عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Apr-2019

البحث عن الحب في الأغنية*حسين نشوان

 الراي-لا تخرج الأغنية الأردنية عن الإطار الغنائي لبلاد الشام الذي ارتبط بالقوالب المعروفة، ومنها الدلعونا والعتابا وزريف الطول، وأغاني السامر والحداء والهجيني والشروقي.

 
إلا أن ما ميز الأغنية الأردنية في الستينات نزوحها إلى اللون الريفي، وتحديداً حينما انتقلت من التداول الشفاهي الارتجالي إلى البث الإذاعي الذي أعيد فيه إنتاج الموروث الغنائي بمرافقة الموسيقى.
 
وبقيت الأغنية الأردنية مخلصة لتراثها الذي ارتبط بالوجدان الاجتماعي عندما كانت تقوم بدورها الوظيفي خلال المواسم وطقوس الحياة والمعاش في الزراعة والحصاد والقطاف ونبع العين، وتصوير الفرح والبهجة في الأغنية العاطفية.
 
كان الموروث الغنائي هو النبع الذي غذّى الفنان والموسيقي لتقديم الأغنية التي ترتبط بالأرض والشجر والطير والكائنات التي تحيط بالبيئة، وحتى الذئب كان له مكان في الأغنية التي تبرز هموم الإنسان وأمنياته وتعكس روح البيئة الاجتماعية والطبيعية.
 
ومن هنا فقد انشغلت الأغنية الأردنية في رصد مشاعر الإنسان وذاكرته وأحلامه وحنينه وأحيانا أحزانه، ومن الأمثلة على ذلك: على جناح الطير، لوحي بطرف المنديل، ريفية وحاملة الجرّة، أنا من العقبة، يلّا على وادي السلط، كيف أنام الليل يا سليمى، إن شفتها يا طير، خلّي يا خلّي، يا طير يا مغرِّب، جدِّلي يا أم الجدايل، بيّا ولا بيك، قلبي يهواها البنت الريفية، يا عنيِّد، مَرِّن وما معهن حدا، ع العين موليّتين، يا هلا بالضيف، بلّا تُصبّوا هالقهوة، ريدَها ريدَها، بين الدوالي، وين ع رام الله، برجاس، رفّ الحمام، قوم درّجني، دقّ المهباش، يا ديراوية، مندل يا كريم الغربي، يا بو قضاضة بيضا.
 
وهذه الألوان هي التي ميزت الأغنية الأردنية ببساطة كلماتها وعذوبة ألحانها وتعبيرها عن البيئة وارتباطها بها، واستطاعت أن تخلق أنموذجًا متفردًا طالما قلّده الفنانون العرب.
 
ومع التحولات السياسية، لم تَغِب الأغنية التي ارتبطت بالوجدان عن دورها الوطني، فقدمت نماذج من الأغنيات والأهازيج الوطنية التي تعبّر عن ارتباط الإنسان بالأرض وحبه لها، فكانت أغاني: أنا الأردن، وضّاء وجهُك يا وطني، حبيبي يا وطني، حنّا كبار البلد، رَبع الكفاف الحمر، أردن يا حبيبي، أرخت عمّان جدائلها، عمّان في القلب، أردنّ أرض العزم، وغيرها كثير.
 
في نهاية التسعينات، بدا وكأن الحب والجمال جفّت ينابيعه في قلب الأغنية الأردنية، وبدأت موجة تحوّل التراث الغنائي إلى ضجيج -مع استثناءات هنا وهناك بالطبع- وهو تحوّل يشير إلى فهم سطحي للأغنية بعامة، وللأغنية الوطنية بخاصة، التي يتطلب نجاحها عذوبة كلماتها وجمالها، ورقّة ألحانها، وجودة بنائها الفني ورسالتها الإنسانية.
 
هذا النوع من الغناء بما يرتبط في الوجدان ويؤثر في مزاج الأجيال، ساهم بشكل أو بآخر في إدخال الإحساس بالقلق على الوطن من تهديدٍ «افتراضي» وتوتيرٍ قهري يتجلّى في سيكولوجية يعبّر عنها المستمع بنزعة عدوانية أو لا أبالية، وهو ما ساهم في فهمٍ مغلوط للوطن وللوطنية، وتخريبٍ للذائقة الجمالية، وخلطٍ للحابل بالنابل، وطردٍ لنمط جميل من الغناء، وتجفيفٍ لمشاعر الحب التي يجتمع عليها أبناء الوطن بفضاءٍ ما هو إنسانيّ خلّاق.