السرقة عند الأطفال.. لفت للانتباه يستدعي تدخل البيت والمدرسة
مجد جابر
عمان -الغد- فوجئت الثلاثينية إيمان عبدالله من استدعاء إدارة المدرسة لها، التي أكدت أن هناك أمرا يخص طفلها في الصف الثاني الأساسي، وبعد اللقاء علمت بأن صغيرها يسرق المال والأدوات من زملائه.
لم تستوعب الأم الأمر، ورفضته بشدة، مشككة بحقيقة ما يرويه الكادر التدريسي، إلا أن معلمة الصف أخبرتها بأنها تقدر شعورها وتتقبله، وفي الوقت ذاته نصحتها بمراقبة طفلها وأدواته ومصروفه، ولها الحرية بعد ذلك في التصديق أو النفي.
أخذت إيمان بالنصيحة، ولاحظت بأن صغيرها يعود دائما وبحوزته “فراطة”، بحسب وصفها، وبعد سؤاله مرات عدة، وإنكاره الحقيقة، اضطرت إلى تخويفه بأنها ستخبر والده إن لم يصرح لها من أين له هذه النقود، مبينةً أنه اعترف بأنه يأخذ مصروف زملائه كلما سنحت له الفرصة.
تصف إيمان شعورها بهذه اللحظة، بأنها تمنت لو أنها لم تستمع لحديثه وأفعاله، حتى يبقى لديها نسبة “شك”، فالصدمة والذهول والحزن جعلتها تقف مكتوفة اليدين، لا تدري كيف تتعامل مع المشكلة، خصوصاً وأنهم ميسورو الحال، ولم يقصروا يوما بأي من متطلبات ابنهم.
وتضيف أنها بعد التحدث الى زوجها قررا أخذه الى أخصائية نفسية للأطفال ليتضح لهما بأن ابنهما يسرق ليثبت بأنه قوي أمام الطلاب الذين يشكلون “زعامات” في المدرسة، معتبرا أن هذه الطريقة تميزه وتثبت وجوده بين أقرانه.
في حين أن هبة إبراهيم لاحظت سلوك ابنتها الغريب أيضا، ففي كل مرة تصطحب ابنتها للتسوق، تجدها تضع أشياء بسيطة في جيبها، مبينة أنها في البداية اعتقدت بأنها مقصرة مع ابنتها، وهذا ما يجعلها تأخذ بدون علم أحد، حتى فتحت لها المجال لتشتري ما يحلو لها، إلا أنها فوجئت بعدم توقف ابنتها عن هذا السلوك الخاطئ.
تقول هبة إنها صدمت كثيراً من سلوك ابنتها الذي لا تعرف أسبابه وعاقبتها، إلا أن الأمر حال دون فائدة، لافتةً الى أنها أخبرت والدها، الذي قام بدوره بالتحدث معها، وتأكيده بأنه سيعاقبها لو استمرت بتكرار السلوك ذاته.
أما الأم علا، فخافت من انتقال السلوك لابنتها، فقد اعتادت أن تذهب ابنتها يومياً بعد إنهاء دراستها مع ابنة جيرانهم للسوبرماركت، لشراء “حلويات” تأكلها في المدرسة لليوم التالي. وفي أحد الأيام، عادت ابنتها وهي على غير طبيعتها، وعند سؤالها عن السبب أخبرتها بأن ابنة جيرانهم استغلت انشغال البائع بمحاسبتهما، وقامت بوضع أشياء مختلفة في جيبها بدون أن تدفع ثمنها، وعند خروجهما كانت تشعر بأنها تمكنت من استغفاله وانتصرت عليه.
صدمت علا بكلام ابنتها، وأخبرتها بأن هذا التصرف خاطئ ومحرم ومناف للتقاليد وتعاليم الدين، وأنها ستذهب لتتحدث مع والدتها، وستتخذ إجراء بقطع علاقتها مع هذه الفتاة.
إلا أن الصدمة الكبرى كانت عندما حاولت علا أن تخبر جارتها بالموضوع، وهي محرجة جداً، وكيف سيكون ذلك، الا أنها بعد أن استجمعت قواها وأخبرتها بما فعلته ابنتها جاء رد الوالدة الصاعق بالنسبة لها “عادي فهو دائما يسرق ويربح منا”.
من هنا أدركت علا أن الخلل ليس من الفتاة، إنما من عائلتها في الأساس، وحذرت ابنتها من التعامل معها مرة أخرى، بأي شكل من الأشكال.
وفي ذلك، تذهب اختصاصية علم النفس والمختصة في شؤون الأطفال د. أسماء طوقان، إلى أن السرقة عند الأطفال هي استحواذ الطفل على أشياء ليست ملكا له، وهي سلوك مرضي يعبر عن حاجة نفسية لديه تحتاج الى إشباع.
فقد يلجأ الأطفال الى السرقة لأسباب عدة ودوافع مختلفة، وأهمها عدم معرفته معنى الملكية، فقد يسرق لعبة أحد الأطفال لأنه يحبها، ويعتبر أن ما فعله ليس سلوكا سيئاً، وذلك لأن كلا من نموه العقلي والاجتماعي لا يمكنه التمييز بين ممتلكاته وممتلكات الآخرين.
وأحيانا بسبب الغيرة والانتقام فقد يسرق الطفل من أحد والديه، لقسوته عليه أو عقابه بشكل صارم، فيستخدم أسلوب السرقة للانتقام، أو عندما تكون الأم شديدة الحرص على بعض الممتلكات، فقد يتولد عند الطفل الفضول وحب الاستطلاع، فيقوم بسرقة الشيء لمعرفة ما تقوم والدته بإخفائه عنه، وفق طوقان.
بالإضافة الى أن بعض الأطفال يقومون بالسرقة لإثبات أنهم الأقوى، وخاصة أمام رفقاء السوء، وبعضهم يشعر بمتعة هذا العمل، أو قد يسرق الطفل رغبة منه في تقليد من هم أكبر منه سناً، وقد يكون سببه الحرمان العاطفي، فيشعر الطفل بالحرمان من الحنان والاهتمام، ويقوم بالسرقة لجذب الانتباه إليه، والخوف من العقاب عند إضاعة شيء ما. وتضيف طوقان “يجب على الأهل التصرف بعفوية واحتواء الطفل، والبحث عن الأسباب التي أدت الى السرقة سواء من داخل البيت أو خارجه، الى جانب ضرورة توضيح معنى الملكية للطفل، وذلك بتخصيص خزانة لأدواته، بالإضافة الى إشباع حاجات الطفل المادية والمعنوية، وغرس مفهوم الأمانة كسلوك إيجابي في نفوس الأطفال.
وتشير طوقان الى أنه يجب على الوالدين والمدرسين أن يشرحوا للأطفال في عبارات سهلة عن خطورة السرقة من حيث تعاليم الدين والقانون، واستخدام أسلوب الحوار والنقاش حول المشكلة، وذلك لكسب ثقة الطفل والابتعاد عن العقاب والذم والتوبيخ.
وتضيف “يجب على الأهل ألا يصابوا بالصدمة نتيجة سرقة ابنهم، وألا يقوموا بالدفاع عنه حتى لا يتطور الأمر، ويبدأ الطفل بالكذب عليهم”، مبينة أن عليهم أن يتعاونوا في حل المشكلة، ويطلبوا منه إرجاع ما قام بسرقته، والاعتذار من الشخص الذي قام بسرقته.
وتوضح “إذا قام الطفل باستهلاك ما سرقه، فيجب أن يخصص من مصروفه لشراء بديل منه وإرجاعه، لكي يتحمل المسؤولية، ولا يكرر هذا السلوك”.