الغد-عزيزة علي
تجمع رواية "شمس الضَّاحية"، للروائية الأردنية صفاء فارس، بين الأدب النفسي والاجتماعي، فتبرز أثر المكان والزمن في تشكيل وعي الشخصيات وصراعاتها الداخلية، مع التركيز على الصراع النفسي كقوة محركة للأحداث.
بأسلوب سردي يشبه الدوامة، تدعو الرواية القارئ للمشاركة في صناعة المعنى، حيث تترك نهايتها مفتوحة على التأويل، كأنها مرآة تعكس تجارب القارئ الخاصة.
تصعد الروائية في روايتها التي صدرت عن "الآن ناشرون وموزعون"، إلى عالما حميميا ومعقدا في آنٍ واحد، حيث تتقاطع الحياة الإنسانية مع صراعات النفس الداخلية.
الرواية رحلة في ثنايا الهشاشة البشرية، تكشف عن ثنائيات متقابلة: النور والظلام، العقل والقلب، الحب والخوف، التجلّي والغموض، لتسبر أغوار المشاعر والأفكار التي تحرك الشخصيات وتحدد مصائرها.
وتتوزع أحداث الرواية على ثلاث حكايات متوازية، لكل شخصية منها صوتها الخاص: سديم، الكاتبة الشابة التي تبحث عن ذاتها بين أسئلة الإبداع والوجود؛ جُمانة خالد، الفنانة التشكيلية التي تواجه تحديات الحياة بتصميمها وموهبتها؛ وأم يامن، التي تحمل في رتابة يومها وهواجسها أثر الزمن والمحن على الذاكرة والروح. وبين هذه الحكايات تتكشف تفاصيل دقيقة عن حياة المجتمع الأردني، عن الحب، الفقد، والشغف، وعن الصراعات اليومية التي تفرضها الحياة على الجميع بلا استثناء.
تضم الرواية ثلاث حكايات رئيسة: الأولى لسديم، الكاتبة التي تخوض تجربتها الإبداعية في ظل أسئلة الذات والحياة؛ الثانية لجُمانة خالد، الفنانة التشكيلية التي تواجه مصائر معقدة؛ والثالثة لأم يامن، التي تعيش حياة رتيبة تعاني فيها صداعا مزمنا ومعاناة مع جراح الذاكرة.
وبين هذه الحكايات تنبثق تفاصيل تعكس قسوة الحياة وتقلباتها، تلك التي تمنح العشاق لحظات شغف جامح، ثم قد تفرق بينهم بلا رحمة.
تنتمي الرواية إلى أدب علم النفسي الاجتماعي، حيث يتشارك مجموعة من الأبطال المكان والزمان، وتدور بينهم صراعات متعددة تكشف كوامن النفس البشرية بما فيها من عقد وجماليات.
وتقدم الطحاينة عبر سردها لوحة اجتماعية ترصد علاقات الناس في الأردن، وتبرز أثر المكان واستراتيجيته وجغرافيته في تشكيل وعي الشخصيات وصراعاتها.
ويحتل الصراع النفسي مركز الثقل في الرواية؛ حيث تتشكل دينامية سردية تدفع الأحداث في مسار حلزوني يشبه الدوامة.
وفي الوقت نفسه، تفتح الرواية بابا للانفراجات، وتترك نهايتها مواربة ليشارك القارئ في إنتاج معنى موازٍ للنص.
الرواية جاءت في مجموعة من الوحدات السردية، كل واحدة منها تحمل عنوانا دالا، على غرار أولى تلك الوحدات التي حملت عنوان: "شمس الضَّاحية"، وفيها نقرأ: "عاد المتقاعد العسكري خالد إبراهيم بشريط ذكرياته إلى الوراء، حين تردد في اتخاذ قراره بالرحيل إلى ضاحية الرشيد منذ عشرين عاما، وقلقه من عدم التأقلم والتعايش مع أناس يفتقرون إلى الألفة والتقارب، واهتمام السكان بجيرانهم، وانصهارهم في قالب من الوحدة والتضامن.
خاف حينها أن يندم إذا غمره شعور بالفقد والحنين إلى الحميمية الدافئة التي يتميز بها بيته الشعبي في عمان الشرقية، حيث تتلاصق البيوت العتيقة والجدران، وتنطوي ألفتها على الحارات المزدحمة والشوارع الفرعية والأزقة الضيقة، وتنبض بروح سكانها البسطاء، وترتبط بينهم علاقات اجتماعية وثيقة.
تفوح من كل بيت فيها روائح الطبخ والزعتر والميرمية، وتحيط بطرقاتها الأشجار المعمرة التي تشاركهم تفاصيل حياتهم وذكرياتهم.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة فخر ورضا عندما تذكر أنه من أطلق مسمى (شمس الضاحية) على المبنى الذي رحل إليه مع زوجته وابنته جمانة؛ لأن الشمس تشرق من خلف مبناهم، ويُلمحونها تغيب على استحياء خلف المباني المقابلة، تعلوها حمرة الخجل، تودع الأفق الأحمر الموشح بالأرجوان في لحظات صمت تخطف الأنفاس. لكنه الآن يعد نفسه محظوظا بشراء هذه الشقة الأرضية قبل أن توضع لبنة الأساس الأولى في المبنى.
بينما تعرضت الشقق الثلاث التي تعلوها للاستئجار مرارا من ملاكها، حتى استقرت الشقة في الطابق الثالث والأخير مع (الروف) على رجل في مقتبل العمر، تزوج حديثا، فاشترى الشقة وأجرى الصيانة اللازمة لها، ثم سافر مع زوجته إلى دبي للإقامة والعمل.
ومنذ عامين، تخرجت ابنة أخيه سديم من الجامعة، وحلت ضيفة دائمة للمكوث فيها طوال فترة غيابه، والاهتمام بها أثناء بحثها عن وظيفة مناسبة في عمان، في حين استأجرت السيدة أم يامن إحدى الشقق منذ صيف العام الماضي.
صرحت أم يامن أنها اختارت الشقة في الطابق الثاني لأنها الأقل قسطا في الإيجار، وقد أثقل الهم كاهلها بعد أن سافر زوجها، تاركا إياها وحيدة برفقتها.
أما شقة الطابق الأول، فما زالت معروضة للإيجار، تعاني بلا مالك يسكنها أو مستأجر! وبحكم الشهامة والمروءة، رأى السيد خالد نفسه مسؤولا عنهن في (شمس الضاحية)، وكان اهتمامه النابع من أبويته ونبل أخلاقه محل ترحيب الجميع، خاصة سديم التي عهدها عمها أمانة عنده ليعتني بها كأنها ابنته!"