الغد-عزيزة علي
في إطار الاحتفالات باليوبيل الفضي، نظمت لجنة القصة والرواية في رابطة الكتاب الأردنيين ندوة بعنوان "من رواد القصة والرواية الأردن"، تحدث فيها كل من: الشاعر هاني الهندي، الكاتبة ناريمان أبو إسماعيل، الدكتور عيسى حداد، وأدارها الروائي الأستاذ أسيد الحوتري.
تناولت الندوة حياة وإسهامات ثلاثة من رواد القصة والرواية في الأردن، وهم: "مؤنس الرزاز، خليل السواحري وجمال ناجي".
د. عيسى حداد تحدث عن جمال ناجي قائلا: "تناولت أعمال جمال ناجي موضوعات اجتماعية واقتصادية معقدة مثل العدالة الاجتماعية، الصراعات الاقتصادية والتفاوت الطبقي، إضافة إلى التركيز على قضايا الهوية الفلسطينية. مبينا أن ناجي اعتمد على الراوي العليم في العديد من قصصه، مما يتيح له التحكم في تقديم المعلومات والشخصيات. كما يتسم السرد بأسلوب بسيط ولكنه غني بالتفاصيل النفسية والاجتماعية".
وأضاف حداد يتميز البناء القصصي لدى ناجي باستخدام تقنيات مثل المفارقة والتشويق، حيث يبدأ القصة بمقدمة مشوقة تضع القارئ في صلب الحدث منذ البداية، مثلما يظهر في قصتي"الكحلاء" و"الحلاق". أما اللغة، فهي تجمع بين البساطة والعمق، حيث يتمكن من إيصال مشاعر معقدة ومعاناة الشخصيات بطريقة مختصرة ومباشرة.
ورأى حداد أن ناجي عمد إلى تغيير أنماط السرد بين راو مشارك وآخر عليم، ما يعكس تنوع زوايا النظر إلى الأحداث. أما اللغة في قصص ناجي، فهي تجمع بين التكثيف الشعري والبعد النفسي. وغالبا ما تبدأ القصص بمواقف مألوفة تنفتح على تطورات درامية مفاجئة، تقدم تباينا بين الأحداث اليومية والتصعيدات الدرامية. موضحا أن القصة القصيرة عند ناجي كانت تحمل في طياتها العديد من الأبعاد التي تعكس إبداعه الأدبي وتأثيره العميق في تطوير هذا النوع الأدبي في الأردن والعالم العربي.
وأشار حداد إلى أن ناجي يعتمد على بناء قصصي مكثف يتسم بالإيجاز من دون الإخلال بالمعنى ولغة ناجي بسيطة لكنها تنبض بالشاعرية. يتقن إدخال الرموز والإيحاءات من دون إفراط، مما يجعل النصوص مفتوحة على التأويل. إذ ركزت القصص على نقد التفاوت الطبقي، القهر الاجتماعي والمشكلات الأخلاقية في المجتمع. وصورت القصص الشخصيات الهامشية والبسيطة التي تعاني من التهميش والإقصاء مع تعمق صراعاتهم الداخلية.
وتحدث حداد عن روايات ناجي منها رواية "بلحارث"، وهي العمل الأول لناجي في المجالات الأدبية، ونالت حفاوة في الوسط الأدبي، حيث ظهرت تقنيات السرد الروائي عند ناجي، مبينا أن ناجي وضع في روايته هذه "الريف السعودي تحت المجهر"، متفحصا بيئته الصحراوية بدراية مستمدة من معايشته لها أثناء عمله معلما لسنوات عدة في قرية "بلحارث"، الواقعة أسفل جبال عسير. وبناء على تجربته الشخصية، ومعايشته لأجواء هذه القرية، يروي ناجي حكاية عدد من المعلمين الذين هاجروا إلى هذه القرية بحثا عن حياة أفضل. ومن خلال هذه الحكاية، يصور ناجي واقع الحياة في قرية "بلحارث".
أما في رواية "مخلفات الزوابع الأخيرة"، فأشار حداد إلى أن هذه الرواية جاءت على أجزاء من سيرة وتاريخ الغجر، حيث أطاح من خلالها بالصورة النمطية السائدة عن الغجر، لجهة العادات والتقاليد والتاريخ، والحكايات التي نسجت حولهم، مبينا أن هذه الرواية تبدو للوهلة الأولى بسيطة، غير أنها تسلك خطا سرديا معقدا فيما بعد.
أما في رواية "ليلة الريش"، كما قال حداد فقدم ناجي جديده لجهة مضمون الراوية، وذلك باشتغاله على نبش وتفحص عالم الأعمال والمال بدراية وعمق، كاشفا تأثير هذين العالمين على مصائر البشر، وإمساكهما بالقرارات السياسية الداخلية والخارجية لدول العالم، وإذ بنا إزاء بيئة يلفها الغموض، مشيدة الروابط الاجتماعية على الركض خلف ما يدر ربحًا، في ظل غياب واضح للمشاعر الإنسانية والروابط الاجتماعية.
ويعتقد حداد أن رواية "عندما تشيخ الذئاب"، هي الرواية ربما الأكثر شهرة على المستوى العربي كونها وصلت إلى القائمة الطويلة لـ"الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر" في دورتها الرابعة سنة 2010 وفيها، نبش ناجي القاع السفلي لمدينة عمان، ليضيء بذلك أمكنة معتمة تغرق، بسكانها، في مستنقعات تبدو فرص النجاة منها منعدمة ليضعنا إزاء "عمان" مختلفة ومجهولة، تطغى فيها المصالح على المبادئ. أما عن رواية "موسم الحوريات"، فيوضح حداد أنها جاءت مع اندلاع "الربيع العربي"، حيث وجد ناجي نفسه إزاء حاجة ملحة لكتابة عمل روائي يواكب هذا التحول التاريخي، ولكن بشكل غير مباشر أي أنه تناول المرحلة التي تلت الربيع العربي، ليحاول معالجة ما أفرزته هذه الثورات ورصد المتغيرات السياسية والاجتماعية التي طالت دولا عدة.
كما تحدث حداد عن رواية "غريب النهر"، التي اعتبرها بمثابة رواية تأسيسية، لا على صعيد الكتابة الروائية التي ترتحل بعيدا في الزمن الفلسطيني، منذ الحرب العالمية الأولى وحتى نهايات القرن العشرين، بل في بحثها الأعمق عن أسس تشكل الهوية والذات الإنسانية في هذه المنطقة الممتدة على طول بلاد الشام، فلسطين، الأردن، سورية ولبنان.
وخلص حداد في حديثه عن أعمال ناجي إلى الحديث عن المجموعة القصصية "رجل خالي الذهن"، مبينا أن ناجي اعتمد فيها على أسلوب مباغتة القارئ بالنهايات غير المتوقعة التي لا يمكن بلوغها إلا في السطر الأخير من القصة، إضافة إلى التكثيف الشديد والابتعاد عن الاسترسال بالنسبة إلى المضمون.
من جانبه، تحدث الشاعر هاني الهندي عن علاقته مع خليل السواحري قائلا: "تعرفت إلى خليل السواحري في 19/11/1987 عندما راسلني بالبريد وطلب مني الاتصال به فورا على رقم هاتفه، وتزويده بـ200 نسخة من ديواني الشعري الأول بعنوان "أطفال المنفى". كما طلب مني زيارته في دار الكرمل خلف حدائق الملك عبد الله، وبعد ذلك تعرفت إليه، وتكررت زيارتي له في مكتبه لأتعرف إليه أكثر فتعلمت منه الكثير سواء في الأدب، التاريخ والسياسة".
كما استعرض الهندي سيرة السواحري الذي ولد في قرية السواحرة التي تجاور القدس العام 1940، وتلقى علومه الابتدائية والإعدادية في مدرستها والثانوية في مدرسة الرشيدية في مدينة القدس، ثم بمعهد المعلمين في العروب، وحصل على دبلوم المعلمين العام 1960 في معهد العروب، وتابع دراسته الجامعية الأولى في جامعة دمشق حاملا إجازة في الدراسات الفلسفية والاجتماعية العام 1965، وحصل على الماجستير في الفلسفة من الجامعة اليسوعية في بيروت العام 1994.
وأضاف الهندي أن قوات الاحتلال الصهيوني قد اعتقلت السواحري أكثر من مرة بسبب حراكه ونشاطه في مقاومة الاحتلال قبل إبعاده إلى الأردن العام 1969 ليعود إلى فلسطين العام 1993 ضمن أول دفعة من المبعدين بعد اعتراف منظمة التحرير بالكيان الصهيوني. وهكذا ظلت أعمال السواحري تدور حول القضية الفلسطينية ومفاصلها، بدءا بالنكبة وانتهاء بالعودة التي تلت "اتفاقات أوسلو".
ثم استعرض الهندي الكثير من إبداع السواحري في مجال الثقافة، حيث إنه يمتلك ثقافة واسعة ففي مجال الصحافة عمل في مجلة الأفق الجديد التي كانت تصدر في القدس ما بين العامين (1961-1969)، عمل في صحيفة الدستور الأردنية كاتبا ومحررا ما بين العامين (1970-1985)، ثم أصبح مشرفا مسؤولا عن صفحات الملحق الثقافي في الجريدة حتى العام 1985 ما أتاح له رسم المشهد الثقافي وتبني المواهب الجديدة، إضافة إلى عموده اليومي تحت عنوان (أضواء) على الصفحة الأخيرة: وكتب في زاوية (7) أيام في صحيفة الرأي الأردنية بين العامين 1990 - 1993، حيث انتقل بعدها إلى الضفة الغربية للعمل هناك مديرا عاما للمكتبة الوطنية الفلسطينية. كما عمل محررا أدبيا في صحف محلية وعربية منها، صحيفة الأيام الفلسطينية التي صدرت في رام الله بين العامين (1996-1998)، مجلة الآداب اللبنانية، المنار وفلسطين.
وخلص الهندي إلى الحديث عن المجموعات القصصية التي أصدرها السواحري وهي: "ثلاثة أصوات" مجموعة قصصية مشتركة مع فخري قعوار وبدر عبد الحق (1972)، ولأن القدس تسكن في وجدانه كانت مجموعته القصصية تحمل عنوان (مقهى الباشورة) (1975). ومقهى الباشورة معروف ومشهور في سوق الباشورة في القدس القديمة، تناول فيها قصة الواقع الفلسطيني بعد احتلال حزيران مباشرة، خلال الفترة الممتدة ما بين حزيران (يونيو) 1967 وحزيران (يونيو) 1969، رصد فيها التحولات في المجتمع الفلسطيني (القرية والمدينة) قبل انطلاق الكفاح المسلح، بين فيها تدرج المقاومة من الإضرابات كما جاء في قصة مقهى الباشورة وانتهاء بآخر قصة من المجموعة التي تحمل عنوان "الذين مروا من هنا"، نالت هذه المجموعة إعجاب الكثيرين وكتب عنها كثيرون.
من جانبها، قالت ناريمان أبو إسماعيل: "إن مؤنس الرزاز، يعد ملهم الجيل الجديد من الكتاب فقد اقتبسوا منه أساليبه الأدبية ومواقفه الفكرية فقد كان رمزا للكاتب والإنسان الحر الذي يعبر عن قضايا وطنه وأمته بأسلوب أدبي دافئ، يركز فيه على الهوية والاغتراب، حيث صور القلق الوجودي الذي يعاني منه الإنسان العربي تنتجة التحولات السياسية والاجتماعية عبر الصراعات الأيدلوجية في العالم العربي، فكان مرآة تعكس الحياة الاجتماعية والسياسية بكل تحولاتها الكبيرة والصغيرة.
ورأت أبو إسماعيل، أن الرزاز قد ساهم في إعادة تشكيل الرواية العربية خاصة بمزجه بين الواقعية والرمزية بأسلوب فلسفي عميق. تناول منه قضايا الإنسان العربي بأسلوب الدمج بين السرد التقليدي والتقنيات الأدبية الحديثة بالتداخل الزمني وتيار الوعي، إضافة إلى تركيزه على قضايا الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية.
وخلصت أبو إسماعيل إلى أن كتابات الرزاز اتسمت بالسخرية الفريدة فلا ينقصها عمق في الفكر والثقافة والحرية، فجاءت السخرية هادفة تسلط الضوء على تناقضات الواقع العربي، ويعد النقاد روايات "أحياء في البحر الميت"، "متاهة الأعراب"، "اعترافات كاتم صوت"، هي جوهر مشروع الرزار الأدبي.