الغد
الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصية مركبة لكنها ليست بذلك التعقيد الذي يتصوره البعض أو يحاول هو شخصيا رسمها وترسيخها وقد وجد أنها تحقق له أهدافه.
كثيرون كتبوا عن ترامب وتحدثوا عن شخصيته، لكن الأبرز هو الصحفي الأميركي المعتق بوب ودوورد بكتابين متتابعين، أولهما تحت عنوان "الغضب" وفيه قراءة مستفيضة وعميقة بمنهجية صحافة استقصائية محترفة شكلت ساعات طويلة من اللقاءات والمقابلات مع ترامب نفسه وشخصيات سياسية كانت حوله ومن طاقم إدارته، وفيها يمكن قراءة الكثير عن تلك الشخصية.
الكتاب الثاني لودوورد كان بعنوان "الحرب" وفيه تطرق إلى ترامب أيضا وطريقة تفكيره في محورين أساسيين تحدث عنهما الكتاب، حرب أوكرانيا وحرب غزة، وكانت المقارنات واضحة بين طريقة إدارة ترامب وإدارة بايدن ورؤية كل منهما للأحداث وكيفية معالجتها.
لا يحدثك بوب ودوورد مباشرة عن رأيه بترامب، ولا حتى ببايدن، هو يضع أمامك وقائع وأحداث وطريقة حديث وتصريحات "خلف الأبواب المغلقة" ولك ان تشكل كقارئ تصورك لكل الشخصيات والأحداث.
من قراءتي "كقارئ لا أكثر" كانت خلاصتي أن ترامب رجل أعمال محترف يقيس كل شيء بمنطق الصفقات ويرسم كل تفاوضاته على أساس "الصفقة" وهو أيضا وبذات التوازي رجل يتقن لعبة الاستعراض ويعرف تماما كيف يتصرف بحضور الكاميرات التي تلتقط كل إشارة او حديث منه، لقد طور الرجل تلك الموهبة عبر السنوات وباحترافية شلت حضورا في أفلام سينمائية وبرامج تلفزيونية كان هو بطلها.
من هنا، كانت مشاهدتي لحفل التنصيب الرئاسي ومتابعة تفاصيل الحفل في اليوم التالي أيضا ترسخ قراءتي فترامب استطاع ان يوظف كل لحظة من لحظات يومه الرئاسي الأول لصالح تلك الموهبة التي أرسل من خلالها رسائل عديدة للداخل الأميركي أولا، وللعالم ثانيا.
كنت أتخيل زعماء العالم وقادته على هذا الكوكب ومع كل فروق التوقيت يتسمرون أمام الشاشة والكل ينتظر الرسالة الموجهة إليه أو التي قد تعنيه، كان الرجل يرسل رسائله العامة بخطوط عامة لا تفاصيل فيها، لكن الوضوح فيها يكمن في انه يريد إحداث التغيير الشامل في كل مكان من منطلق المسلحة الأميركية فقط.
هذا ليس سيئا بالمناسبة، لو فكرنا قليلا فالرجل كما قلنا رجل صفقات ويحب الاستعراض ويتقنه، وعليه فلغة التفاهم معه يجب أن تكون على تقديم الصفقة الأفضل لا ضمن شروطه فقط بل ضمن مصالح الدول التي تريد أن تحقق مصالحها.
وهذا أفضل بكثير من سياسات المراوغة الطويلة التي أتقنتها واشنطن طوال سنوات عديدة، وكان لها كلف وأثمان دموية باهظة.
الأمر الواقع اليوم، ان السيد دونالد ترامب في البيت الأبيض، ومن يريد أن يتفاهم مع ساكن البيت الأبيض عليه ان يحمل صفقته الى شارع بنسلفانيا في واشنطن، حيث ذلك البيت ورب ذلك البيت.