الدستور
ما يسمى في الإعلام العربي الخلاف الأمريكي/الإسرائيلي، والقطيعة والافتراق بين ترامب ونتنياهو، ليس إلا مجرد خدعة وتضليل للعرب. وهم يعرفون كم أن العرب طيبون وسطحيون، ويصدقون كل ما يسمعون.
ما بعد تصويت الكنيست الإسرائيلي على مقترح قانون بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، سادت وجهات نظر تحليلية توحي بأن هناك مواقف مغايرة ومتقابلة بين إسرائيل وأمريكا بخصوص ملفات إقليمية ساخنة.
ومثلما يتحدث ترامب وفريقه السياسي عن نهاية حرب غزة ومطالبة إسرائيل بعدم ضم الضفة الغربية.
وما لا يتنبه إليه مروّجو فرضية الخلاف والاختلاف الأمريكي/الإسرائيلي، أن ترامب في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي أعلن عن شراكة أيديولوجية حميمية في حرب الإبادة بين واشنطن وتل أبيب.
وأن قرار وقف الحرب لم يكن تعبيرًا عن تحوّل وانعطاف في الموقف الأمريكي نحو الاعتراف بالحق الفلسطيني، بل إن خطة ترامب، رؤية لما بعد وقف إطلاق النار، وهي أعمق استراتيجيًا في إنجاح أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحويل غزة لمجرد جغرافيا وديموغرافيا دون هوية وكينونة فلسطينية، وفصل وعزل غزة عن الضفة الغربية، وتأسيس حالة جديدة في غزة: إدارة دولية، ومجلس وصاية برئاسة ترامب، وقوة دولية للإشراف على نزع سلاح المقاومة.
وفي خطة ترامب تجنّب ذكر دولة فلسطينية كعامل أو نتيجة لوقف إطلاق النار.
هذا هو نتنياهو وهذا هو ترامب، وهذه هي إسرائيل، وهذه هي أمريكا، ولولا الصواريخ والمدافع والقنابل والأقمار الصناعية الأمريكية، ما صمدت إسرائيل 24 شهرًا في عدوانها على غزة.
ولولا أمريكا لحاربت إسرائيل الفلسطينيين بالعصي والحجارة. عبارة خطّتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية مانشيت في الشهور الأولى من حرب غزة. لعبة وتكتيك أمريكي وإسرائيلي، ما وراء قرار إلحاق الضفة الغربية بأورشليم. ولاحظ الأمريكيون أن ثمة عاصفة جديدة قد تهب على الإقليم.
ولا بد أن تؤثر على مصالح أمريكا الاستراتيجية والاقتصادية. وجاء تهديد نائب الرئيس الأمريكي الذي يزور إسرائيل قائلًا: إن حدث الضم ستفقد إسرائيل كل الدعم الأمريكي.
من لا يقرأ ما وراء السطور والتقاطع الأيديولوجي بين ترامب ونتنياهو يظن أن تصريح نائب الرئيس الأمريكي سيكون الرصاصة الأخيرة في رأس نتنياهو وائتلاف حكومة اليمين، الذي قام على أسس ومبادئ أيديولوجية، وليس سياسية للاحتفاظ بالسلطة. من بداية حرب غزة، ما كان نتنياهو ليخوض حرب الجنون والإبادة والتجويع والدمار في غزة، لولا أنه واثق من الدعم الأمريكي، وأنه سيتوَّج على يد ترامب كملك.
إسرائيل هي الابنة المقدسة والمدللة لأمريكا في الشرق الأوسط، وإنها وديعة أمريكا في الشرق الأوسط. والتماهي الأمريكي/الإسرائيلي الأيديولوجي أبعد وأعمق من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية في العلاقة بين الطرفين.
ترامب لن يترك نتنياهو في منتصف الطريق، ولا عالقًا بين الجنة والنار. السفير الأمريكي في تل أبيب مايك هابكي، وهو شخصية سياسية روحية مؤثرة، قال إن تغيير الشرق الأوسط سيكون بأبعاد توراتية، أي إنه لمصلحة إسرائيل الأيديولوجية والعقائدية «التوراتية»، قبل أي مصالح استراتيجية أمريكية.
وقد ظهر السفير في احتفال عيد العرش اليهودي، وعزف مع السفير الأمريكي السابق ديفيد فريدمان الأغنية الشهيرة
«Sweet home Yerushlaym»
بيتك الجميل يا أورشليم، يا رب أنا قادم إليك.
لا نملك إلا قواعد وأدوات الشك في الوقت الراهن. ونتنياهو يفرش لإسرائيل الكبرى والعظمى بالجثامين والجثث. ولاحظوا في غزة مئات آلاف الجثث ما زالت في العراء وتحت الأنقاض، وكيف حوّل نتنياهو غزة إلى مقبرة كبرى، نتنياهو وترامب احترفا صناعة المقابر.
بصراحة، من الحماقة والسذاجة أن تصدّق ما نسمع عن مفارقات وخلافات في العلاقة الأمريكية/الإسرائيلية، وهذا ما يريد ترامب أن يصدقه العرب في علاقته مع تل أبيب ونتنياهو، فهل نصدق؟