عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Jan-2019

لقد نسوا ماذا یعني أن یکونوا یهودا - دمتري شومسكي
ھآرتس
 
الغد- في رد على مقال انتقدت فیھ مواقفھا، بعنوان ”ھذا أیضا ما قالوه عن الیھود“ (”ھآرتس“، 12/28 (سرقت تسفیا غرینفیلد من عوزي برعام صفة النخبة ونقلتھا، بصورة غیر عادلة تماما، إلى إسرائیلي من مھاجري الاتحاد السوفییتي (”النخبة ستقرر وتصادق“، ھآرتس، 1/11 .(لقد فعلت ذلك لأنني دافعت عن معارضي الاحتلال في الجھاز الأكادیمي (الذي اعتبر واحدا منھ)، والذین تصفھم ھي وغیدي تاوب بـ ”مقطوعین عن الشعب“.
برعام الذي ھو آخر عمالقة مباي التاریخي بمختلف نسخھ، لم یكن یستطیع تحمل ذلك: ”یبدو أن
غرینفیلد ترى... في كل كاتب یساري ھاذ في ھآرتس – نخبة“. (”عن أي نخبة یتحدثون“، ھآرتس، 1/14 .(بالمناسبة، ھذا ما قالھ بصورة حاسمة وبسخریة نخبویة بأن النقاش بیني وبین غرینفیلد ھو ”نقاش عبثي“.
یمكن التساؤل عن معنى مفھوم ”كاتب یساري ھاذ في ھآرتس“، وھل یمكن أن یسري على أحد
قدامى العمل الذي ما زال یعتبر نفسھ یساریا، لكنھ یرید قبول جزء من المسؤولیة عن الفشل التاریخي ویواصل البث عبر مقالاتھ في ”ھآرتس“ الانطباع وكأن حزبھ لا یراوح في الاستطلاعات حول 7 مقاعد، بل ھو ما زال عاملا سیاسیا لھ وزن یمكنھ عرض بدیل حقیقي عن حكم الیمین. النقاش حول ھذه المسألة صحیح أنھ سیكون نقاش لا جدوى منھ. نقاشي مع غرینفیلد في المقابل، لھ اھمیة لأنھ یتعلق بعدد من المفاھیم الاساسیة للوجود القومي الیھودي.
في مقال ردھا احسنت غرینفیلد صنعا في الوقوف على دافع داخلي یعتبر الاول، یقف خلف كتابتي للمقالات – ”مثلما ھو الامر في مسائل اخرى“، كتبت، ”شومسكي یسمح لاشكالیة الشتات أن تسیطر على خطاب مقالاتھ“. اجل، لم أتجرأ في أي یوم على الھرب من ”اشكالیة الشتات“، لا في خطاب مقالاتي ولا في واقع حیاتي لسببین.
الأول، لأنھ في حالتي الشخصیة، خلافا لإسرائیلیین كثیرین، ”الشتات“، ولا سیما الظاھرة التي ترافقھ دائما ”اللاسامیة“، لیست مفاھیم مجردة ملیئة بمضمون مزیف اثناء حملة التخویف المناوبة لبنیامین نتنیاھو، بل جزء رئیسي من التجربة المؤسسة التي مرت علي في البلاد التي جئت منھا. ثانیا، لأن الشتات كعامل رئیسي في الماضي القریب الذي ینھش بظھر القومیة الیھودیة الحدیثة، الصھیونیة ودولة إسرائیل، لم یختف في أي یوم من اللاوعي الیھودي، الصھیوني والإسرائیلي.
الصھیوني السیاسي الاول، ثیودور ھیرتسل احتاج في ”دولة الیھود“ إلى مسألة الماضي في الشتات القریب للصھیونیة. لقد اعترف بأنھ رغم الحاجة الملحة لتغییر الوعي والسیاسة في اوساط الیھودیة الحدیثة فإن استمراریة جزء من مركبات الماضي ھذه داخل المشروع الصھیوني لا یمكن منعھا، بل ھي حیویة ”نحن نرید أن نعطي للیھود وطن، لیس اقتلاعھم بقوة من الارض التي نموا فیھا، بل استلالھم بحذر، مع كل مجموعھم الجذري، وأن نقوم بزرعھم من جدید في تربة افضل“ (”دولة الیھود“، صفحة 49 ،ترجمة مردخاي یوئیلي).
العنصر الرئیسي في مجموع جذورھم ”الشتات للیھود الحدیثین، الذي أراد ھیرتسل زرعھ من جدید في تربة افضل في دولة الیھود شمل حسب رأیھ افكار التسامح، اللیبرالیة والانسانیة، التي تطبیقھا الكامل في اوروبا تشوش. احد اسباب ذلك ھو اللاسامیة الحدیثة التي ارادت حسب رأي ھیرتسل ضعضعة، من خلال استخدام كراھیة الآخر الیھودي، أسس النظام المدني، اللیبرالي العام.
على الصھاینة السعي لبناء مجتمع سلیم یرتكز على الرؤى للمواطنة المتساویة والمتسامحة التي
مكنت من اعطاء تحرر ذاتي لیھود اوروبا، ھذا المجتمع سیقوض كل موقف وطني متطرف – عنصري یكتنفھ اقصاء الاقلیات المختلفة والاجانب، من نوع المواقف التي عانى منھا الیھود. ھذا كان اذا ملخص ”اشكالیة الشتات“ التي سیطرت على صھیونیة ھیرتسل.
اشكالیة شتات من ھذا النوع كانت اساسیة أیضا في رؤى سیاسیة صھیونیة متأخرة أكثر في النصف الاول من القرن الماضي. اساسھا كان مغروس في الخوف من السیناریو الذي فیھ ستتحول الدولة الیھودیة إلى ما یشبھ الدول القومیة العرقیة المركزیة في شرق اوروبا ووسطھا، التي نغصت حیاة الیھود في العصر الحدیث. رغم أن حلم الصھیونیة السیاسیة حول اقامة ”مجتمع مثالي“ یبدو أنھ منفصل كثیرا عن الواقع ازاء ممارسات غیر دیمقراطیة وكولونیالیة – التي كانت تكتنف بصورة لا مناص منھا سعي الصھیونیة إلى خلق اغلبیة یھودیة في الارض الوحیدة في العالم التي تعتبر في نظر الیھود وكثیرین من غیر الیھود، الوطن القومي للیھود – لا شك أن الرغبة في عدم المشابھة الاخلاقیة مع قامعي الیھود كانت عنصر اصیل في تراث الشتات وجزء من ”الأنا“ القومیة للصھیونیة في بدایتھا.
اضافة إلى ذلك، رغم أنھ من الواضح أن مقارنات من ھذا النوع لا تستھدف التشكیك في یھودیة بنیامین نتنیاھو وتاوب وامثالھما، فمن الواضح بصورة لا تقل عن ذلك، أن من یضربون بقوة بمشاعر الیھود من ملاحقة الآخر، مشاعر مصدرھا الشتات، ینسون من ناحیة التراث القومي ماذا یعني أن تكون یھودیا.
اجل، عندما اقرأ المقابلة التي اجراھا عوفر ادیري مع الیھودي بني موریس (ملحق ھآرتس، 1/11 (الذي یعبر عن أسفھ لأنھ في 1948 لم یتم تنفیذ الترحیل الكامل للفلسطینیین إلى شرقي نھر الاردن، أنا لا اسمع صوت أي یھودي، بل صوت جارنا من اوكرانیا في مبنى متعدد الطوابق في كییف، وھو یقول لوالدتي المتوفیة ”خسارة أنكم لم تذھبوا إلى بابي یائر“ (لا، أنا لا اقارن بین الكارثة والنكبة، بل بین كراھیة إسرائیل الاوكرانیة لجاري وكراھیة اسماعیل الیھودیة لبني موریس.
في نظر غرینفیلد ھذه المقارنة دیماغوغیة وغیر مشروعة ھدفھا اقناع الیھود بـ ”التلاشي والاختفاء من العالم“؛ في حقیقة الامر مقارنات كھذه تشكل أداة للرقابة الداخلیة الدائمة للقومیة الیھودیة الصھیونیة التي تستھدف الاسھام في الاصلاح الداخلي الوطني. رقابة كھذه ھامة لكل شعب حدیث یسعى إلى الحیاة. وبدونھا من شأن المشروع الصھیوني أن یجد نفسھ في نفس المكان الذي یراوح فیھ الآن، للأسف، حزب عوزي برعام