعليمه”.
ورغم أن الوضع أصبح أفضل قليلا، إلا أنها تؤكد “ما يزال ابني يواجه صعوبة في مهارات القراءة والكتابة”، غير أن الاشكالية الحقيقية هي أن أي معالجة للمشكلة تبقى مجهودا فرديا خاصا بالاهل والطفل “وهو امر يستنزف موارد الاسرة المالية، والكثير من الوقت”، بحسب تعبيرها.
المعلمة في احدى المدارس الخاصة شروق عثمان، ترى ان الحلول ينبغي ألا تتضمن إعادة الطلبة للصفوف، خصوصا مع معرفتنا الأكيدة بوجود فجوات تعليمية عند الطلبة في جميع المراحل، بما فيها طلبة الصفوف الثلاثة الاولى الذين يتوجب تأهيلهم “ضمن خطة مناسبة بالتعاون مع اولياء الامور”.
وتكشف عن ان كثيرا من الطلبة لم يكونوا قادرين على كتابة اسمائهم مع بداية العام الدراسي، ومنهم من كان لا يعرف كيفية إمساك القلم بسبب التعليم الإلكتروني. عثمان تلاحظ، كذلك، “وجود تراجع في مهارة الكتابة اكثر من مهارة القراءة والتي كانوا يتغلبون عليها بالتهجئة”.
“التعليم عن بعد بسبب جائحة كورونا أضر بزهاء 40 مليون طفل حول العالم فاتتهم فرص التعليم في مرحلة الطفولة وما بعدها”، كما يبين مدير ادارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد ابو غزلة. في الأردن، “تأثرنا بسبب عوامل داخلية تربوية وعوامل خارجية”، بحسبه، ومن أهمها غياب التخطيط المستقبلي، وعدم الاستعداد، وعدم توافر التجهيزات والبني التقنية في بعض المدارس، وعدم تمكين المعلمين من المهارات التقنية، إضافة إلى محتوى المناهج الذي من الصعب تطويعه ليقدم عبر وسائط تقنية.
ومع تأكيده على رفض مبدأ إعادة الصفوف، يشير أبو غزلة لـ”الغد” إلى أن التجارب السابقة تبين أن نسبة التحسن في الأداء نتيجة الإعادة لم تكن بالحد المقبول، “بل أن إعادة الصفوف عظم من تعرض الطلبة إلى حالات نفسية وتوترات تؤثر في أدائهم وشخصياتهم وسلوكياتهم التربوية نتيجة تأخرهم عن أقرانهم من العمر نفسه”.
أبو غزلة يقترح توفير بدائل متعددة، كالبرامج التربوية المهارية التي تساعد الطالب على امتلاك المهارات الأساسية، داعيا الوزارة إلى توفير الظروف التعليمية المناسبة، والبدء بتوجيه معلمي هذه الصفوف لتنفيذ اختبارات تشخصية للكشف عن الفجوة التعليمية، وبناء وحدات ونشاطات تعليمية تغطي الكفايات والمهارات الأساسية في كل صف وتدريسها للطلاب.
حاجة الطلبة في المرحلة الأساسية لمهارات القراءة والكتابة والحساب “تُعد المفتاح الرئیس لعملیتي التعلیم والتعلم”، بحسبه، إضافة إلى ضرورة “تبني استراتیجیة وأسالیب تدریسیة تفاعلیة یتم اعتمادا أساسًا لدعم وتعزیز مبادرة الكتابة والقراءة والحساب لدى الطلبة، وتجاوز نسبة فقر التعليم التي تمكنه في رسم مستقبل حياته”.
لكن الخبير التربوي صالح بركات يعتبر ان “اعادة الصفوف الدراسية قرارا تربويا يعتمد على اسس واضحة لمدى امتلاك الطلبة للمهارات الاساسية الدنيا للمرحلة التعليمية التي تجاوزوها”.
ومع تشديده على اهمية قيام المعلمين بإجراء اختبارات تشخصية للطلبة الصفوف الاولى وتقييم نتائجها، يؤكد بركات لـ”الغد” أنه في حال ثبوت عدم امتلاك الطالب للحد الادنى من المهارات للازمة للانتقال للصف الذي يليه “يتم اتخاذ قرار باتفاق مع ولي الامر أن يعيد الصف مرة اخرى للتغلب على فجوة التعلم لديه”.
ويوضح أن هناك مشاكل تعليمية يمكن معالجتها بالصف الحالي من خلال بعض البرامج والأنشطة دون الحاجة لإعادة الصف. لكن، إن لم يتمكن من اكتساب المهارات والمعارف اللازمة التي تؤهله للانتقال للصف الذي يليه فينبغي الإعادة، خصوصا أن “المناهج الدراسية لدينا تراكمية بنائية”، وهو ما سيتعذر معه على الطالب التكيف مع اقرانه بالصف وهو لا يمتلك الحد الادنى من المهارة.
مدير إدارة التعليم في وزارة التربية والتعليم الدكتور سامي المحاسيس يؤكد ان قرار اعادة الصف من عدمه هو “قرار متروك لولي امر الطالب”.
ويبين لـ”الغد” ان برنامج الفاقد التعليمي الذي نفذت الوزارة المرحلة الاولى منه “ساهم في تعويض الطلبة عما فاتهم في العام الدراسي الماضي نتيجة التحول لنظام التعلم عن بعد جراء جائحة كورونا”.
ويبين أن مدارس وزارة التربية والتعليم ما تزال مستمرة، وفي كل حصة دراسية، بمراجعة المفاهيم والمهارات الاساسية، على اعتبار ان الفاقد هو مراجعة سابقة لمتطلب لاحق.
ويوضح أن من يعانون من صعوبات في التعلم يتم تحويلهم لغرف “صعوبات التعلم”، وأن هناك 1035 غرفة في مدارس الوزارة يشرف عليها معلمون مؤهلون قادرون على تعويض الطلبة عما فاتهم في مهارات قراءة وكتابة.