عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Sep-2025

هل بقيت أرض للفلسطينيين يقيمون عليها دولة؟* حمزة عليان

الجريدة -

 
زميل مخضرم في عالم الصحافة الخليجية، أرسل لي تعليقا على مقال كتبته حول اعتراف 162 دولة في العالم بدولة فلسطين. اختصر فيه المشهد بأن تلك الاعترافات لا قيمة لها، فالأرض محتلة ومدمرة والشعب محتل ومذبوح، والسلطة عاجزة وفاشلة، وغزة في مهب الريح.
 
الحقيقة أن الاعتراف العالمي لم يأتِ من فراغ، وليس كله عسل وتفاؤل. ولكن نقطة ضوء في نفق مظلم قد تساعد بإيجاد حل سياسي، وهذا ما ظهر في خطاب ترامب بإعلان رفضه ضم الضفة الغربية وغزة من قبل إسرائيل.
 
حديث الاعتراف طغى على مشهد القتل والإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة. لكن هذا الشعب يفرض نفسه على الخريطة التي ستبقى مفتوحة إلى أن ينال حقوقه، وهذا ما أراه في الحرب الدائرة بغزة.
 
أكثر من مليونين من الفلسطينيين تحت حلقة الإبادة والنار والقتل والتهجير، ومع ذلك أظهرت الحرب أنهم أكثر تشبّثاً بالأرض والبقاء. بقيت فيهم تلك الروح التي انغرست في وجدانهم والأجيال التي ستتعاقب من بعدهم تقول هذه أرضنا ولن نتخلى عنها.
 
مروان المعشّر، أول سفير أردني بإسرائيل عام 1995، وهو سفير سابق بواشنطن، ونائب رئيس مجلس وزراء أسبق، قرأ الرواية الإسرائيلية جيداً، وكما خرجت من عقول اليمين الحاكم بفرقة نتنياهو، وقال إن إسرائيل لا تريد ضم السكان في الضفة الغربية، بل تريد ضم 82 بالمئة من مجموع المنطقتين (ب) و(ج) تحديداً، وليس المنطقة (أ)، حسب تقسيم اتفاق أوسلو 1993، فهذه الأخيرة فيها تجمعات رئيسية للسكان، تضم 6 مدن من المراكز السكانية الأكبر.
 
إسرائيل تسعى اليوم إلى ابتلاع الأرض، ولا تريد ضم السكان، فهؤلاء - وفقاً للسيناريو الذي يروجون له - يقوم الأردن بإدارة شؤون السكان في المنطقة (أ)، التي لا تربطها حدود جغرافية معها، حيث يفصل بينهما غور الأردن، على أن تعطي الفلسطينيين إقامة دائمة مقابل إعفائها من الديون الخارجية، وهذا السيناريو يعكس نهجا نازيا ربما يحدث بمباركة أميركية ورعاية من الرئيس ترامب، الحالم بجائزة نوبل للسلام.
 
ما يجري على الأرض في الضفة الغربية تحديداً يقدّم صورة واقعية ومأساوية توصلك إلى قناعة تسأل فيها نفسك: هل بقيت مساحة من الأرض يُسمح فيها للفلسطينيين بحكم ذاتي أو بشبه دولة؟
 
مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها الأخير رقم 144 لعام 2025، فتحت هذا الملف بمشاركة مجموعة من الكتّاب المتخصصين في مجالات الاستيطان والمياه والزراعة والاقتصاد وخبراء بالشأن الإسرائيلي. يعالج ما جرى ويجري في الضفة الغربية من توسّع للسيطرة الإسرائيلية وأحكام أكثر عبر الاستيطان وغيره.
 
وهناك بحث مشترك لمجدي المالكي وأحمد عز الدين أسعد عن العنف المكاني وتفكيك الاستيطان، يخلصان فيه إلى قول إن ما يجري هنا ليس مجرّد توسيع استيطاني، بل مشروع يسعى لضمّ الأرض وتفريغها من أهلها وأصحابها، وفرض السياسة الإسرائيلية بحكم الأمر الواقع.
 
احفظوا جيدا هذه الأرقام المخيفة: يوجد الآن في الضفة الغربية 180 مستعمرة رسمية
 
و51 بؤرة استيطانية أقيمت خلال 4 سنوات. بلغ عدد المستوطنين 770 ألف مستوطن. «وهناك تقديرات بأن العدد وصل إلى المليون مستوطن من أصل 3.4 ملايين فلسطيني».
 
وعدد الاعتداءات من المستوطنين على الفلسطينيين وصل إلى 2971 اعتداء عام 2024، والأخطر أن عدد الحواجز والبوابات الحديدية الإسمنتية الدائمة والمؤقتة أصبح 916 حاجزا، وقد خصصت حكومة نتنياهو وفريقه المتغطرس المتوحش 514 مليون شيكل عام 2024 لهذا المشروع، فضلاً عن 3.6 مليارات شيكل لشوارع المستعمرات.
 
تلك الإجراءات التهمت 46 ألف دونم من الأراضي التي تمت مصادرتها وعدد المنشآت التي تم هدمها خلال عام 2024. وهي 903 منشآت، وعدد الأشجار التي اقتلعت ووصلت إلى 14 ألف شجرة زرع فيها المستوطنون 144 ألف دونم على حساب الشعب الفلسطيني.
 
خطة الحسم التي تبناها سموتريتش تقوم على أنّه لا مكان في أرض إسرائيل لحركتين قوميتين تناقض إحداهما الأخرى، ولا تسمح لأي كيان قومي عربي يقوم في أرض إسرائيل.
 
تلك هي الصورة الحقيقية على الأرض بانتظار القادم والمجهول.