عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Jul-2025

إغفال النوع الاجتماعي في العقوبات البديلة ينتج آثارا جوهرية على الفئات النسائية الهشة

 الغد-سماح بيبرس

 برغم أن التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات، التي توسعت ببدائل العقوبات السالبة للحرية، نقلة نوعية في إطار مسار تحديث السياسة الجنائية، وتقليص الاعتماد على السجون في الجرائم الأقل خطورة، وتنسجم مع مبادئ العدالة التصالحية وإعادة الإدماج، والتوصيات الدولية بشأن الحد من العقوبات السالبة للحرية، لكنها "محايدة جندريا"، ولم تتضمن صراحة أحكاما تأخذ بالاعتبار الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للنساء، وفق قانونيين ومتابعين. 
 
 
ووفقا لهؤلاء، فإن إغفال النوع الاجتماعي في تصميم وتنفيذ العقوبات البديلة، يُنتج آثارًا غير مرئية لكنها جوهرية على الفئات النسائية الهشة، كالأمهات المعيلات أو ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي. 
بناء نماذج عقابية مرنة
وعلى سبيل المثال، قد تُفرض على امرأة عقوبة خدمة مجتمعية في مكان لا يراعي سلامتها الجسدية أو النفسية، أو في أوقات تتعارض مع أعبائها الأسرية، ما يؤدي لمضاعفة العقوبة عمليًا من دون قصد، ما يعني بأنّ هناك حاجة لتحليل النوع الاجتماعي، ضمن منظومة العقوبات البديلة، للتأكد من أن هذه العقوبات لن تتحول إلى عبء غير مباشر على النساء.
وتزداد أهمية مراعاة النوع الاجتماعي في العقوبات البديلة، حين ندرك بأن المرأة في كثير من الحالات، لا تكون "مدانة" فقط بل و"ضحية"، جراء ظروف اجتماعية مركّبة، كالفقر والعنف والإقصاء الأسري. 
من هنا، فإن العدالة الجندرية، تقتضي بأن تُصمم العقوبات البديلة بطريقة تضمن ألا تؤدي لمزيد من التهميش أو الإضرار بفرص النساء في إعادة الاندماج. ويتطلب ذلك، بناء نماذج عقابية مرنة، تتضمن برامج تأهيل نفسي– اجتماعي، وخيارات تنفيذ تتوافق مع دور المرأة الاجتماعي والاقتصادي، بالإضافة لإشراف نوعي يراعي هذه الحساسيات.
لذا؛ فإن تطوير منظومة العقوبات البديلة، يجب ألا يتوقف عند حدود تخفيف الاكتظاظ السجني أو تعزيز الفعالية العقابية، بل ينبغي أن يُدمج فيها منظور النوع الاجتماعي، بوصفه مكوّنًا جوهريًا للعدالة، ما يتطلب تعديلًا تشريعيًا وتنظيميًا واضحا، يُلزم السلطات القضائية والتنفيذية، بأخذ الفروقات الجندرية بالاعتبار عند تحديد نوع العقوبة البديلة، وآليات تنفيذها، وشروطها الزمنية والاجتماعية، وفق الخبراء.
كما يقتضي إصدار أدلة إرشادية وتدريب قضاة وعاملين اجتماعيين على تطبيق هذه المبادئ، بما يضمن عدالة إصلاحية حقيقية، تستجيب لواقع النساء وتُسهم بإعادة إدماجهن في المجتمع دون انتهاك لكرامتهن أو خصوصياتهن.
مراعاة النوع الاجتماعي
الخبيرة القانونية والناشطة في حقوق الإنسان هديل عبدالعزيز قالت، إنه وبرغم التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات، المتعلقة بالعقوبات البديلة، لم تذكر كلمة امرأة أو نساء، ولم يجر تخصيص مواد لها، لكن المعيار الحقيقي هنا هو "مدى مراعاة الإجراءات والبرامج التي ستطبق للنوع الاجتماعي".
وبينت أنه من الضروري، أن تكون الآليات والبرامج المطبقة كعقوبات بديلة، مراعية للنوع الاجتماعي، وإن كانت تركز على الجانب الجسدي أو التأهيلي، كما يتوجب تدريب جهات منفذة للقانون على ذلك.
وبينت عبد العزيز، "إنه كون القانون لم ينص على مواد تميّز المرأة نصّاً، على أن هذا لا يعني أنه لن تجري مراعاة النوع الاجتماعي"، مشيرة إلى أن القانون أعطى صلاحيات للقاضي، بحيث يحكم بالعقوبة المناسبة كل بحسب الحالة، موضحة بأن الحكم يكون بحسب ظروف الجاني والمجني عليه وطبيعة الجرم والخطورة الجرمية للجاني.
وأكدت على مبدأ "تفريد العقوبة" في العقوبات البديلة، كما كان القانون قد شدد على أن يكون هناك تقرير اجتماعي، بحيث يحكم بالعقوبة المناسبة والملائمة للوضع الاجتماعي والاقتصادي والصحي وغير ذلك لكل إنسان صدرت بحقه هذه العقوبة.
أثر إيجابي للتعديلات على النساء
مدير مشروع الحوار مع الدولة في المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب عبدالله عبده، قال إنه وبرغم من التقدم الملموس في توسيع نطاق بدائل العقوبات والتوقيف، فإن التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات الأردني 2025، لم تتضمن نصوصًا صريحة تراعي النوع الاجتماعي، أو تعتمد مبدأ التفرقة الإيجابية لصالح الفئات المتضررة جندريا، خصوصًا النساء. 
وأضاف عبده، انه مع ذلك، يمكن رصد أثر إيجابي غير مباشر لهذه التعديلات على النساء عبر زاويتي: استقرار الأسرة والتخفيف عن النساء المعيلات، ففي الحالات التي يُستبدل فيها سجن رب الأسرة، وغالبًا ما يكون رجلًا، بعقوبة بديلة كالخدمة المجتمعية أو المراقبة الإلكترونية، تستفيد النساء ضمن محيطه الأسري على نحو مباشر.
وأشار إلى أن هذا التخفيف يُجنّب المرأة العبء الاقتصادي والاجتماعي، الناتج عن غياب المعيل، بخاصة في أسر تعتمد على دخل الزوج وعليه، إذ تُسهم العقوبات البديلة هنا، بتقليل هشاشة النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، وتعزيز تماسك الأسرة، مبينا أن العقوبات البديلة، تدبير وقائي يخفف من التأثير السلبي لعقوبة الحبس على النساء، بصفتهن متضررات غير مباشرات من العقوبة.
وأوضح أن هذا التوجه يُمكّن النساء من المحافظة على بيئة أسرية مستقرة نوعا ما، ويقلّل من مخاطر الانهيار الاجتماعي أو الاقتصادي للأسرة، إذ إنه برغم أن التعديلات لم تصمم صراحة بمنظور جندري، لكنها خطوة نحو عدالة اجتماعية أكثر شمولًا، وفي الوقت نفسه يبقى إدماج النوع الاجتماعي ضرورة في المرحلة المقبلة في تصميم وتطبيق العقوبات البديلة، لعدم إعادة إنتاج الفجوات الجندرية ضمن منظومة العدالة التصالحية، وتماشيا مع التوجه الدولي في الإصلاح القضائي. 
يشار هنا إلى أن التعديلات الأخيرة على القانون، أتاحت لـ"المحكمة في الجنح كافة وفي الجنايات التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها بالأشغال المؤقتة، أو الاعتقال المؤقت مدة 3 سنوات، فيما خلا حالة التكرار، وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية، مع مراعاة ظروف كل دعوى على حدة، أن تستبدل عند الحكم أو بعد صدور العقوبة المقضي بها، حتى وإن اكتسب الحكم الدرجة القطعية، ببديل أو أكثر من بدائل العقوبات السالبة للحرية".
ومنح التعديل في المادة المحكمة نفسها، وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية وتقرير مركز الإصلاح والتأهيل، المتضمن حسن سلوك المحكوم عليه "النزيل"، استبدال المدة المتبقية من مدة العقوبة السالبة للحرية ببديل أو أكثر، شريطة ألا تزيد تلك المدة على سنة، وألا تقل العقوبة المحكوم بها عن 3 سنوات، ولا تزيد على الأشغال المؤقتة 8 سنوات.
كما أقر التعديل أيضا، استبدال العقوبات ببدائل منها: الخدمة المجتمعية؛ بإلزام المحكوم عليه وبموافقته، بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن 50 ساعة، بواقع 5 ساعات يومياً، كذلك البرامج التأهيلية، التي تقتضي إخضاع المحكوم عليه وبموافقته لبرامج تأهيلية تحددها المحكمة، لتقويم سلوكه وتحسينه، وإخضاعه لبرنامج علاجي من الإدمان بموافقته، وكذلك إخضاعه للرقابة الإلكترونية في تحركاته كافة، وحظر ارتياده لأماكن أو مناطق جغرافية محددة، وإلزامه بالإقامة في منزله، أو المنطقة الجغرافية المحددة جزئيا أو كليا للمدة التي تحددها المحكمة، على أن تكون مقترنة بالمراقبة الإلكترونية.
وأتاح للمحكمة إقران أي بديل من بدائل العقوبات السالبة للحرية، بأحد التدبيرين التاليين أو كليهما وهما: منع سفر المحكوم عليه لمدة محددة، وتقديم المحكوم عليه تعهداً محدد القيمة، بعدم التعرض أو الاتصال أو التواصل بأشخاص أو جهات معينة، بحيث يراعى في تحديد مدة بدائل العقوبات السالبة للحرية، ألا تقل عن ثلث مدة العقوبة السالبة للحرية المستبدلة ولا تزيد عليها.
وأتاح أيضا للمحكمة، أو لقاضي تنفيذ العقوبة، تحديد مدة تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية، على ألا تقل عن شهر ولا تزيد على سنتين في الجنح، ولا تقل عن 3 أشهر، ولا تزيد على 3 سنوات في الجنايات، ويتعين على المحكمة الحكم بالعقوبة السالبة للحرية، قبل القضاء باستبدالها بالبديل المناسب.
ونصت التعديلات، على منع استبدال العقوبة بعقوبات بديلة في جرائم: الجنايات الواقعة على أمن الدولة، وتزوير البنكنوت، والمتصلة بالمسكوكات، والواقعة على من لم تقترن بالصفح أو إسقاط الحق الشخصي، والمخلة بواجبات الوظيفة العامة، والاغتصاب، وهتك العرض والخطف الجنائي، والتعذيب المنصوص عليها في المادة (208) من القانون، والمنصوص عليها في قانون منع الإرهاب، والمنصوص عليها في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية.