سعيد أبو معلا
رام الله- غزة- «القدس العربي» «الصحافة لا تطلق النار» هذا نص الشعار الذي كتب على «تي شيرت» باللون الأسود ووزع على الصحافيين في مدينة رام الله غداة إطلاق ملتقى «لمة صحافة الثاني» الذي حمل عنوان «الإعلام الفلسطيني في زمن الإبادة»، وشهد حضور حشد كبير من الصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين من عموم مناطق الضفة الغربية الأسبوع الماضي.
ودار نقاش طويل على الأسباب التي دفعت بالصحافيين إلى المشاركة بفعالية في فعاليات الملتقى وكان من بين أسبابها ان اللقاء والتواصل والنقاش يعززان من الشعور بالأمان، ويلبيان حاجة الصحافيين في الحديث مع بعضهم البعض على أمل أن يكونوا جسدا مهنيا واحدا يدافع عن حقوقه بعد عامين من حرب الإبادة الإعلامية التي كانت قرينة لحرب الإبادة في القطاع.
ورغم صعوبات التواصل عبر الفيديو مع القطاع في ظل ضعف خدمات الإنترنت إلا أن القائمين أصروا على أن تكون جلسة الافتتاح خاصة بالصحافيين في قطاع غزة حيث شارك في الجلسة مجموعة من الصحافيين والصحافيات.. وكانت بمثابة اعتراف بدورهم وتقدير لجهودهم، حيث جاءت الجلسة من دير البلح التي أدارتها الصحافية نسمة حلبي، تحت عنوان «الإعلام الفلسطيني بين نار الحرب وتحديات العصر».
تحولات سببها الصحافيون
أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية نائب المفوض العام للهيئة المستقلة، كان من بين المتحدثين في الجلسة التي قدم فيها تحليلا طويلا ووصفا لتحولات الرواية- السردية الفلسطينية في بداية الحرب وصولا إلى انقلاب هذه السردية ووصولها إلى جميع أنحاء العالم بفضل جهود اسطورية قام بها الصحافيون في القطاع.
وقال الشوا: «بدأت الحرب على غزة وكان هناك قلق كبير على الرواية الفلسطينية في ظل أن العالم تبنى الرواية الإسرائيلية التي خرجت من إسرائيل في بدايات العدوان، حيث استغل الاحتلال ذلك لمزيد من القتل وتكريس حالة النزوح والمجاعة بين المواطنين.. لقد كان واقعا غير مسبوق عشناه جميعا».
وتابع مشددا على أن الصحافي الفلسطيني في القطاع تمكن من التقاط الفرصة التي منحت له، ورغم كونه مهددا بالتهجير والقتل وبكم المخاطر قام بقلب الدعاية الإسرائيلية.. «لم يكن ذلك ببرمجة مسبقة، بل بجهد ذاتي، وبدافع صحافي وإنساني وضميري، لقد نقل وجع غزة للعالم وهو ما عمل على إحداث تحول تدريجي في الصورة التي نقلت للعالم».
واعتبر الشوا أن العالم بدأ يفكر بفعل التغطية الصحافية مع عام 2024 عندما انتقلت الصورة بشكل أكبر مع قرار محكمة الجنايات الدولية، والفضل بذلك يعود إلى تضحيات قدمها الصحافيون حيث تمكنوا من بلورة تغطية صحافية مجتمعية ووطنية وحقوقية تعكس ضميرا حيا.
ورأى الشو ان ما تعرض له الصحافيون كان ممنهجا ويعكس الفشل الذريع الذي يسجل للمجتمع الدولي في حماية من يستحق الحماية. فالصحافيون محميون، هم مدنيون ويتم استهدافهم أثناء القيام بالمهام الصحافية وأكبر دليل ما حصل في مجمع ناصر حيث كان القصف حدثا مباشرا ومصورا.
وشدد على أنه رأى نماذج بطولية مثل الصحافي الذي بترت قدمه ومن ثم عاد للعمل الصحافي، وكل ما أنتجه الصحافيون في غزة أصبح مادة يتداولها العالم.
واعتبر أن سلوك الصحافيين في التغطية اليومية جاء مقترنا بإدراك المخاطر، «فالصحافي كان في طريقة للتغطية رغم أنه كان يدرك انه ذاهب للمقتلة بقدميه من دون أن يكون محميا من المعدات أو وسائل الحماية، في حين أنهم استخدموا بدائل متهالكة من أجل مواصلة التغطية.
وقال مستغربا: «العالم خذل الصحافيين الذين كان عليهم عبء التجربة، وهو أمر يحتم عليهم توثيق تجربتهم الخاصة، التي كانت تقتضي أن يعمل وحيدا في ظل منع دخول الصحافيين الأجانب والحجة كانت عدم تعرضهم للخطر، وكأن الرسالة كانت أن الصحافي الفلسطيني يستحق أن يكون في قلب الخطر».
وختم حديثه قائلا: «اليوم نرى شعوب العالم تقف إلى جانبنا.. صحيح لقد تأخر ذلك، لكننا تحولنا لحالة ضميرية بالعالم أعادت القضية لزخمها العالمي والسبب هو التضحيات التي قدمها الصحافيون، وهذه نتيجة لا يجب ان تجعلنا نغفل عن المطالبة بتكريس آليات المساءلة والمحاسبة لمحاكمة المجرمين».
من تغطية الحدث إلى الصحافي الحدث
أما الصحافي مروان الغول، والذي غطى كافة الحروب التي شنت على قطاع غزة، فبدأ حديثه بالتأكيد على وعي الصحافيين منذ اللحظات الأولى للعدوان على غزة بما يعترض طريقهم وبما يواجهونه.
وأضاف: «منذ بداية العدوان كنا كأسرة صحافية ندرك مدى التحديات التي سنواجهها، وحتى اليوم، لقد كانت الأثمان باهضة دفعنا ثمنها بالدم والنزوع والجوع، ورغم ذلك ما زلنا نتحدى الرواية الإسرائيلية في ظل حجم التضليل الذي تعرضت له القضية برمتها والإبادة في القطاع».
ورأى أنه على مدار سنتي العدوان كانت التجارب كبيرة وكثيرة، «لقد كان التحدي أكبر من أن نقوم بممارسة مهامنا اليومية.. ورغم ظروف التهديد بالقتل، ومخاطر التنقل الدائم خوفا من القصف وحاجاتنا الأساسية بصفتنا صحافيين لدينا عائلات إلا أن التغطية تواصلت».
وشدد على أن الصحافيين عاشوا وشاهدوا وكانوا جزءا من تجارب شخصية مؤلمة جدا، تركت أثرها علينا، «لقد كنت أصور تقريرا لمؤسسة دولية وأدركت أنني أصور فاجعة لنحو 30 فردا من أسرتي كانوا تحت الركام».
وأكمل: «تجاربنا الشخصية مؤلمة، كنا نذهب للعمل ونشاهد عشرات الأطفال الشهداء الممزقة أجسادهم، والأمهات اللواتي يبحثن عن أمل. عشنا عامين في ظل المشاهد اليومية التي يصعب على أي إنسان تخيلها، لكننا جزأ من المكان، لقد زاوجنا بين حياتنا المهنية وعملنا وحياتنا الشخصية، وكل التجارب التي مر بها الصحافيون الأحياء أو الأموات ليست تجارب شخصية إنما تجارب عاشها الجميع في ظل حرب الإبادة».
وختم: «لقد تركنا العالم لوحدنا وتخلى الجميع عنا. ورغم ذلك سنستمر بالعمل لدحض الرواية الكاذبة، لنوصل للعالم حقيقة ما يجري في غزة.. إنها رسالة مغمسة بالدماء.. والصحافيون قبلوا التحدي».
ان تعمل من دون أي خصوصية
أما الصحافية ربا العجرمي، فعاشت تجربة صحافية وحياتية على مدى سنتي الحرب مليئة بالنزوح والواقع الصعب في ظل التغطية الميدانية التي كان يتطلبها عملها.
وتقول: «تجربتي كصحافية وأم في تغطية الحرب لا يمكن تخيلها، تحديدا لكوني أم وأطفالي صغار وأغطي الحرب من الساعة الأولى، فيما أصغر أطفالي كان بعمر 3 أشهر».
وتحدثت العجرمي عن مخاطر التنقل اليومي والتهديدات والهجمات والتهديد بالمباشر بالقتل، معتبرة أنها «تحديات كبيرة في ظروف قاسية.. لقد تعرضنا لنزوح قسري عدة مرات، وهي من أسوأ التجارب التي يمكن أن يعيشها الصحافي».
وشددت على فقدان المأوى والملابس وأبسط احتياجات الحياة، «كأم تعمل في الميدان وتغطي الواقع المأساوي كنت دوما مشغولة بأطفالي، هل وجدوا علبة حليب أو غذاء مناسبا؟ هل التطعيم متوفر؟ هل يمكن لطفلي أن يكون قادرا على تلقي التعليم مرة أخرى. هل أطفالي في أمان وأنا بعيدة عنهم؟ وكلها أسئلتي الخاصة لكنها أسئلة المواطنين الذين كنت أغطي قصصهم».
واكملت قائلة: «في كل مأساة كنت أرى عائلتي. أنا نازحة بكل تفاصيلها ونفس التجربة والظروف القاهرة، وهذا يعني أننا كنا نغطي تجارب مواطنين هي ذاتها تجاربنا الخاصة، وهو ما جعلنا ننجح في نقل صورة الواقع بفعل الإبادة والتجويع، فنحن مكون من مكونات شعبنا، ونحن من يعيش تفاصيل الحياة على أرض الواقع».
وشددت على أن العمل والحياة في ظل المخاطرة ليست قرارا خاصا بالصحافيين، بل جزءا من حياة أي مواطن، فالخطر كان في كل مكان في قطاع غزة، وكانت مهمتنا تقديم صورة القطاع وهو ما يعمل على دحض الأخبار الكاذبة.
وحول مخاطر العمل شددت: «سياسة الاحتلال كانت تسعى إلى كي وعينا، كان يرسل الرسائل لنا من خلال عمليات استهداف واغتيال الصحافيين، أي أننا سنتلقى المصير ذاته، لكن المعجز في عملنا أننا كنا نتحدى الاغتيال، كنا بوعي نرفض الخوف، وكان هناك قرار جماعي بمواصلة الرسالة ونقل الصورة».
وقالت العجرمي في جانب من شهاداتها إن وقع النزوح المتكرر فرض العمل في بيئات جديدة، «لقد كنا نتواجد في مناطق جديدة ومع استمرار الحرب كانت هناك ظروف مختلفة جدا، أنت تعيش في مكان لا تعرف من يجاورك، وهذا جعل الحياة صعبة للغاية».
وشددت على أن العمل في ظل النزوح وفي ظل الإبادة وتدمير المنازل «جعلنا نفقد أي خصوصية لحياتنا المهنية أو لحياتنا الخاصة، فالعمل في الميدان كان من دون أي مقومات، لم نعش في ظروف طبيعية، وكنا في خيام غطينا الحرب وعشنا في أكثر الأماكن صعوبة وتحديدا القريبة من المستشفيات.. هذه التغطية التي مارسناها في ظروف بعيدة عن أي إنسانية كانت فيها خصوصيتنا معدومة تماما، لقد كنت أقطع مسافات طويلة جدا كي أصل لدورة المياه أو أتمكن من الوضوء.. لكم تخيل ذلك».
صحافي أم متعاون؟
أما الصحافي سليمان حجة فركز حديثه على عمل الصحافيين في واقع غياب الأمان، وفي ظل أنهم مستهدفون من قوات الاحتلال بشكل حرفي، وهو ما يدلل على كم الشهداء الذين سقطوا خلال عامي الإبادة.
وتابع حجة: «يمكنني القول انه على مدى عامين لم يكن هناك مساحة 2 سم آمنة في كامل القطاع، ومع ذلك عملنا وقدمنا رسالتنا كما يجب».
وعقب على تعامل المؤسسات الغربية مع الصحافيين في القطاع بأن سلوكها كان متناقضا وانتهازيا، «فأنت صحافي تعمل مع المؤسسة الغربية، لكنك عندما تستشهد تصبح متعاونا معها، وهذا أمر لا يمكن وصفه إلا بالنذالة».
وأوصى الملتقى مجموعة توصيات ولعل أهمها، أهمية استمرار نقل الرسالة الإعلامية رغم كافة التحديات، وضرورة التفكير بإطار جديد لحل المشاكل التي تواجه الإعلام الفلسطيني، وضرورة توفير إطار مؤسسي يوفر نوعا من الأمان المهني للصحافي المستقل.
وفي ذات السياق، نظمت نقابة الصحافيين الفلسطينيين ومركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، في مقر النقابة بمدينة رام الله ومركز التضامن الإعلامي بخانيونس ودير البلح، ورشة عمل تفاعلية بمشاركة واسعة من صحافيات وصحافيين فلسطينيين؛ لمناقشة واقع الإعلام الفلسطيني خلال الحرب على قطاع غزة، وتسليط الضوء على تجارب الميدان، والتحديات، وسبل التعافي من تداعيات أكبر حرب إبادة إعلامية في تاريخ الإنسانية والإعلام.
وجاء اللقاء بعنوان «صحافيات وصحافيون تحت النار: التحدي والتعافي»؛ لبلورة فهم أعمق لممارسات التغطية الإعلامية خلال ظروف الحرب، واستشراف آليات مستدامة للعمل المشترك والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية، في ظل الاستهداف المنهجي للصحافيين والمؤسسات الإعلامية في قطاع غزة.
وخلال اللقاء اعتبر نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر، أن الصحافي الفلسطيني اليوم لا يحمل الكاميرا فقط، بل يحمل الحقيقة في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية؛ فيدفع ثمن كشف الرواية الإسرائيلية دماً وشهادة.
وجاءت الورشة ضمن توجه استراتيجي لخلق فضاءات حوار بين المؤسسات الإعلامية والعاملين في الميدان.
وناقش الصحافيون آليات تطوير أدلة السلامة الميدانية، وضرورة دمج التجارب الفلسطينية في المناهج الجامعية. وكذلك طرق الدعم النفسي للصحافيين وتمكينهم بعد الصدمات، وأهمية إيجاد شبكة دعم مهنية واجتماعية متكاملة تضمن استمرارية العمل الصحافي رغم الظروف الميدانية الصعبة.
وفي ختام الورشة، أوصى المشاركون بضرورة إعداد دليل فلسطيني محدّث للسلامة المهنية يتناسب مع طبيعة المخاطر الميدانية اليومية، وإنشاء وحدة رصد ميدانية دائمة تابعة للنقابة لمتابعة الاعتداءات فور وقوعها.
كما أوصى المشاركون بتطوير برامج دعم نفسي واجتماعي مستدامة للصحافيين الميدانيين الذين يعيشون ظروفًا قاسية في مناطق النزاع.
الإعلامي محمد الأسطل، ومراسل إذاعة «أجيال»، قدم توصيات خاصة من ضمنها تصميم برنامج تأريخ شفوي لتجارب الصحافيين الفلسطينيين، معتبرا أنه إذا كان من يوثق جزءا من إبادة الشعب الفلسطيني، عندها يكون السؤال: من سيوثق شهاداتهم وأعمالهم؟ وكذلك تأصيل منهجي علمي يجمع بين المهني والأكاديمي لتجارب ونجاحات وتحديات الصحافيين، وصياغتها لاحقا في قالب يستفيد منه طلبة الإعلام في الجامعات والصحافيون على حد سواء.
وشدد على أهمية عقد ملتقى أو مؤتمر علمي تصاغ من خلاله مجموعة من الأبحاث العلمية المحكمة للتجربة الصحافية في قطاع غزة خصوصا وفلسطين عموما. وطالب الأسطل بضرورة رفض الاستسلام لواقع استهداف الصحافيين، لكن من دون المخاطرة بالنفس من أجل صورة أو تقرير، فحياة الصحافي أغلى ما يمكن المحافظة عليه. وبضرورة الاختلاط أكثر بأوجاع المواطنين لاكتساب قدرة أفضل للتعبير عنهم، وهذا يعني الالتصاق أكثر بهمومهم وأوجاعهم والتعبير عنهم ومنحهم الأولوية في التغطية كون الشعب هو الأهم، وعدم التمترس خلف القلم أو الهاتف أو الكاميرا في مكان بعينه. وتعميق الأنسنة للتغطية الإعلامية «ما بعد الأنسنة»، وتحويل الأرقام والبيانات الميتة إلى معلومات مكتظة بالحياة المعبرة عن واقع الإبادة.
وأكد الأسطل أن تجارب الميدان تجاوزت كل مقتضيات السلامة المهنية من جانب، وكل معايير العمل الإعلامي الأكاديمية والمهنية من جانب آخر، «بمعنى أن الصحافيين هنا شكلوا حالة صحافية مختلفة يمكن اعتبارها أنموذجا يحتاج إلى ضبطه ومأسسته ليخرج في قالب منهجي يمكن تعميمه محليا ودوليا».
وطالبت نقابة الصحافيين الفلسطينيين بالمزيد من عمليات توفير حماية ميدانية للصحافيين من خلال توفير سترات واقية للرصاص وخوذ لجميع العاملين، وتجهيز سيارات إسعاف ميدانية ومراكز طوارئ في مناطق الخطر لتقديم الإسعافات العاجلة. ودعت إلى تعزيز خطط الطوارئ للعائلات عبر إنشاء شبكات أمان للعائلات ومناطق آمنة في حال الهجمات المباشرة على منازل الصحافيين.
وشددت النقابة على ضرورة توثيق الانتهاكات بشكل مستمر، من خلال تكثيف عمليات التوثيق الفوري للقتل والاعتداءات والاعتقالات والتدمير، مع استخدام الفيديو والصور والمستندات القانونية لتقديمها للجهات الحقوقية الدولية.
كما دعت إلى تعزيز الأمن الرقمي للصحافيين، عبر استخدام أنظمة تشفير للاتصالات والبيانات، والتدريب على حماية الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي من الاختراق أو الحجب. وأكدت النقابة ضرورة توفير دعم نفسي للصحافيين، خاصة توفير دعم نفسي واحترافي للصحافيين الذين تعرضوا لصدمات مباشرة أو شاهدوا استهداف زملائهم وعائلاتهم.
ودعت إلى إطلاق حملات توعية محلية ودولية، من خلال نشر بيانات دقيقة حول الانتهاكات ضد الصحافيين الفلسطينيين لزيادة الضغط الدولي على الاحتلال، والتعاون مع مؤسسات حقوق الإنسان والصحافيين الدوليين لتسليط الضوء على الانتهاكات.
كما أوصت نقابة الصحافيين بتعزيز التغطية القانونية والدولية، وتقديم شكاوى لدى المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، محكمة الجنايات الدولية، والاتحاد الدولي للصحافيين، ومتابعة محاسبة المسؤولين عن الاعتداءات ضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين النزاع المسلح.
وشددت على ضرورة تقوية الإعلام الفلسطيني المستقل، من خلال دعم المؤسسات الإعلامية الصغيرة والمتوسطة ماليًا وفنيًا للحفاظ على استمرار التغطية رغم الهجمات، وإنشاء مخازن احتياطية للمعدات الإعلامية وحفظ النسخ من المواد الصحافية في مواقع آمنة.
ودعت النقابة إلى تطوير برامج تدريبية للصحافيين الميدانيين، من خلال تدريبهم على السلامة في مناطق النزاع، إدارة المخاطر، وحماية النفس أثناء تغطية الأحداث، والتدريب على التعامل مع الاعتقالات المحتملة وحماية المعدات والمواد الصحافية.
عامان من الإبادة بحق الصحافيين
تظهر بيانات رصد لجنة الحريات التابعة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، ارتفاع حجم الانتهاكات الاحتلالية بشكل متدرج خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مع تصاعد ملحوظ خلال عام 2025 حتى بداية تشرين الأول/اكتوبر، حيث تم توثيق استشهاد 252 شهيدًا، من بينهم 34 زميلة صحافية ارتقوا بنيران جيش الاحتلال في عدوانه على قطاع غزة.
وكان عام 2023 الأكثر قسوة بحق الصحافيين، حيث استشهد 102 صحافيين وعامل في القطاع الإعلامي ونشطاء على مواقع التواصل، إضافة إلى عشرات الإصابات والاعتقالات وتدمير المؤسسات الإعلامية، مع استهداف مباشر للصحافيين الميدانيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي عام 2024، استشهد 91 صحافيًا مع استمرار الجرائم بوتيرة مرتفعة، شملت الاعتقالات الميدانية والمضايقات الإلكترونية وتدمير المعدات الإعلامية، مع ارتفاع عدد الإصابات الجسدية أثناء التغطية.
ومنذ بداية العام الجاري، استشهد 59 صحافيًا، وسجلت بيانات اللجنة زيادة ملحوظة في الاستهداف المباشر للحياة والممتلكات الصحافية، مع ارتفاع عدد الصحافيات المستشهدات ووقوع اعتداءات جسدية مباشرة أثناء التغطية.
وإلى جانب القتل والاغتيال، استمرت حملات اعتقال الصحافيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع فرض قيود على التنقل أثناء العمل، وكان مجموع ما تم اعتقاله من الصحافيين منذ بدء العدوان حتى الشهر الجاري 153 صحافيًا، حيث تم اعتقال 48 منهم عام 2023، وارتفعت النسبة في العام التالي وتم اعتقال 69، ومنذ بداية العام وحتى هذا الشهر جرى اعتقال 36 صحافيا.
كما أصيب عدد من الصحافيين برصاص وشظايا صواريخ، مخلفة إعاقات وأضرار جسيمة وصلت حد بتر أطراف البعض، وهي كالتالي: 63 حالة عام 2023، و86 في عام 2024، و54 حالة هذا العام.
كما ودمر جيش الاحتلال أكثر من 150 مكتبًا ومؤسسة إعلامية منذ عام 2023، بما في ذلك مكاتب تم استصلاحها في عمارة الغفري بمدينة غزة، على النحو التالي: في عام 2023 تم تدمير 90 مؤسسة إعلامية ومكتبا، وعام 2024 دمر الاحتلال 30 مؤسسة صحافية، وهذا العام تم تدمير 20 مؤسسة إعلامية ومكتبا.
ولم تتوانَ قوات الاحتلال عن استهداف الصحافيين في منازلهم، ما أسفر عن استشهاد أطفال وأمهات وآباء وأزواج وأخوة وأخوات، إضافة إلى أقاربهم، كما أصيب 255 صحافيا برصاص الاحتلال منذ بدء العدوان.
كما وشهدت السنوات الثلاث تصاعدًا في اعتداءات المستوطنين الجسدية واللفظية والتهديد بالسلاح، وهي على الشكل التالي: شهد عام 2023، 27 حالة اعتداء، وزادت الاعتداءات بشكل كبير العام الماضي وجرى توثيق 36 اعتداء، وهذا العام وحتى الشهر الجاري تم توثيق 28 اعتداء.
وفي ملف التهديدات الرقمية، فقد تعرض الصحافيون النشطون على الإنترنت للتهديد والترهيب المباشر، مع تورط شركات المنصات العالمية مثل (فيسبوك، واتساب، إنستغرام، يوتيوب، إكس، وتيك توك) بالتعاون مع حكومة الاحتلال في حجب المحتوى الفلسطيني، بما شمل حسابات الصحافيين والوكالات والقنوات الإخبارية.
كما شملت التهديدات، أشكالا أخرى من الجرائم، شملت الاعتداء بالضرب، واقتحام المنازل، والاستيلاء على المعدات، ومنع السفر، الاستدعاءات والتحقيق، وحذف المواد المصورة، والتهديد والتحريض، وغيرها الكثير.
ومن أخطر الانتهاكات وأكثرها قسوة معنويا وماديا هي الاضطرار للنزوح عن المنزل حيث اضطر المئات من الصحافيين لمغادرة منازلهم خوفا من خطر الموت الذي لاحق بعضهم وقتلهم في منازل مستأجرة أو منازل أقرباء وفي مراكز اللجوء والإيواء بالمدارس وحتى في الخيام بمحيط المستشفيات والتي استشهد فيها نحو 50 صحافيا.
ويعتبر الصحافيون الميدانيون هم الأكثر تعرضًا للإصابات المباشرة أثناء العدوان، كما أن الصحافيات تعرضن للاستهداف بالقتل المباشر، خصوصًا في غزة وبالملاحقة والاعتقال في الضفة الغربية. كما أن الصحافيين الأجانب والمتعاونين معهم واجهوا قيودًا واعتداءات في مناطق الاحتلال والمناطق الفلسطينية ومنعوا من التغطية.
وأكدت نقابة الصحافيين، أن هناك تصاعدا في الجرائم ضد الإعلاميين، في تجاه واضح نحو استهداف حياة الصحافيين مباشرة، بدلًا من المضايقات والاعتقالات فقط.
وأشارت إلى أن الاستهداف الممنهج للصحافيين الميدانيين، يعد محاولة لمنع التغطية المستقلة ونقل الأخبار من مناطق الإبادة الجماعية.