الدستور
يبدو أن السيناريو اللبناني سيتكرر في غزة، فبعد انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني بناءً على اتفاق وقف النار مع دولة الاحتلال التي ما زالت تمارس عدوانها على لبنان وحزب الله ضمن حجج ومبررات لا معنى لها، إلا أنها، أي إسرائيل، لا تلتزم باتفاق ولا تقيم وزناً لأي وساطة.
وبعد الاتفاق تصر دولة الاحتلال على نزع سلاح حزب الله عن طريق الضغط العسكري تارة، وأخرى ضغوط أمريكية يقودها مبعوثها باراك.
وها هو السيناريو نفسه يتكرر في غزة وسط تهديدات إسرائيلية بضرورة نزع سلاح حماس، وبغير ذلك فإن أبواب الجحيم ستفتح مجدداً.
وما زال جيش الاحتلال يمارس عمليات الاغتيال وتوجيه ضربات عسكرية على قطاع غزة أسفرت عن عشرات الشهداء والمصابين، على الرغم من أن حبر الاتفاق لم يجف بعد، ولم تمضِ عليه أيام.
والغريب أن إسرائيل تمارس نفس الأسلوب والمبررات التي انتهجتها في لبنان لتبرير عدوانها المستمر على غزة.
وها هي تهدد بأنها لن تفتح معبر رفح ولن تسمح بمرور المساعدات حسب العدد المتفق عليه، بحجة عدم التزام حماس بتسليم جثامين أسراها كاملة، على الرغم من أن الاتفاق نص على أن التسليم سيكون حسب الظروف وضمن الإمكانيات، وأن العملية تحتاج إلى وقت، إلا أن إسرائيل بعد حصولها على أسراها خف الضغط الداخلي على الحكومة المتطرفة، وأصبحت تبحث عن ذرائع لتتنصل من الاتفاق ومواصلة حربها، وهو الأمر نفسه يتكرر في لبنان.
وكنا قد أشرنا سابقاً إلى أن الاتفاق هش ولن يصمد طويلاً، خاصة وأن موازين القوى مختلفة كلياً وتميل لصالح الاحتلال.
وعلى الرغم من أننا لن نرى حرباً كالسابق على قطاع غزة، إلا أننا على يقين بأن إسرائيل لن تنسحب من غزة بشكل كامل، وستستمر بشن هجمات وتوجيه ضربات عسكرية لقطاع غزة مستخدمة نفس الحجج والمبررات لتتحايل على العالم الذي مارس عليها ضغوطاً غير مسبوقة أنتجت عزلة سياسية ودولية للكيان.
كما ستستمر دولة الاحتلال بسياسة الاعتقالات والاغتيالات لأبناء القطاع، ولن تمنحهم فرصة للراحة والتقاط الأنفاس.
بمعنى آخر، فإن قطاع غزة لن يعود إلى سابق عهده، ولن يشعر بالاستقرار في ظل خطة غير واضحة ويكتنفها الغموض في كثير من موادها.
وسنرى قريباً قوات دولية في القطاع، من بينها قوات أمريكية، التي بدأت طلائعها تصل تل أبيب، بحجة مراقبة وقف إطلاق النار، إلا أننا نعتقد أن هذا الأمر ليس دقيقاً، حيث تسعى إسرائيل ومن خلفها أمريكا إلى التخلص من حماس وفصائل المقاومة بعد تسليم سلاحهم، لتبقى منطقة منزوعة السلاح، لتبدأ بعدها مرحلة البناء وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية للاستيلاء على غزة والسيطرة عليها والعبث في ديموغرافيتها.