عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Jan-2025

"الدبلوم".. حينما يكون جسرا نحو فرص جديدة بسوق العمل

 الغد- ديمة محبوبة

"الحياة تتغير وتتسارع بخطوات كبيرة"؛ هي واحدة من العبارات التي تُسمع باستمرار، في كل جلسة ومع أي شخص. هذه التغيرات لا تقتصر على جانب واحد، بل تشمل كل مجالات الحياة، بما في ذلك المهن. في الوقت الذي نعيش فيه اليوم، هنالك مهن تندثر وأخرى تظهر لتحل مكانها. ومع هذا الواقع المتغير، تغيرت أيضا رؤى بعض الأفراد لحياتهم ومستقبلهم الوظيفي.
 
 
في السنوات الأخيرة، أصبح التوجه نحو دراسة الدبلوم في الكليات التقنية والمهنية، خاصة بعد التخرج في الجامعة لتجربة العمل بتخصصات جديدة. البعض يرى في هذه الخطوة فرصة لتوسيع مداركهم وإثراء خبراتهم في مجالات لم يدرسوها أكاديميا. بينما يجد آخرون فيها طوق نجاة، بعد اكتشافهم أن تخصصاتهم الجامعية لم تكن الخيار الأمثل لهم، أو أنهم لم يجدوا أنفسهم في الوظائف والأعمال التي التحقوا بها بعد التخرج.
 
يتحدث محمد ياسر، شاب في العشرينيات، عن رحلته المهنية بعد تخرجه من كلية الهندسة، حيث لم يشعر يوما بالشغف تجاه العمل في المكاتب الهندسية. بعد سنوات قليلة من العمل في إحدى الشركات، قرر أن يغير مساره بالالتحاق بدبلوم في التصميم الجرافيكي بإحدى الكليات التقنية.
 
 
يقول محمد: كنت أشعر أنني أمارس عملا لا يشبهني. دراسة الدبلوم منحتني فرصة حقيقية للغوص في عالم فيه الشغف والإبداع، واكتشاف الذات. اليوم، أمتلك مشروعي الخاص الذي أروج له عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أنشر أعمالي وتصميماتي بعيدا عن الخضوع لشروط عمل مرهقة، أصبحتُ الآن أعمل بحرية. عملي ملكي، ومجهودي يصب في مستقبلي".
فاطمة، خريجة قسم الاقتصاد، لم تكتفِ بشهادتها الجامعية فقط، بل سعت لتوسيع آفاقها المهنية من خلال دراسة دبلوم في البرمجة. تقول إن الفرص في سوق العمل اليوم تتطلب مهارات عملية. الدبلوم زودها بأدوات جديدة جعلتها مختلفة عن منافسيها بالوظيفة. الآن لديها خيار العمل في مجالين مختلفين، بل وحتى إمكانية تغيير مسارها المهني بالكامل.
من جانبها، تشير أستاذة الاتصال في إحدى الكليات الدكتورة بيان فايز، إلى أن هذا التوجه يعكس وعيا متزايدا بأهمية التعليم المستمر. وتضيف أن المجتمع اليوم يتغير بوتيرة سريعة، ولم تعد الوظائف التقليدية كافية لتحقيق طموحات الكثيرين، وأصبح الناس أكثر انفتاحا على فكرة إعادة اكتشاف أنفسهم مهنيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدراسة في الكليات التقنية أقل تكلفة، وغالبا ما تكون مرنة، مما يجعلها خيارا متاحا للكثيرين.
توضح فايز أن لديها طلابا من أعمار وخلفيات مختلفة. فمنهم من لم تسمح له ظروف معدله الدراسي أو وضعه المادي بالالتحاق بالجامعة، وآخرون لم تسنح لهم الفرصة للدراسة بعد إنهائهم الثانوية العامة، فاضطروا للعمل لكسب المال قبل أن يعودوا الآن للالتحاق بالكليات التقنية. وتضيف أن من بين طلابها شخصا يحمل درجة الدكتوراه، لكنه محب للتعلم ويسعى لتوسيع معرفته في مجال مختلف عن تخصصه الأكاديمي، وهو يدرسه حاليا في الكلية.
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى أن برامج الدبلوم تلعب دورا مهما في سد فجوة المهارات بين مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل. ويؤكد أن بعض التخصصات الجامعية الأكاديمية قد لا تواكب التحولات السريعة في الاقتصاد الرقمي، بينما توفر الدبلومات برامج مكثفة تركز على المهارات التي تتماشى مع السوق حاليا.
 
 
ويضيف عايش أن من مميزات برامج الدبلوم أنها أقصر زمنيا مقارنة بالدراسة الجامعية، وتكاليفها أقل بشكل كبير. كما أنها تقدم غالبا بنظام مرن مثل الفترات المسائية أو التعليم عن بعد، مما يسمح للعاملين بإكمالها دون الحاجة لترك وظائفهم.
وتجسد حالة ليلى الخطيب، البالغة من العمر 34 عاما، هذه الفكرة، وهي معلمة في مدرسة خاصة، التحقت بدبلوم في إدارة الموارد البشرية بعد انتهاء دوامها اليومي كمعلمة. حيث كان هذا الخيار مثاليا لها من حيث التكلفة والوقت.
تتحدث الدكتورة بيان عن طالبة تعمل مندوبة مبيعات، وكانت تعتقد أن هذه الوظيفة ستكون نتيجة مثالية لدراستها في مجال التسويق. 
ومع ذلك، لم تجد نفسها في هذه الوظيفة، مما دفعها إلى دراسة الدبلوم بدافع حب التعلم واستكشاف مسارات جديدة. 
تمكنت من اكتشاف شغفها بمهنة جديدة أبدعت فيها، فإلى جانب عملها في التسويق، بدأت تسوق لنفسها كمصورة في المناسبات الخاصة. اليوم، تفكر جديا في إطلاق مشروع خاص بتنسيق المناسبات، مثل أعياد الميلاد، وحفلات الأطفال، والأعراس، مع تقديم خدمة متكاملة تشمل التصوير، الترتيب، وتنظيم المناسبات بالكامل.
تتوقع الدكتورة بيان أن يزداد الإقبال على دراسة الدبلوم الأكاديمي والمهني، مشيرة إلى أن هذه الدراسة لا تضع الفرد في قالب وظيفي محدد فقط، بل تمنحه مرونة للابتكار ومواكبة سوق العمل المتغير والذي يتجدد باستمرار. وتوضح أن البرامج الأكاديمية التقليدية لم تعد الخيار الوحيد، حيث أصبح الناس يبحثون عن حلول سريعة وعملية لتعزيز فرصهم المهنية أو للانتقال إلى مجالات أخرى.
وتؤكد أن الدبلوم اليوم ليس مجرد شهادة إضافية، بل هو فرصة لفتح آفاق جديدة. والرهان الأكبر يكمن في قدرة الأفراد على استثمار هذه الفرصة لتحقيق التوازن بين طموحاتهم وواقعهم المهني.