الجريدة
زرت ثلاث جامعات كبرى في الصين استطلعت الحضور العربي والخليجي فيها، لاسيما الكليات والمراكز التي تعمل على تدريس اللغة العربية.
في جامعة بكين وجدت مكتبة ومركزاً يحمل اسم الملك عبدالعزيز، والذي يحظى بدعم متواصل من المملكة العربية السعودية، ولدى سلطنة عمان كرسي يحمل اسم السلطان قابوس لدراسة اللغة العربية، وآخر باسم دولة قطر لدراسة الشرق الأوسط.
أما في جامعة الدراسات الأجنبية، وتحديداً في كلية الدراسات العربية، فقد حملت اسم كلية الشيخ زايد بدءاً من عام 1994 بعد تبرع الإمارات بالبناء والتجديد.
حضور الكويت لمسته جيداً من الدكاترة، وطلبة الدراسات العليا الذين قدمت لهم كل التسهيلات، ومنحتهم الحوافز المادية للدراسة في الكويت، وتركت انطباعات رائعة في أذهانهم يتحدثون عنها بلغة بليغة وبتقدير لا يوصف.
لكن هذا الحضور بقي في هذا الإطار ولم يتجاوزه إلى أبعد من ذلك، علماً بأن هناك دكاترة وطلبة ماجستير ساهموا بترجمة روايات لأدباء كويتيين إلى اللغة الصينية، كما أنجزوا رسائل علمية بأبحاث قيمة عن العلاقات المشتركة، وعن المقارنة بين النظام التشاوري القائم في الصين وبين النظام السياسي في الكويت.
لمست رغبة صادقة من القائمين على عمادة كليات الدراسات العربية بضرورة أن يكون للكويت دور ثقافي أكبر من أجل فتح حوارات وإنتاج مشترك، يصل إلى حدود كتابات كويتية، وإصدارات باللغة الصينية.
وفي نقاشنا مع الدكتور محفوظ مسؤول مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية فتح لنا قلبه وعقله وتجربته، قائلاً «نود أن نتوسع بالتعاون ولدينا أفكار كثيرة» بل بادرنا بتقديم مقترح إلى القنصلية الكويتية في شنغهاي، و«لم نسمع رداً حتى الآن»، والمقترح يتعلق بإقامة مركز الكويت للترجمة في جامعة شنغهاي الدولية.
أعتقد أن الكويت مؤهلة ولديها القدرة لأن تخطو خطوات ثقافية أكثر، خصوصاً مع دولة عظمى كالصين ترتبط معها بعلاقات اقتصادية وسياسية متقدمة.
العلاقة الثقافية مع السفارة الكويتية في بكين على صعيد السفير أو القنصل ممتازة، بل السفارة منحت الدكتور محفوظ شهادة تقدير، إنما على مستوى التفاعل الحي والقوي بتثبيت موقع الكويت مقارنة بأشقائها الخليجيين مازال متواضعاً.
لماذا لا يتبنى المجلس الوطني للثقافة مقترحاً كهذا الذي قدمه الدكتور محفوظ؟ ربما كانت هناك خيارات أكثر كأن يكون كرسي باسم الكويت في إحدى الجامعات أو مكتبة تحمل اسمها ويقدم لها الإصدارات المتنوعة التي تتميز بها، ليس فقط ما يصدر عن المجلس الوطني للثقافة بل الروايات والسير وكتب التاريخ وخلافه.
لماذا لا تكون الترجمة جسراً للتواصل الثقافي بين البلدين، والجامعات مفتاح هذا الجسر بما تملك من بنى تحتية وكفاءات تتقن اللغة العربية؟
كم كان سروري بالغاً عندما تلقيت هدايا ثمينة أصدرتها تلك الجامعات باللغة العربية، ومنها المجلة الدورية «الصين والعالم العربي»، ومجلة «الصين اليوم» وهذا بخلاف الكتاب الذي طبع في السعودية عن «علّامة اللغة العربية» محمد مكين، الصيني الجنسية، والذي قام بترجمته الدكتور محفوظ (وانغ قوا نغدا)، وهي سيرة غنية بالمعلومات عن تاريخ تأسيس أول قسم للغة العربية في جامعة بكين، وكان من تأليف «لي تشن تشونغ» ومراجعة أحمد عويز.
محمد مكين، عالم صيني مسلم كرّس حياته لقضية تعليم اللغة العربية، ونشر الثقافة العربية في الصين، فهو مؤسس تخصص اللغة العربية في جامعات الصين، ومترجم الزعيم ماو تسي تونغ ورفيقه شو آن لاي، له أياد بيضاء بتعريف الشعب الصيني بالعالم العربي، ترجم القرآن الكريم إلى الصينية، والترجمة العربية لكتاب «الحوار» أهم كتب الفيلسوف كونفوشيوس.
كتاب «محمد مكين – علّامة اللغة العربية الصيني» واحد من الكتب الرائعة والشاهدة على نقل رسالة العلم والتعارف بين الحضارتين الصينية والعربية، ويغطي مرحلة حياة حافلة لهذا العالم الفذ، والذي تخرج في الأزهر عام 1939، توفاه الله عام 1978، ترجم كتاب «تاريخ العرب» لفيليب حتي، وكتاب «تاريخ شبة الجزيرة العربية» لمصطفى الدباغ، وأشرف على تأليف قاموس العربية الصينية.