عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Nov-2024

تأثيرات إدارة ترامب الثانية على السياسة الدولية (1)*د. عادل الحواتمة

 الراي 

إذا ما اعتبرنا فوز ترامب متغيرًا تابعًا لتفاعلات البيئة الداخلية الأمريكية، فإنه دون أدنى شك، سيكون متغيرًا مستقلًا، يمكن قراءة فاعليته ضمن هياكل البيئة الدولية. تحاول سلسلة المقالات هذه أن تتوقع شكل التأثيرات المُحتملة لإدارة ترامب الثانية على السياسة الدولية، وأولها ذلك التأثير على العمل الجماعي العربي من خلال جامعة الدول العربية وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بشكل خاص، ومدى احتمالية أن يكون هناك دور مميز للجامعة، وهذا ما سيقوم به هذا المقال. بينما ستُعنى المقالات القادمة باستكشاف تلك التأثيرات المُحتملة?على العلاقات مع أوروبا، وبشكل خاص مستقبل وفاعلية حلف الناتو، والموقف من أوكرانيا. وايضًا التأثيرات المحتملة على العلاقات مع الصين، من حيث إعادة استكشاف طبيعة ومستقبل وآثار التنافس التجاري، وتايوان، وايضًا إلى حد ما الطموحات الصينية لتغيير النظام الدولي ليكون متعدد الأقطاب. ولا يمكن ايضًا تهميش الدور المحتمل للتأثير على روسيا من خلال الملف الأوكراني، وتلك الطموحات التي تشارك الصين بها فيما يخص النظام الدولي، ومجموعة بريكس.
 
إن محاولة الاشتباك الأكاديمي، للتعرف إلى تلك التأثيرات، ضرورية؛ من حيث أن الفهم الصحيح لتلك التأثيرات، ووضعها في سياقاتها التحليلية المناسبة، يمحنا القدرة على تفسير السلوك السياسي للدول. هنا في هذا المقال، ستكون المحاولات في سياق صحفي وبنكهة أكاديمية، وستكون بشكل مُبسط، بينما تقوم مراكز الدراسات والأبحاث بشكل معمق، بمحاولة فهم هذه الظواهر؛ حتى تتعرف على الأسباب التي ساهمت في تشكيلها، لتجنب حدوث مثل تلك الظواهر في المستقبل من خلال إخضاعها للمنهجية العلمية.
 
التعرف على تأثيرات الإدارة الأمريكية الجديدة على منظمة الجامعة العربية، يطرح تساؤلات حول أهمية ودواعي التنظيم الإقليمي، وفاعليته في البيئة الدولية من منظور الأمن الجماعي، والمساهمة بتعزيزه بشكل أساسي. لا تقاس الفاعلّية عادًة بالاعتماد فقط على دور العامل المُؤثر، على الرغم من أهميته، بل تمتد ايضًا إلى دور الظروف والبيئة المُحيطة، كما تشمل بُنية وطبيعة المُتأثر؛ من حيث مدى الاستعداد للوفاء بتحقيق الأهداف، والقدرة على المقاومة، ودرجة التماسك، والتطبيق الفعلي لنصوص المواثيق المُنشئة لتلك الكيانات، وغيرها. بالم?ابل تكاد تكون توجهات السياسة الأمريكية الجديدة نحو القضية الفلسطينية، وبشكل خاص تجاه القتال الدائر في غزة، معروفة للجميع، ويمكن استقرائها من خلال عدة عوامل مثل: حجم الدعم الأمريكي لحكومة نتنياهو خلال الولاية الأولى، ونقل السفارة، وقوة التصريحات والوعود في انتخابات 24، والتي تتضمن الإعلان التام عن دعم إسرائيل وإدانة حركة حماس، وايضًا درجة تعقيدات الموقف على الأرض وما ينبني عليه من قوة المواقف التفاوضية، وكيفية تصور ترمب للولاية الثانية والأخيرة، واخيرًا قوة وفاعلية الجامعة العربية، والدور المنوط بها.
 
من المؤسف القول إن دور الجامعة العربية اليوم قد خفت نجمه، إذا ما تم اعتبار فاعلية نسبية له في مراحل سابقة رافقت التأسيس، وشهدت وجود قيادات سياسية ومؤسسية أسهمت بالفاعلية بشكل أكبر. فمؤتمر اللاءات الثلاث الشهير في الخرطوم 1967 بحضور المغفور له الملك الحسين بن طلال، حول دعم القضية الفلسطينية والدول التي شاركت بحروب ضد إسرائيل يعتبر مثالًا على حيوية الجامعة. بالمقابل، نجد الجامعة اليوم قد فقدت، أو أُفقدت تلك الحيوية والهدف الذي أنشأت من أجله. فلقد اجتمعت مرة واحدة على مستوى القمة لبحث العدوان الأخير على غزة، ?كانت بياناتها لا ترقى لمستوى الحدث. وهذا مؤسف، فنحن الآن بتنا فقط نبحث عن بيانات فعّالة أو مزلّزلة، وقد يأسنا أو استبعدنا إمكانية وجود فعل جماعي عربي.
 
عودة ترمب تذكرنا بأجندته السابقة في المنطقة. وهو المتحمس القادم، ولديه الكثير من الخصومات والثارات التي يريد تسويتها بطريقة تظهره منتصرًا. إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة بمفهومنا، وإعادة المختطفين وإنهاء الحرب بتصور ترامب أولوية لديه، وهذا جيد، ولكن تكمن الإشكالية بكيفية التسوية بناءً على مخرجات التفاوض غير المتوازن. وهنا كيف يمكن قراءة فعالية الجامعة، أو درجة اشتباكها مع تلك الملفات، وبشكل أساسي ما يخص القضية الفلسطينية. حيث يمكن النظر لهذا الدور من خلال ثنائية المأمول والمتوقع. فالدور المأمول» المفترض»?مرتبط بشكل أساسي بميثاق الجامعة وكينونتها؛ من حيث ضرورة أن تبرّر الجامعة أسباب وجودها أو استمرارها، عن طريق سلوكيات تترجم النوايا والأهداف، وتعيد بناء الثقة مع الجماهير العربية. وبناءً على ذلك فإن مقاومة السياسات الجديدة والتي تستهدف العالم العربي، وتبنّي مواقف ضمن مستويات مختلفة لنصرة القضية الفلسطينية يجب أن يطبع سلوك الجامعة. فيما الدور المتوقع، والذي يعد امتدادًا للماضي، سيكون، للأسف منزوع الفاعليّة، ما لم تتغير عوامل إنتاجه. فهناك احتمالية ضعيفة أن تمتلك الجامعة دورًا فاعلًا في هذا الإطار.