بالقلم الأحمر: العازبات... نصف مواطنات!* الجازي طارق السنافي
الجريدة -
رغم تطوُّر القوانين والقرارات التي تُعنى بحقوق المرأة، فإن المرأة العزباء لا تزال تعيش على هامش الأولويات، في مجتمعٍ يربط قيمتها بالزواج، ويُقصيها من استحقاق السكن والدعم. تواجه هذه الفئة خرس القوانين، ونظرة اجتماعية تختزلها في عبارة: «امرأة لم تتزوج بعد». وقد آن الأوان لإعادة تعريف المواطنة بمعزلٍ عن الحالة الاجتماعية.
قرأت أخيراً منشوراً لمواطنة عزباء تستنجد، بعد أن أُغلقت الأبواب في وجهها، لا لسبب سوى أنها «عزباء». وهذه الحالة ليست فردية، بل هي واحدة من مئات – إن لم تكن آلاف – الحالات المماثلة في المجتمع. تقول باختصار:
«أنا فتاة عُمري 35 سنة، يتيمة الأبوين، باع إخوتي البيت، ولم أحصل على نصيب يكفيني لشراء سكن. حاولت استئجار مكان محترم، لكن الجميع يرفض، بسبب أنني غير متزوجة، أو يطلب إيجاراً لا يقل عن 450 ديناراً، ومعاشي لا يكفي. أمامي مهلة شهرين، ولا أعلم إلى أين أذهب».
هذه ليست قصة استعطاف، ولا مشهداً من رواية خيالية، بل هو واقع صادم، وجريمة صامتة يُمارسها المجتمع بحق العازبات يومياً. مجتمع يرى الأنثى بلا زوج نصف مواطنة: لا سكن، لا دعم، ولا اعتبار، إلا بورقة زواج.
والعجيب أن العازبة لا تطلب قصراً ولا فيلا فاخرة بواجهة بحرية، كل ما تطلبه هو سكن يليق بكرامتها.
في المقابل، هناك مكاتب عقارية ترفض تأجير غير المتزوجات، فيما رجال مطلقون – دون أبناء – ينعمون ببيوت حكومية فاخرة، يعيشون فيها وحدهم كأنهم ملوك!
فإلى متى تُعامل العازبات كأنهن حالة مؤقتة؟ وإلى متى يُربط الاستحقاق بوجود «الزوج»؟
المرأة مواطنة كاملة، لا تُقاس قيمتها بمشروع زواج، ولا يكتمل وجودها بخاتم في اليد.
آن الأوان للاعتراف بحقها في السكن، وفي الأمان، من دون أن تُجبر على استجداء غرفة أو زاوية للعيش.
نحن لا نتحدَّث عن رفاهية، بل عن حق أساسي في المأوى، تُحرم منه نساء فقط لأن «القانون» لا يعترف بوجودهن دون زوج.
هناك حلول واضحة لهذه الأزمة:
أولها، سنّ قانون يمنع بيع بيت الورثة إذا كانت تسكن فيه عازبات من بنات أو أخوات المتوفى.
ثانياً، توفير سكن بديل طويل الأمد لمن لا مأوى لهن.
ثالثاً، إعادة فرز مستحقي السكن الحكومي، وسحب وثائق التمليك من غير المستوفين للشروط، مثل الرجال المطلقين الذين يعيشون وحدهم في بيوت حكومية من دون وجود أبناء.
رابعاً، إصدار تشريعات تمنح العازبات في ظروف معيشية صعبة، حق السكن الآمن.
وأخيراً، نشر وعي مجتمعي وقانوني يُعيد تعريف معنى الكرامة، بعيداً عن الزواج كمقياس وحيد للاستحقاق.
بالقلم الأحمر:
الكرامة لا تُقاس بخاتم في اليد أو ورقة وعقد، بل بمفتاح في الباب.